آفة الرياء وعلاجها / المحاضره الحادي عشر

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد


قال الله تعالى 

 :{ واعتصوا بحبل الله جمعيآ }

وقال : { واعتصموا بالله هو موليكم }

العصمه : الحمايه , والاعتصمام   الاحتماء

الاعتصام بحبل الله : هو المحافظه على طاعته مراقبآ لامره . والاعتصام بالله هو الترقي عن كل موهوم والتخلص عن كل تردد .

لماذا اخترنا ( الاعتصام بالله ) هنا : لانه حال اهل البدايه . وفسر ب( المحافظه على طاعته ) في حال كون العبد مراقبآ لأمره .
والمراقبه للأمر : هو دوام نظر القلب الى أمر سيده أمتثالآ , لا خوفآ ولا رجاء - اي لنفس كونه أمر سيده - لا غير .
فالاعتصام بحبل الله هو المواظبه على امتثال الامر نظرآ الى انه امر سيده لا طلبآ للحظ ولا حذرآ من البطش .
اما الاعتصام بالله فهو اعلى منه , وفسر بانه ( الترقي عن كل موهوم ) اي عن كل ما سوى الحق , فان وجود الغير موهوم لا تحقق له 
الاعتصام على ثلاث درجات :  اعتصام العامه بالخبر استسلاما واذعانا بتصديق الوعد والوعيد . وتعظيما للامر والنهي .وتاسيس المعامله على اليقين والانصاف .
 بما يعني : الاعتصام بالخبر الوارد من الله تعالى - اخبار الكتاب والسنه بالوعد والوعيد طوعآ وانقيادآ بتصديق وايمان -
الاستسلام : الطاعه والانقياد والاذعان مع الخضوع وتعظيم الامر والنهي .
وجعل اليقين والانصاف اساسآ يبنى عليه المعامله . اليفين : هو الاعتقاد الجازم الذي لايحتمل النقيض فان اعتراه الشك في معاملته انهدم بناؤه . اما الانصاف : فهو انصاف العبد لربه , بان يعلم ان الذله للعبد والعز والحكم للسيد , فيختار الذل والانقياد لنفسه ويترك العز والحكم لصاحبه .
واعلم يا اخي : ان صاحب العزه والحكم وولي النعمه الواقعي طلب منا قائلآ :
{ أخلص قلبك لي ولاجل كرامتي كي تحصل انت على النتيجه , وتحصل انت على الفائده } ومع ذلك لا يلقى منا أذنآ صاغيه بل التمرد عليه والسير على خلاف رضاه . فأي ظلم عظيم نكون قد اجترحناه بذلك ؟
ونتيجة ذلك تكون وبالآ علينا نحن , اما الله تعالى فلا يصاب سلطانه بضرر ولا نقص من ملكه ولا نخرج من سلطنته وسلطته ,
{ فان الله غني عن العالمين } فهو غني عن عبادتنا واخلاصنا وعبوديتنا وانه ارحم الراحمين فقد اقتضت رحمته الواسعه وحكمته الواسعه ان يعرض لنا طريق الهدايه وسبيل الخير والشر والحسن والقبيح ويدلنا على زلات طريق الانسانيه ومزالق طريق السعاده .
ولله تعالى في هذه الهدايه والارشاد بل في هذه العبادات والاخلاص والعبوديه .  له سبحانه علينا منن عظيمه بحيث لا يمكن ان نفهمها ما لم تنفتح عين البصيره البرزخيه التي ترى الواقع . وما دمنا في هذا العالم الضيق المظلم وفي ظلام الطبيعه , وما دمنا مقيدين بسلاسل الزمان ومعتقلين في هذا المكان السجن المظلم , فانا لا ندرك منن الله العظيمه علينا ونتخيل بان نعم الله علينا تتلخص في هذا الاخلاص وهذه العباده .
لا تتوهم ابدآ ان لنا المنه على الانبياء والائمه والاولياء او على علماء الامه , وهم الادلاء الى سعادتنا ونجاتنا والذين انقذونا من الجهل والظلمه والشقاء , اخذونا الى عالم النور والسرور والبهجه والعظمه والذين تحملوا ولا زالوا يتحملون كل هذه المشاق والمصائب من اجل تربيتنا وانقاذنا من تلك الظلمات التي تلازم الاعتقادات الباطله ومن الجهل المركب بكل اشكاله .
اعلم يا اخي : ان عالم الملك هذا مع كل ما له من عظمه اضيق من ان يحتوي على واحده من حلل الجنه, وان اعيننا لا تطيق رؤية شعره واحده من شعر حور العين . وتكون كل هذه المثوبات صورآ ملكوتيه لتلك العقائد والاعمال والتي ادركها الانبياء والائمه - صلوا الله عليهم - خصوصآ اصحاب الكشف الكلي والكتاب الجامع خاتم الانبياء - صل الله عليه واله - والائمه الاطهار - عليهم السلام - ادركوها بالوحي الالهي ورأوها وسمعوها ودعونا اليها . ونحن المساكين كالاطفال المتمردين على حكم العقلاء بل المخطئين لهم .
حتى عندما يحدد الرسول الاكرم  - صل الله عليه واله - أجره ب{ قل لا اسألكم عليه أجرآ الا الموده في القربى } .  فان صورة هذه الموده في العالم الآخر قد تكون بالنسبه الينا اعظم الصور نورآ وعطاء, وهذا ايضآ من اجلنا نحن ومن اجل وصولنا الى السعاده والرحمه . أذآ فاجر الرساله عائد الينا ايضآ ونحن ننتفع به , فأيه منه لنا نحن المساكين عليهم ؟ 
وأيه فائده تعود عليهم - سلام الله عليهم - من اخلاصنا لهم وتعلقنا بهم ؟ أيه منه لكم ومنا على علماء الامه ؟ بدءآ من ذلك العالم الذي يوضح لنا الاحكام الشرعيه الى النبي الاكرم - صل الله عليه واله - والى ذات الله المقدسه جل جلاله فان لكل منهم حسب درجته ومقامه من حيث ارشادهم لنا الى طريق الهدايه . مننا لا نستطيع مكافئتهم عليها في هذا العالم , فهذا العالم لا يليق بجزائهم , 
فلله ولرسوله ولاوليائه المنه كما يقول تعالى { قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان  ان كنتم صادقين * ان الله يعلم غيب السموات والارض والله بصير بما تعملون } 
أذآ فان كنا صادقين في ادعاء الايمان , فلله المنه علينا في هذا الايمان نفسه , فالله بصير وعالم الغيب وهو يعلم ماهية  صور اعمالنا وكيفية صور ايماننا واسلامنا في عالم الغيب . اما نحن المساكين حيث لا نعرف الحقيقه فاننا نتعلم العلم من العالم ونمن عليه , ونصلي جماعه مع العالم ونمن عليه مع العلم ان لهم المنه علينا ونحن لا نعلم , بل وان هذه المنه التي نمن بها عليهم هي التي تحبط اعمالنا وتجرها الى ( سجين ) وتذروها في الهواء لكي تفنى وتذهب . 
اعلم اخي الكريم :  نحن نضيف اضافه  الى تلك المنه الرياء في الاعمال  , والذي قد يفضي بعمل المرائي ايضآ في هذا المقام ( العمل ) الى الكفر 
وظهور صورته الملكوتيه في ذلك العالم مغايره للصوره الانسانيه . لان تلك الصور تتبع ملكوت النفس وملكاتها . اما اذا كنت ذات ملكات فاضله انسانيه فستجعل هذه الملكات صوركم , ولكي نحافظ على صورنا الانسانيه علينا بالرياضه الشرعيه وتطهير النفس لكي تكون ملكاتنا كما اراد الله تعالى ورسوله والائمه الاطهار - صلوات الله عليهم - . اما كيفية معرفة الرياضه الشرعيه والرياضه الباطله يقول الاستاذ الشيخ محمد على الشاه آبادي دام ظله : { ان المعيار في الرياضه الباطله والرياضه الشرعيه الصحيحههو خطى النفس وخطى الحق , فاذا كان تحرك السالك بخطى النفس وكانت رياضته من اجل الحصول على قوى النفس وقدراتها وتسلطها , كانت رياضته باطله وأدى سلوكه الى سوء الاقبه , وتظهر الدعاوى الباطله - عاده - من مثل هؤلاء الاشخاص . 
اما  اذا كان تحرك السالك بخطى الحق وكان باحثآ عن الله فان رياضته هذه حقه وشرعيه وسياخذ الله تعالى بيده ويهديه كما تنص على ذلك الايه الشريفه التي تقول : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) وسيؤل عمله الى السعاده  فتسقط  عنه - الأنا - ويزول عنه الغرور , ومعلوم ان خطوات الشخص الذي يعرض اخلاقه الحسنه وملكاته الفاضله على الناس ليلفت انظارهم اليه هي خطوات النفس وهو متكبر واناني ومعجب بنفسه وعابد لها . }
ومع التكبر تكون العبوديه لله وهمآ ساذجآ وامرآ باطلآ ومستحيلآ , وما دامت مملكة وجودكم مملوءه بحب النفس وحب الجاه والجلال والشهره والتراس على عباد الله , فلا يمكن اعتبار ملكاتكم ملكات فاضله , ولا اخلاقكم اخلاقآ الهيه , فالفاعل في مملكتكم هو الشيطان وليس ملكوتكم وباطنكم على صورة انسان , وعند فتح العيون البرزخيه ترون ملكوتكم على غير صورة الانسان وانما هي صورة احد الشياطين مثلآ .  وحصول المعارف الالهيه والتوحيد الكامل أمر مستحيل بالنسبه الى قلب كهذا ما دام مسكنآ للشيطان ومادام ملكوتهم غير انساني وما دامت قلوبكم غير مطهره من هذه الانحرافات والانانيات  . ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى : { لا تسعني ارضي ولا سمائي , بل يسعني قلب عبدي المؤمن } ليس موجود يكون آية جمال المحبوب سوى قلب المؤمن , ان المتصرف في قلب المؤمن هو الله لا النفس , الفاعل في وجوده هو المحبوب فلا يكون قلب المؤمن متمردآ ولا تائهآ . 
وانت ايها المسكين العابد للنفس والذي تركت الشيطان والجهل يتصرفان في قلبك ومنعت يد الحق ان تتصرف في قلبك . اي ايمان لديك حتى تكون محلآ لتجلي الحق . 
فاعلم اذآ , انك مادمت على هذا الحال ومادامت رذيلة الغرور موجوده فيك فانت كافر بالله , معدود  من زمرة المنافقين رغم  زعمك بانك مسلم ومؤمن بالله . 
والحمد لله رب العالمين 


***********************


***********************

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم