بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
التوبه
قال تعالى : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) .
الآيه واضحه إن الحساب يشمل ما وقع من فعل الانسان أو يخفيه في نفسه ،
اختلف المفسرون في تفسير ( أو تخفوه ) لأن بعض النصوص التي تذكر بأن العقاب على ما وقع من فعل الانسان لا على ما يسره في نفسه ، فالمحاسبه فرع وقوع الذنب وهو مندرج تحت مفهوم ( وإن تبدوا ) . لا مفهوم ( أو تخفوه ) .
وقد ذكرت عدة اجابات إلا مقتضى التحقيق هو : إن الله سبحانه يحاسب على الذنب الخفي لأن التفكير بالذنب دلاله على خبث السريره ، أما كيفية المحاسبه فهو أن يجعل بعض الناس - كالعرفاء ، بل وحتى بعض المؤمنين من أصحاب النفوس الصافيه - يعرفون ذلك في وجوههم فيبدو لهم حقيقة عمله على صورته الحقيقيه .
وعلى ذلك لابد للانسان أن يعترف أمام الله عز وجل بأنه مذنب - ولو على درجه من الدرجات - لأن هناك الكثير ممن يشعر بأنه ليس بصاحب ذنب ، فهو يأبى أن يعترف به ، بل يقول : من أين يأتي الذنب وأنا اراقب نفسي في كل حركه وسكنه ؟!! .
ومثل هؤلاء نقول لهم :
إن الذنوب يمكن أن تذكر لها انواع ، والتوبه تكون من كل ذنب بحسبه :
1 _ إرتكاب المعصيه : ولها توبه بحسبها ، وهي الاقلاع عن تلك المعاصي وعدم العود إليها مره ثانيه ، قال تعالى : ( إنما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً ) .
2 _ الهم بفعل المصيه والتفكير فيها : فإنها ذنب ولها توبه اعلى رتبه من الاولى ، وهي أن يترك حتى الهم لفعل المصيه والتفكير فيها ، بمعرفة أن الله عز وجل وصاحب العصر " عجل الله فرجه " مطلعون حتى على تفكيره فيستحي أن يكون في حكومة من يعلم إنه مذنب.
3 _ القصور في معرفة الله سبحانه وتعالى : بمعنى أننا هل عرفناه سبحانه وتعالى حق معرفته ؟ ، وهل عرفنا ماهي صفات الجمال والجلال ومظهريتها ؟ .
أولسنا بحاجه الى أن نعرفه ببرهان الصديقين لا ببرهان الإني الذين يستدلون بالآثار المحتاجه له سبحانه .
والامام الحسين " عليه السلام " ينتقد هذه الطريقه ( البرهان الإني ) في المعرفه حيث يقول في دعائه : ( كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك عليها رقيباً وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً إلهي أمرت بالرجوع الى الآثار فأرجعني اليك بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمه عن الاعتماد عليها إنك على كل شيء قدير ) . أوليست عدم المعرفه ذنوباً .
وما احسن ما جاء في دعاء الامام زين العابدين " عليه السلام " : ( اللهم إني أعتذر اليك من جهلي وأستوهبك سوء فعلي فاضممني الى كنف رحمتك تطولاً واسترني بستر عافيتك تفضلاً ، اللهم وإني أتوب اليك من كل ما خالف ارادتك أو زال عن محبتك من خطرات قلبي ولحظات عيني وحكايات لساني توبه تسلم بها كل جارحه على حيالها من تبعاتك وتأمن مما يخاف المعتدون من أليم سطواتك ) .
أعلم : إن العاكف على الذنب ولو كان صغيراً لا استعداد له للسير في هذا السفر الذي يحتاج في أصله أن يكون المسافر فيه مقبولاً لدى مولاه ، فإن النجاح في هذا الطريق يتوقف على النفحات الإلهيه الآخذه بيد العبد ، وهي تتأتى لمن يتعرض لسخط لملاه ، ومن المعلوم أن الذنب - وإن كان صغيراً - إلا من أذنبنا بحقه كبير ، بما يجعل المعصيه بين يديه سوء أدب عظيم ، يوجب الخجل والوجل بعد الإلتفات اليه ، ومن هنا كان ديدن جميع من سلكوا هذا الطريق هو الاستغفار المتواصل لتجديد العهد بالرب الذي ما عرفناه حق معرفته وما عبدناه حق عبادته ، وأما استغفار الأنبياء والأوصياء " عليهم السلام " فإنما هو لإظهار التذلل والتعظيم . وإنه من مختصات أهل الله الذين يعبدون من يعرفون ، وتوبة السعي لبلوغ تلك المرتبه من المعرفه .
إذن نحن مذنبون لكن كل بحسبه !!!
وإذا كان الذنب موجوداً فيأتي الكلام في التوبه وهي :
ترك المعاصي في الحال ، والعزم على تركها في المستقبل ، وتدارك ما كان قد ارتكبه في المستقبل .
والتوبه لله سبحانه ومعاهدته بقلب خالص على الاتيان بها ، وأن الذين تابوا وهم يتمنون الرجوع الى المعصيه أو يتذكرون حلاوتها ويستمتعون بذلك أن توبتهم غير خالصه ولا حقيقه فعليهم أن يراجعوا أنفسهم . والا لم تكن توبه حقيقيه ، بل كانت كذباً وخداعاً .
أيها العزيز :
تعلم أن (( التوبه )) تعني الإنابه والعوده ، فإن مضت السنون تتقدم خطى عشراً وتتراجع عشراً ، فأنت ما زلت تراوح حيث كنت ، هذا ما كان من أمر توبتك حتى الآن .
كل أذكار (( يا رب )) رددتها في ليالي الجمعه ومناجات (( العفو )) في الاسحار و (( الاستغفار )) في شهر رمضان ، ماذا كان منها؟؟ ، عبؤك ما زال ثقيلاً ، فأنت إن تجردت عن شيء منها حملت غيرها .
قال الإمام علي " عليه السلام " : (( آه آه لقلة الزاد وطول السفر )) .
فأنت إن كنت تعزم الرحيل تخل عن هذا السبيل ، وأستسلم لربك الجليل وبعزم راسخ عالج آلام قلبك العليل .
تغنى بأنشوده جديده وتبنى التوبه بمفاهيم صحيحه .
أن اعتزمت بلوغ مأمنك فتوكل على الله ، وإن قنعت بحياتك على نفس وتيرة قضيت منها وطرك منها ، فدع عنك هذ السلسله فليس لك منها وارد إلأ الحسره ، والخيار لك ! .
فيا صديقي : المسافه بين عناء البعد وهناء القرب نقطه واحده ليس إلأ ، فهل عرفت بمن تتمثل هذه النقطه ؟
هذه النقطه هي الذات ، تخل عنها وعن مطاليبها ، استبدلها بمطاليب المحبوب ، تجرد عن حبك الدنيوي واختر حب الله ليتحول عناؤك الى هناء ، هناء رحمته الوارفه لتظفر بوعده في الآيه : (( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجه عند الله وأولئك هم الفائزون )) .
والحمد لله رب العالمين
Commentaires: (0) إضافة تعليق
التعليق على الموضوع :