بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
العرفان العملي
آداب ومنازل التوبه / تزكية النفس
بدايه : الكثير من الاخوه والاخوات من اتصل او بعث برساله يطلبون فيها برنامج عملي او عبادي للسير والسلوك الى الله تعالى ، وهم يتصورون بأن السير والسلوك الى الله عز وجل هو مجموعة أذكار واوراد تنير دربهم وتصلهم الى مبتغاهم ، واني لا ادعي اني من اصحاب هذا المنهل العظيم وليس لي فيه شراع ولكن احببت ان اذكر نفسي واياهم واوضح لهم بأن هذا الطريق عبادي خالص يبدأ من النفس والذات وينتهي الى الوصل لكن ضمن شروط تزكيه وفكر واعي ومعرفه بالطريق وحواجز الطريق .
لمن اراد السلوك اقول تعال معي نبدأ من الصفر ونتذاكر ما أفاض به أحد سالكين الطريق ، وما ترشح منه بصدق ليثمر كلاماً في الثبات ، لنمسك ايدي بعض لنرتفع حسب ما ادلى به ونصحنا بالتمسك بارشاداتهم لنيل المطلوب ، وحسب الكتاب والعتره الطاهره ، ومن الله التوفيق
أما بعد :
أعلم أن ما يقدم لك هو قبس من الآيات القرآنيه والاحاديث المرويه عن الأئمه المعصومين " عليهم السلام " يراد منها استئناف المتلهفين لبحر السعاده والوالهين بدرب المعرفه بآداب ومراحل السلوك الالهي .
لا نهدف من وراء كل هذا التعليم ، بل الاستذكار والتنويه الى عهد أخذه الله على عباده في الازل وأودعه فطرتهم ، فحال داء الغفله و (( الآهواء والرغبات )) دون انعكاس الأنوار الإلهيه على قلوبهم .
ومن المحاسن الجليله الأخرى في هذه السلسله من البحوث هو صقلها ما تراكم من غبار (( الغفله والركود )) على النفوس وقلوب المتلهفين من سنين مديده فتجعلها تتهافت على امتطاء صهوة الوصل بعد تزويدها بزاد السفر والكشف لها عن الطريق الى المحبوب .
أيها العزيز :
تعلم ان كريم النفس ذاك كان له معراج وقد نوه للمؤمنين بان لكل منهم معراجه في صلاته .
لو كنت راغباً في الظفر بالمعراج لا تؤد الصلاة إلا وقلبك معك حيث ان (( لا صلاة إلا بحضور قلب )) ولكل صلاة طهر ، وطهر المعراج وضوء لا يتحقق إلا بشق الانفس .
فما أيسر وضوء الصلاة وأعسر وضوء الحضور !!
في مخروبة الحب ، الأبواب لا تفتح بوجه كل من هب ودب ، وليس للجميع فيها نصيب من زاد ، فإن كان الحلول في هذه المخروبه غايتك إلغ ذاتك وتطهر من ذنوبك .
إنك ماض في سبيلك منذ بداية حياتك ، لا تلتفت لنداء (( توبوا الى الله )) يتناهى الى سمعك .
أتعلم ممن تفر ، الأطفال يتسللون من دورهم ولكن مع حلول موعد العشاء تختفي نوازع الفرار والتخفي من الأمهات عندهم ، عشاؤك قريب والدجى آت فشمر همتك ويمم وجهك صوب دارك .
في حضرته قمة الوفاء وعندك منتهى الجفاء !!
يريد لك ذروة الرحمه والهناء ، وتلقي بنفسك في شدة الضنك والعناء ، ما دمت والهاً بغدك تواصل التفكير به فما بال اليوم وما ذنبه عندك لتنبذه بكل هذا التزمت !!
فماذا لو لم يكن الغد بانتظارك ؟
وإن كان فسوف تسميه عندئذ ( اليوم ) فمتى يحل موعد ذلك الغد يا ترى ؟؟
ايها العزيز !!
تعلم أن (( التوبه )) تعني الإنابه والعوده ، فإن مضت السنون تتقدم خطى عشراً وتتراجع عشراً ، فأنت ما زلت تراوح حيث كنت ، هذا ما كان من أمر توبتك حتى الآن .
كل أذكار (( يا رب )) رددتها في ليالي الجمعه ومناجات (( العفو )) في الاسحار و (( الاستغفار )) في شهر رمضان ماذا كان منها ؟؟
عبؤك مازال ثقيلاً فأنت إن تجردت عن شيء منها حملت غيرها .
قال الامام علي " عليه السلام "" : (( آه آه لقلة الزاد وطول السفر )) فأنت إن كنت تعزم الرحيل تخل عن هذا السبيل ، واستسلم لربك الجليل وبعزم راسخ عالج آلام قلبك العليل . تغنى بأنشوده جديده وتبنى التوبه بمفاهيم صحيحه .
لو كنت راغباً أن تصحبني في رحلتي شد حزام جهاد النفس واثقاً ، واعقد العزم حازماً . لست آخذاً بيدك كما كان الخضر ولا مدعي ذلك ، بل أنير لك دربك ، وتكون رفيقي وصاحبي في هذا الدرب فاهتد بمصباحي لأفخر بعزمك .
إن اعتزمت بلوغ مأمنك فتوكل على الله ، وإن قنعت بحياتك على نفس الوتيره قضيت وطرك منها ، فدع عنك هذه السلسله فليس لك منها وارد إلا الحسره والخيار لك !!
المسافه بين عناء البعد وهناء القرب نقطه واحده ليس إلا ، فهل عرفت بم تتمثل هذه النقطه ؟
هذه النقطه هي الذات ، تخل عنها وعن مطاليبها ، استبدلها بمطاليب المحبوب ، تجرد عن حبك الدنيوي واختر حب الله ليتحول عناؤك الى هناء ، هناء رحمته الوارفه لتظفر بوعده في الآيه : (( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجه عند الله وأولئك هم الفائزون )) .
لو صممت على خوض الرحله واعتزمت الهجران ، فأعلم انك ماض في مراحل ثلاث أولها الاغتسال وإلقاء كل دنس علق بك في فترة حياتك جانباً .
ولي معك كلام وكلام في هذا الاغتسال والتطهر يأتيك في فصلين (( التخلي )) و (( التجلي )) .
ثم عليك بالتزود لهذه الرحله الطويله الزاخره بالمعمعات والاحداث لتصحب ذخراً يغنيك معاناة الضنك في كل المنازل والمحطات .
فهجرتك الى عظيم لا يصح لقاؤه دون زينه وزاد ، فلتتخذن زينة الملائكه لتنال فخر الالتحاق بالملكوت الاعلى فتسمع نداء :
(( يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي الى ربك راضيه مرضيه فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )) .
هذا ما نريد لك في المبحث الثاني : (( التحلي )) .
واذا بلغت ساحة كبرياء محبوبك ومنالك اعلم بأن لها آداباً خاصه ، في ذلك المنزل عليك غض النظر عمن سواه وإخلاء حريم القلب من الأغيار ثم تلبث بانتظار تجلي المحبوب وظهوره لك ، في ذلك المنزل تنتهي رحلتك ، هذا ما نحدثك عنه في المبحث الثالث (( التجلي )) لعلك تظفر باللقاء فتحل حيث يحل الانبياء والمرسلون والاولياء والصالحون ، ومن الله التوفيق .
لمن يتوجه خطاب البحث ؟
هناك فريق من الناس لا يؤمنون بالآخره وما زالوا حيارى في تفسير وتحليل أسرار الخلق ، يحسبون خلقهم إنما كان عبثاً ، ونحن لا نخاطب هؤلاء في هذه السلسله من المباحث .
وفريق اهتدوا الى سبيل الرشاد وعرفوا حقيقتهم وهم الآن يتزودون بزاد الطريق استعداداً للرحيل فهنيئاً لهم فإنهم في غنى عنا .
إننا نتحدث الى جماعه اهتدوا الى السبيل فوقفوا في أعتابه وقد صمموا على الانطلاق منذ أمد بعيد ولكنهم ما أن يتقدموا بضع خطى الى الامام حتى يعودوا أدراجهم مئات الخطوات ، فقضوا أعمارهم على هذا المنوال ، فكلامنا مع هؤلاء.
ما هو الهدف ؟
من أين ينبثق وجودنا ؟
ما الهدف من خلقنا ؟
والى أين ينتهي بنا المصير ؟
اسئله ثلاثه ، بالاجابه عليها يتحدد لنا الهدف ، تعلم أن القرآن صرح بأنك ارتضيت طواعيه بحمل الامانه وكنت المتحدي الوحيد من بين كل المخلوقات لدخول هذا المعترك !! ، (( إنا عرضنا الأمانه على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً )) .
سوف تقول : لا اتذكر ، أخبرني ماذا تذكر عن حياتك وأنت في عمر الستة أشهر أو حتى السنه أو السنتين ؟؟
ماذا عن سكناك تسعة أشهر في رحم أمك ؟
تحديك لسائر المخلوقات حدث قبل هذه المواقيت ، فهل تتوقع أن تذكر ذلك ؟؟
تعلم أن الملائكه بدورها أعلنت تحديها لك لما أعلنت ذلك فلوحوا الى مساوئك بأن :
(( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء )) .
ولما حدث ذلك الابتلاء من ربك تراجعت إثره وتقدمت أنت عليها عندما أفاض عليك الله بما أوسعك من الاستيعاب والاستعداد للاجابه فقهرتها فصرت تصول في ساحة المواجهه دون منافس . (( فلما أنبأهم بأسمائهم قال الم أقل لكم إني اعلم غيب السماوات والارض )) .
تتويحك تم في ذلك اليوم ، يوم اصطفاك ربك على الملائكه وهو يريدك أن تعبده ، حدثك عن ذلك التتويج في الآيه : (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً )) .
ثم خرت الملائكه سجوداً لك بأمر من ربها ، هكذا أصبحت مسجود الملائكه : (( وإذ قلنا للملائكه أسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس )) .
هل فكرت قط كيف حملت ما أبت الملائكه وجميع المخلوقات الأخرى أن تحمله ؟؟
لم تتدبر أمرك ، تخليت عن حكم عقلك فقد افتنك خالقك الى حد لم يبلغه غيرك .
فالعاقل المتبصر لا يلقي بنفسه في المخاطر لبلوغ مناله ، من هنا قال تعالى : (( إنه كان ظلوماً جهولاً )) .
ولكن للمحب نهجاً آخر فلا عقل له سوى ما يريده لحبيبه غير مبال بالأخطار ، هكذا تقدم الانسان الى حبيبه فظفر منه بكرمه وهو القائل : (( لقد كرمنا بني آدم )) .
ربما ما زلت لا تذكر لأجل من مضيت في سبيلك فلأذكرنك بعهد آخر قطعته على نفسك لحبيبك ، عسى أن لا تنساه فتذكره يوم لا ينفعك التذكار : (( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامه إنا كنا عن هذا غافلين )) .
حسناً ، بحسب هذا الكلام تكون في ذمتك أمانه وكذلك عهد وميثاق ، والآن عليك وأنت تسير في هذا الطريق أن ترى كيف تسلك مع كليهما ( الأمانه والعهد ) هل أنت ممن وصفهم الله في الآيه : (( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )) .
أم من : (( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه )) .
كان وعد الله لك بلقائه رداً على عهدك به بالاخلاص لعبوديته ونبذ الشرك به ، فكيف لك أن تتوقع أخذه بعده لك وأنت قد أخلفت عهدك معه ؟؟ ما أظل تفكيرك ! : (( أوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون )) .
ربك بانتظار رجعتك وانابتك ، أن تتوجه اليه وحده وتلتزم عهده .
عهده بان تتنكر للشيطان وتتعبد لله لا أن تركن لعبادة الشيطان فتشركه في عبادة ربك ، ألا تسمع ما يقول ربك في الآيه :
(( ألم أعهد اليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مستقيم )) .
على أية حال ، هذا عهدك وهذه أمانتك ، هذا المسار وهذا المنال فان كنت فارساً صوالاً فتوكل على الله .
والحمد لله رب العالمين
تعليقات: (0) إضافة تعليق
التعليق على الموضوع :