آفة الرياء وعلاجها / المحاضره العاشره

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد

قال الله تعالى :

{ وما يتذكر الا من ينيب }

اعلم اخي : بان التذكر لا يكون الا بعد الانابه بدلالة الآيه . وان الانابه بعد التوبه , لان التوبه تقتضي المحاسبه والتي هي اشتغال برفع الموانع , والانابه لا تكون الا بصفاء الفطره الموجبه للتذكر . والتذكر لا يكون الا لذي اللب الخالص عن قشر غواشي النشأه . قال الله تعالى : { وما يذكر الا أولوا الالباب } .
التذكر : فوق التفكر لان التفكر طلب والتذكر وجود , يعني ان التفكر لا يكون الا عند فقدان المطلوب لاحتجاب القلب بصفات النفس فيتلمس البصيره مطلوبه , وام التذكر فهو عند رفع الحجاب وخلوص الخلاصه الانسانيه عن قشور صفات النفس والرجوع الى الفطره الاولى فيتذكر ما انطبع فيها في الازل من التوحيد والمعارف بعد النسيان بسبب  الانشغال بهذه النشأه , وان التذكر يكون فيما قد حصل ثم نسيه فهو يتذكره فيجده في ذهنه موجودآ , كما قال تعالى : { ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى } .
وبنى التذكر على ثلاث اشياء :
الانتفاع بالعظه , واستبصار العبره , والظفر بثمرة الفكره .
الانتفاع بالعظه : هو ان تتأثر النفس بسماع الوعد والوعيد فتنفعل من الوعد  بالرجاء الباعث على الاجتهاد في العمل لتحصيل المرجوا ,
ومن الوعيد بالخوف الباعث على التقوى للحذر من المخوف .
والاستبصار : طلب التبصر بنور البصيره والسعي في تحقيق جلية الامر للاعتبار بكل ما يعتبر به , كحال حبيب النجار صاحب ياسين ومؤمن آل فرعون في طلب النجاة والثواب وتحصيل السعاده والكمال وهو المشار اليه في قوله تعالى : { وجاء من اقصا المدينه رجل  يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسئلكم اجرا وهم مهتدون * وما لي لا اعبد الذي فطرني واليه ترجعون * } . وحال بلعام بن باعورا وفرعون وابي جهل واضرابهم في الحذر عن الهلاك وهو المشار اليه في قوله تعالى : { وأتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فنسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون } .
واما الظفر بثمرة الفكر : احدهما العمل بمقتضى العلم الحاصل بالفكر الصائب في الاعمال والاخلاق فانه يوجب العمل الصالح 
{ من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم } . 
والثاني حصول المعارف والحقائق الكامنه في الاستعداد الفطري فان الفكر معد لقبول المعنى والاستعداد على سبيل التذكر والغير مستعد لا يعود الفكر اليه , فالفكر انما يثمر المعارف والحقائق للمستعد بالتذكر .
اعلم يا اخي :  ان الذي ينتفع بالموعظه من  اشتد افتقاره الى الوعظ , ولمن كان ضعيف التفكر مبتديا  فيتعظ به ويتذكر ما نسيه , فان لم يشتد افتقاره  لم ينتفع  بالوعظ ,  ومن ابصر عيب الواعظ لم يخشع قلبه بوعظه ولم يتاثر , فليكن الطالب مشتغلآ بعيوب نفسه عن عيب غيره .
قال امير المؤمنين - عليه السلام - (( لا تنظر الى من قال , وانظر الى ما قال )) .
وهناك من اتخذ طريق الرياء منهجآ لحياته , مثل هذا ماله والموعظه  والتفكر والتذكر وهو يريد الناس ان تراه من اهل السلوك والعلم والمعرفه  ومن اهل العرفان .
لمثل هذا ولانفسنا  نقول أمرآ ونأمل ان يكون مؤثرآ في علاج هذا المرض القلبي سواء في هذا المقام او المقامات الاخرى وهذا الامر مطابق للبرهان - الدليل - والمكاشفه - عند اهل الكشف - والعيان واخبار المعصومين وكتاب الله والعقل .
وهو انه نتيجة لاحاطة  قدرة الله تبارك وتعالى بجميع الموجودات وبسط سلطانه على جميع الكائنات, واحاطة قيوميته  بجميع الممكنات
فان قلوب العباد جميعآ تكون تحت تصرفه وبيد قدرته وفي قبضة سلطانه ولن يتصرف احد في قلوب العباد بدون اذنه القيومي واجازنه التكوينيه , وحتى اصحاب القلوب انفسهم ليست لهم القدره على التصرف في قلوبهم بدون اذن من الله تعالى , يقول الله تعالى : { واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه } وعن ابي جعفر - عليه السلام - { فان القلوب بين اصبعين من اصابع الله يقلبه كيف يشاء ساعه كذا وساعه كذا وان العبد ربما وفق للخير } .
أذآ الله تعالى هو صاحب القلب والمتصرف فيه واما العبد الضعيف العاجز فلا يستطيع ان يتصرف بقلبه بدون اذنه , بل ارادته قاهره لارادتك ولاأرادة جميع الموجودات .
فرياؤك وتملقك اذا كان لاجل جذب قلوب الناس ولفت نظرهم ومن اجل المنزله وللتقدير في القلوب والاشتهار بالصلاح , فان ذلك خارج كليآ عن تصرفك وهو تحت تصرف الله , فألآه القلوب وصاحبها يوجه القلوب نحو من يشاء .
بل من الممكن ان تحصل على نتيجه عكسيه وقد راينا وسمعنا ان اشخاصآ متملقين ومنافقين لم تكن لهم قلوب طاهره قد افتضحوا وبان زيفهم ففرض عليهم عكس ما ارادوا الحصول عليه من النتائج .
اذا ايها العزيز : اطلب السمعه والذكر الحسن من الله وألتمس قلوب الناس من مالك القلوب وأعمل انت لله وحده فستجد الله تعالى فضلآ عن الكرامات الاخرويه ونعم ذلك العالم سيتفضل عليك في هذا العالم بكرامات عديده فيجعلك محبوبآ ويعظم مكانتك في القلوب ويجعلك مرفوع الراس وجيهآ في كلتا الدارين .
ايها المسكين : انك لاجل محبه بسيطه جزئيه ومنزله عديمة الفائده بين العباد تجاوزت تلك الكرامات وفقدت رضا الله وعرضت نفسك لغضب الله . لقد استبدلت الاعمال التي كان ينبغي ان تهيىء بها دار الكرامه في الآخره وتوفر الحياه السعيده الدائمه وتصل بواستطها الى اعلى  عليين  , استبدلتها بظلمات الشرك والنفاق واعددت لنفسك الحسره والندامه والعذاب الشديد وجعلت نفسك من اهل ( سجين ) ورد في الكافي عن الامام الصادق - عليه السلام - { قال : قال النبي - صل الله عليه واله - : ان الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجآ به فاذا صعد بحسانته , يقول الله عز وجل , اجعلوها في سجين انه ليس أياي اراد بها } . 
اننا هنا وفي هذا الحال لا نستطيع ان نتصور ( سجين ) ولا ان نفهم  ديوان ( الفجار ) ولا صور هذه الاعمال وهي في سجين وسنرى حقيقة الامر في احد الايام ولكن عندها تقصر ايدينا عن العمل ولا سبيل حينئذ للنجاة .
ايها العزيز : استيقظ وابعد عنك الغفله وحاسب نفسك قبل ان تحاسب وأجلي مرآة القلب من الشرك والنفاق والتلون , ولا تضيع ولا تخن الامانه الالهيه بهذا النحو , نظف مرآة  قلبك لكي يتجلى  فيها جمال الحق فيغنيك عن العالم وما فيه , ولكي تتوهج نار الحب
- العشق - الالهي في قلبك فتحرق الانواع الاخرى من الحب ولا تستبدل حينذاك بلحظه واحده من الحب الالهي ولكي تحصل على لذة مناجاة الله وذكره وبذلك تعتبر  جميع اللذات الاخرى لعبآ ولهوآ .
اذا لم تكن  من اهل السلوك وترى هذه المعاني غريبه عليك , فاياك ان تضيع تلك النعم الالهيه في العالم الاخر المذكوره في القران المجيد واخبار المعصومين - عليهم السلام - وتخسرها من اجل جذب قلوب المخلوقين . 
والحمد لله رب العالمين


***********************


***********************

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم