بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
رحلة التوبه
ايها العزيز !
اخاطبك ونفسي لعلنا نفر الى الله .
هل انقطعت عن صديق ما حتى الان ؟ وقد يأبى عن رد تحيتك ، هذا هو سلوك العارف !
ولكنك منذ أوليت ظهرك لحبيبك وأشحت بوجهك عنه ، صار طوال هذه المده يتعقبك ويناديك أن عد ، عد الى سبيلك ، ويكثر في خطابه الكريم القول لأمثالك أن : توبوا ، توبوا . وهو القائل : ( ففروا الى الله ) .
فحضرته الكهف المنيع ولكنك إن لم تختر الفرار اليه متى ما وجبت إنابتك اليه ، اعلم أنك سوف تفر اليه يوم يتعذر عليك لقاؤه .
( يقول الانسان يومئذ اين المفر ) .
ولما كان يعلم بمصيرك هذا فإنه تواق لتوبتك وهو القائل : "" لو علم المدبرون عني كيف اشتياقي لهم وانتظاري الى توبتهم لماتوا شوقاً إلي وتقطعت أوصالهم ""
فكيف لك أن تسلك إزاءه هكذا بجفاء وهو يريد لك كل هذه النعماء ؟ يمد اليك يد نصرته ، فتأبى أن تمد اليه يدك ، يعدك ستراً وتمطي صهوة الذنب علناً ، يبشرك بغفران الخطيئات وتزداد جرأة في الهفوات والزلات ، فمتى تعود الى عقلك وتفتح أبواب قلبك لحبيبك .
سرد عليك حكاية جدك آدم ، وتحدث اليك عن رأفته به لعله يصيره أسوه لك : ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ) .
قص عليك ما كان من أمر موسى " عليه السلام " وعهده بعدم عودته الى مثل ما سبق له من القول ليكون لك في حكايته عبره و درس : ( فلما أفاق قال سبحانك تبت اليك وأنا أول المؤمنين ) ، عسى أن تصحو أنت أيضاً من غفلتك وتنوب اليه فيتوب عليك .
حكى لك عن النبي يونس " عليه السلام " وتوبته لتنهل العبره من قصته : ( وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) .
قص لك الحكايات والحكايات عن الابرار ، عساك أن تتأمل في أحوالهم ، فمن هم الأبرار يا ترى ؟ .
( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) .
فإن كنت راغباً في الظفر بهذه البشرى تقدم الخطوه الأولى من الآيه وأقطع الشوط الأول في هجرتك اليه بالتوبه ، فمالك نصيب من نجاح في خطواتك اللاحقه بحسب الآيه ، إن لم تستقم توبتك في خطوتك الأولى ، فأنت متى تصحوا من غفلتك تجدك مراوحاً مكانك .
أما نظرت الى حصان الزيات تعصب عيناه صباح كل يوم فيسير الساعات تلو الساعات طوال نهاره حتى الغروب ، وقد يخيل اليه أنه في مرتع يانع ريان ، ولما ترفع العصابه من عينيه مساء يرى فجاة أنه للاسف ما زال في نفس مكانه رغم كل هذا السير بفارق أنه بدأ سيره في صباح مضيء وهو الآن لا يرى إلا ليلاً معتماً .
عسى أن لا ينتهي مصيرنا الى مثل هذا ، فتتفتح اعين بصيرتنا في عتمة حفرة قبورنا فنرى أنفسنا أتعس حظاً من نقطة انطلاقنا !
قلنا أن التوبه تعني الإنابه ... وقد أوضح لنا الله سبحانه وتعالى مفهومها في الآيه : ( ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب الى الله متاباً ) .
ولكن لا توبه لك ما لم تستبدل السيئات بالحسنات .
فإن كنت سوغت ظلماً في حق نفسك أو الآخرين فلا تقنط وتب عنها فقد قال عز وجل : ( فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ، إن الله غفور رحيم ) .
فإن غرك الشباب وعصيت ربك وخرجت عن أمره جهلاً ، فلا بأس عليك فإنه القائل : ( ومن عمل منكم سوءاً بجهاله ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ) .
ولك من كتابه البشرى إن كنت قد تهاونت في صلاتك واتبعت هوى نفسك فاستمع : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فاولئك يدخلون الجنه ولا يظلمون شيئاً ) .
وحتى الزاني أدعوه ليفتح القرآن ويقرأ فيه : ( ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامه ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ) .
وإن كتمت حكم الله وعرقلت سلوك السائرين اليه وأوصدت أبواب الهدى ، فقر عينك وبشر قلبك بالآيه : ( إن الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاباولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فاولئك اتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ) .
ولأزداد توغلاً في وادي المذنبين ، اقول : حتى إن كنت مناوئاً لله وحكمه لا تيأس من رحمته واعقد أملك في الآيه : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً أن يقتلوا ، إلا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) .
دعنا نقول أن السيئات تتضمن الذنوب جميعاً وقد قال عز وجل : ( والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) .
فإن كان ربك قد نادى جميع المذنبين ودعاهم أن لا ييأسوا من رحمته ، فأنى للنفس أن تهمس فيك مموهه والشياطين موسوسه بأن الأبواب بوجهك مغلقه وأنت تقرأ وعد من لا يخلف وعده : قل لعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعاً ، إنه هو الغفور الرحيم ، وأنيبوا الى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) .
يرى الباحثون أنه ليس للمذنبين أفضل من هذه البشرى القرآنيه ، إنها دعوه خاصه وجهت الى كل من تجرأ على اقتراف الذنوب دون أن يستثني الله منها ذنباً ، فمن ذا الذي يسعه أن يبث في نفسك القنوط من نيل الاستجابه من حضرة هذا الكريم .
والحمد لله رب العالمين
Commentaires: (0) إضافة تعليق
التعليق على الموضوع :