بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
اهل البيت "عليهم السلام"
مقامهم - منهجهم - مسارهم
الجزء الخامس
{ الدّهر }
[ إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورآ * عينآ يشربُ بها عباد الله يفُجرونها تفجيرآ * يُوفون بالنّذر ويخافُونَ يومآ كان شرّه مستطيرآ *ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينآ ويتيمآ وأسيرآ * إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورآ * إنا نخافُ من ربّنا يومآ عبوسآ قمطريرآ * فوقاهم اللهُ شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضره وسروآ * وجزاهم بما صبروا جنّهً وحريرآ * متّكئين فيها على الأرائك ِ لا يرون فيها شمسآ ولا زمهريرآ * ودانيةَ عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً * ويطاف عليهم بآنيةٍ من فضّةٍ وأكوابٍ كانت قوارياً * قواريرَ منفضةٍ قدّروها تقديراً * ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً * عيناً فيها تسمى سلسبيلاً * ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً * إذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً * عليهم ثياب سندس خَضرٌ وأستبرقٌ وحُُلٌّوا أساور من فضّةٍ وسقاهم ربُّهم شراباً طهوراً * إنَّ هذا كان لكم جزاءً وكان سعيُكم مشكوراً ]
في هذه الآيات المباركه يتحدث القرآن عن أهل البيت "عليهم السلام" ويضعهم في قمة الايثار والتقوى ، ويعرضهم نماذج وقدوه للبشريه لتقتدي بهم الاجيال وتسير على نهجهم .
والحادثه التاريخيه التي نزلت بسببها الآيه المباركه تشير الى مقام أهل البيت "عليهم السلام" وتساميهم في التطبيق والالتزام الشرعي والتجرّد الكامل لله تعالى ، وانّهم هم الابرار المبشرون بالجنه ، فمن اقتدى بهم وسار على نهجهم حشر معهم ،
ف أورد الزمخشري في تفسير هذه الآيه ما نصه :
" عن ابن عباس - رضي الله عنه - : انّ الحسن والحسين مرضا فعادما رسول الله "صل الله عليه واله" في ناس معه ، فقالوا :
يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ،
فنذر علي وفاطمه وفضّه جارية لهما إن برئا ممّا بهما : أن يصوموا ثلاثة أيام . فشفيا وما معهم شيء ، فاستقرض علي "عليه السلام" من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير ، فطحنت فاطمه صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد "صل الله عليه واله" مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنه ، فآثرواه وباتوا ولم يذقوا الا الماء .
وأصبحوا صياماً فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه .
ووقف عليهم أسير في الثالثه ففعلوا مثل ذلك .
فلمّا أصبحوا أخذ علي "عليه السلام" بيد الحسن والحسين وأقبلوا الى رسول الله "صل الله عليه واله" ، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، قال : ما اشد ما يسوؤني ما ارى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمه في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها ، فساءه ذلك فنزل جبريل وقال: { خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك } فأقرأه السوره
".
اعلم يا اخي : قد نزل من القرآن آيات عديده في الامام علي بن ابي طالب "عليه السلام" وهو الذي تربى في بيت رسول الله "صل الله عليه واله" منذ كان صغيراً ، ونشأ في كنفه وتخلق بأخلاقه وآمن به وهو ابن عشر سنين ، وصدّقه وتابعه ، ثم كان حامل لوائه وجنديّه الشجاع في المعارك كلّها ، بدر وأحد وحنين والاحزاب وخيبر وذات السلاسل وغيرها من المعارك ، وقد شهد له بها رسول الله "صل الله عليه واله" ودوّن كلماته فيه أوسمه خالده تزيّن صفحات التاريخ وتضع أمام البشريه المثل الاعلى في التضحيه والجهاد.
وسنجد بعد استقراء اسباب النزول ان الذي نزل في أمير المؤمنين وإمام المسلمين علي بن ابي طالب "عليه السلام" من القرآن غير الذي ذكرناه في مجموع أهل البيت "عليهم
السلام" كان يتحدث :
أ - عن شجاعة علي "عليه السلام" واستبساله وتضحيته في سيل الله .
ب - عن صبره على الاذى والاستهزاء .
ج - عن ورعه وتقواه وعمله وبذله وولايته للمؤمنين .
ولنذكر أمثله على ذلك ونأخذ منها :
آية الولايه :
[ انَّما وليُّكم اللهُ ورسولهُ والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فانّ حزب الله هم الغالبون ] .ذكر الزمخشري في تفسير الكشاف ما نصه:
" وانها نزلت في علي ( كرم الله وجهه ) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته ، فطرح له خاتمه كأنه كان مرجاً في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته " .
فإن قلت : كيف يصح لعلي "عليه السلام" واللفظ لفظ جماعه ؟
قلت : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبّه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغايه من الحرص على البرّ والاحسان وتفقد الفقراء ، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه الى الفراغ منها " .
وذكر الواحدي عن الكلبي في اسباب نزول هذه الآيه :
" إنّ آخر هذه الآيه في علي بن ابي طالب ( رضوان الله عليه ) لانه أعطى خاتمه سائلاً وهو راكع في الصلاة " .
وقد ذكر نزول هذه الآيه في الامام علي "عليه السلام" عدد كبير من كتب التفسير والحديث .
وآية التبليغ :
{ يا أيُّها الرَّسول بلِّغ مآ أُنزل اليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من النّاس } .لمّا صدر رسول الله "صل الله عليه واله" من حجة الوداع نزلت عليه في الثامن عشر من ذي الحجّه آية { يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك } فنزل غدير خمّ من الحجفه وكان يتشعب منها طريق المدينه ومصر والشام ووقف هناك حتى لحقه من بعده ورد من كان تقدم ونهى اصحابه سمرات متفرقات بالبطحاء ان ينزلوا تحتهن ، ثم بعث اليهنّ فقمّ ما تحتهن من الشوك ونادى بالصلاة جامعه ،
فصلى الظهر بهجير ، ثم قام خطيباً فحمد الله واثنى عليه وذكر ووعظ وقال ما شاء الله ان يقول ثم قال :
{ إني أوشك أن اُدعى فاُجيب ، وإنّي مسؤل وأنتم مسؤولون ، فما أنتم قائلون ؟
قالوا : نشهد انّك بلّغت ونصحت فجزاك الله خيراً ، قال : أليس تشهدون أن لا اله الا الله وأن محمّداً عبده ورسوله وأن الجنّه حق وأن النار حق . قالوا : بلى نشهد ذلك ، قال : اللهم اشهد ثم قال : الا تسمعون ؟ قالوا : نعم .
قال : يا ايها الناس اني فرط وانتم واردون علي الحوض وان عرضه ما بين بصرى الى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضه ، واني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما .
فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله ؟
قال كتاب الله طرف بيد الله وطرف بايديكم فاستمسكوا به لا تظلوا ولا تبدلوا ، وعترتي وأهل بيتي وقد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، سألت ذلك لهما ربي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهما فهم اعلم منكم .
قالوا : بلى يا رسول الله ، ثم اخذ بيد علي بن ابي طالب بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس الى بياض ابطيهما ثم قال :
ايها الناس ! الله مولاي وانا مولاكم ، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، واحب من احبه وابغض من ابغضه ، ثم قال : اللهم اشهد ، ثم لم يتفرقا - رسول الله وعلي - حتى نزلت هذه الآيه :
{ اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا } .
فقال رسول الله "صل الله عليه واله :
الله اكبر على اكمال الدين واتمام النعمه ورضا الرب برسالتي والولايه لعلي } .
وهناك آيات كثيره تتحدث عن مقام هل البيت "عليم السلام" وكرامتهم وعظمة شخصياتهم ، وتخص بعضها ابا الشجره الطاهره الامام عليّاً "عليه السلام" يجدها القارىء في كتب التفسير والمناقب والحديث والسير وفي ابواب اسباب النزول ومن هذه الآيات :
1 - قوله تعالى : { انما انت منذر ولكل قوم هاد }
فقد ورد ان رسول الله "صل الله عليه واله" وضع يده على صدره فقال : { انا منذر ولكل قوم هاد وأومأ بيده الى الامام علي"عليه السلام" فقال : انت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون بعدي } مستدرك الصحيحين وكنز العمال وذكره الطبري في تفسيره والفخر الرازي في تفسيره الكبير والسيوطي في الدر المنثور في تفسير الايه المذكوره .
2 - قوله تعالى : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستون }
أن المؤمن علي "عليه السلام" والفاسق الوليد بن عقبه . ذكر ذلك ابن جرير الطبري والسيوطي في الدر المنثور الزمخشري في الكشاف في تفسير الآيه والوادي في اسباب النزول وتاريخ بغداد والرياض النظره .
3 - قوله تعالى : { أفمن كان على بينه من ربه ويتلواه شاهد منه }
ان رسول الله "صل الله عليه واله" على بينه من امره ، وان الشاهد هو الامام علي "عليه السلام" . ذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور والفخر الرازي في تفسيره الكبير في تفسير الايه المذكوره كما ذكر ذلك المتقي الهندي في كنز العمال .
4 - قوله تعالى : { فأن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين }
أن صالح المؤمنين علي بن ابي طالب "عليه السلام ". السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير الايه وكنز العمال والعسقلاني في فتح الباري والهيثمي في مجمعه .
5 - قوله تعالى : { وتعيها أُذن واعيه }
إن رسول الله "صل الله عليه واله" قرأ الآيه ثم التفت الى علي "عليه السلام" فقال : { سألت الله ان يجعلها أذنك } .
فقال علي "عليه السلام" : { فما سمعت شيئاً من رسول الله "صل الله عيه واله" فنسيته } . رواه ابن جرير الطبري في تفسيره للايه والزمخشري في تفسير الكشاف والهيثمي في مجمعه والسيوطي في الدر المنثور وكنز العمال والواحدي في اسباب النزول .
6 - قوله تعالى : { ان الذين آمنوا وعملوا الصالحت سيجعل لهم الرحمن ودّاً }
ان رسول الله "صل الله عليه واله" قال لعلي "عليه السلام" :
{ يا علي قل : اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في صدور المؤمنين مودّه }، فانزل الله هذه الآيه في علي "عليه السلام" . ذكر ذلك الزمخشري في تفسير الكشاف والسيوطي في الدر المنثور والهيثمي في مجمعه والرياض النضره وابن حجر في صواعقه .
7 - قوله تعالى : { ان الذين آمنوا وعملوا الصالحا اولئك هم خير البريه }
ان رسول الله "صل الله عليه واله" قال : يا علي هم انت وشيعتك . رواه ابن جرير الطبري في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور بطرق مختلفه واضاف بان اصحاب النبي "صل الله عليه واله" كانوا اذا اقبل عليهم علي "عليه السلام" قالوا : جاء خير البريه . وكذلك الصواعق المحرقه والشبلنجي في نور الابصار .
8 - قوله تعالى : { اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الاخر }
ان هؤلاء هم العباس وطلحه . وان الذي آمن هو علي "عليه السلام" . ذكر ذلك الواحدي في اسباب النزول والطبري في تفسيره والفخر الرازي في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور .
وهناك جمله من الآيات الاخرى لا يتسع البحث احتوائها .
والحمد لله رب العالمين
***********************
***********************
Commentaires: (0) إضافة تعليق
التعليق على الموضوع :