الايمان بالله

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد





الايمان بالله



في البحث العرفاني للامام  السبزواري في كتابه ( مواهب الرحمن في تفسير القرآن ) فصل الامام المفسرّ القول في الإيمان بالله ، ووصفه بأنه من أجل الصفات الإنسانيه وأسماها ، وهو انقياد النفس وخضوعها له ، بالتزام الشريعه والعمل بتكاليفه .
وأشار الى أنّ للإيمان آثار أهمّها : الزجر ، والجذب .
أمّا الزجر :
فهو الانتهاء عمّا يدعوا إليه الشيطان  من الاعمال القبيحه ، والعقائد الفاسده ، والأخلاق الرذيله التي تعوق رقي المؤمن بالتقرب اليه تعالى ، كالرياء ، والعجب ، والبخل ، وغيرها ، وكذا الأعمال التي فيها الفساد  - اجتماعيّاً  كان أو شخصياً - كهتك الأعراض ، وسلب الأموال ، وإراقة الدماء من غير وجه شرعي ، وكذا الأخلاق الرذيله ، كالكبر ، والأنانيّه وغيرهما ، فإنّ المرحله الأولى من توجّه النفس وتربيتها تتوقف على ترك تلك الأعمال القبيحه ، وطرد تلك العقائد الفاسده ، والبعد من الأخلاق الرذيله ،
كمثال لذلك عبر القرآن الكريم في القتل : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلأ خطأً } .
لأنّ الإيمان به تعالى بنفسه زاجر عن القتل العمدي ، فلا يليق بحال المؤمن أن يقتل مؤمناً ، وإذا عرض له قتل المؤمن من باب الاتّفاق - أي الخطأ - لأنّ الانسان مجبول على أن يكن محلاً لعروض الخطأ ،  يتداركه بالكفّاره التي هي نوع من العقوبه لما حصل له من التقصير بترك الاحتياط ، الذي صار سبباً لفقد حياة فرد من أفراد المجتمع ، فيكون بذل المال بالتحرير نوعاً من تربية النفس وتوجّهها إليه عزّ وجلّ فإن لم يجد ذلك ولا يمكنه نيل هذه المرتبه من التزكيه ، فلا أقل من ترك الدنيا  ، والتوجه أليه جلّ شأنه بالصوم ليذوق وبال خطيئته ، قال تعالى : { فلا اقتحم العقبه * وما أدراك ما العقبه * فك رقبه * أو إطعام في يوم ذي مسغبه } .
لذا قال علماء السير والسلوك :
أنّ أوّل قدم السالك ، أن يخرج من الدنيا وما فيها ، وثانيه أن يخرج   من النفس وصفاتها .
وأمّا الجذب :
فهو قابلية نيل المقامات التي تحصل بها العبوديّه المحضه ، ومنتهى التقرّب أليه جلّت عظمته بل الفناء في سبيله ، الذي يتحقّق بالخلع عمّا سواه تعالى ، ولهما مراتب كثيره جداّ ولكل مرتبه منها درجات حتى تحصل المثليّه كما في بعض الروايات الوارده في النوافل .
وبهما - الزجر والجذب - يتمّ الإيمان ، وفي الزجر وحده لا يتحقّق الإيمان ، وإن كان ذلك حسناً ، فإن ترك القتل حياء أو للقوانين الوضعيّه في حدّ نفسه حسن ، ولكن لا يترتّب عليه الأثر المترتّب على الإيمان ، وكذا البعد من الصفات الذميمه أو التخلق بالأخلاق الحسنه ، لو حصلا من الكافر فإنّه في حدّ نفسه حسن وقد يترتّب عليه الآثار الوضعيّه ، ولكن الأثر الخاص المنبعث من الإيمان بالله تعالى لا يترتّب عليه .
وفرّق الامام المفسّر بين الآثار المترتبه على علمي : الفقه والتوحيد ، فأكد أن الأحكام الإلهيه العمليه محدوده بحياة الانسان المكلف وتنقطع بعد موته ، ولكن الذي يفيد في دار التكليف على وفق الشريعه الإلهيه علم الفقه والتكليف ، إنما هو لهذه الحياة الفانيه ، والذي يفيد بعدها في الآخره هو علم التوحيد المكتسب من المجاهدات ، والسير الى الله على وفق الشريعه والعمل بالتكاليف الربانيه ، وما سوى ذلك إنما سراب بقيعه يحسبه الضمآن ماء ، فقد يستنشق الريح الطيب ، ويرشف من الماء الزلال ، لكن سرعان ما ينقطع ويرجع الى الله ، فإن لم يقدم ذلك العلم النافع الذي  يدرجه في مقامات السالكين العاليه ، يكون حائراً فلابد من الإيمان والعمل على وفقه ، لذا ترى أن الآيات الشريفه الوارده في بيان الأحكام لا تخلو من الإشارات والرموز التي لا يفهمها إلا أهلها ،
ليدرك الانسان مدى أهمية العلمين والطريقين فإن أحدهما مكمل لآخر .
ووقف الامام المفسّر عند تصدير الخطاب ب { يا أيّها الذين آمنوا } وهو الخطاب الربوبيّ المشتمل على كمال العنايه والمحبه التي من دونها لا يمكن السير والسلوك ، فإن الإيمان هو الحبل الذي  يشد الانسان بخالقه ، ويربطه ببقية الموجودات  ، وفيه من سمو المعنى مالا يمكن أن يوجد في أي مقوله أخرى ، وفيه ذلك الارتباط الوثيق بين المحبوب وحبيبه .
ويصف الامام المفسّر علم التوحيد بأنه الغايه من جميع العلوم ، والنافع في جميع العوالم ولا سيما بعد الموت بعد انقطاع الآمال ، وبه يبقى الفرد حياً ، وإن غاب شخصه  ولم يخطر ببال أحد .
فمن سار في هذا الطريق كان الفناء والموت قنطره يعبر بها من عالم الماده الى عالم الأشباح والأظله ، ثم الى العوالم الأخرى بحسب درجته ومجاهداته في دار الدنيا ، والتكاليف والعناء .
ولعل قوله تعالى : { واتّقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } إرشاد الى ما ذكر ، فإذا كان الفرد مؤمناً وأراد السير الى الله والوصول الى قربه ، فلا يمكن أن يكون إلا بالعبور على هذه  القنطره مع الزاد والراحله ، اللذين هما بالشريعه الغراء ، وعدم تحريم ما بينه الله من التكاليف التي هي من الطيبات التي تجعل العمل بها الانسان طيباً ، فتطيب بها نفسه ، وعمله ، وقلبه ، ونواياه ، فتشير الآيه الكريمه الى توبيخ هذا الانسان الغافل الذي يريد الطيبات بمقتضى فطرته ، لكنه لا يعرف أن الطيبات كامنه في التعاليم الربانيه ، والتكاليف الإلهيه التي يحرر نفسه بها من  قيود النفس الأماره والملكات السيئه ، وحرمان نفسه منها من الاعتداء الشديد الممقوت عند ربّ العالمين .
وينحو الامام المفسّر منحى عرفانياً في تفسير النص القرآني مؤكداً أنه لا يجوز التقصير في درك المقامات العاليه التي يدعوا اليها الإيمان بالله ، ويجذب اليها الحبّ الذي حصل من الإيمان به عزّ وجلّ ، ولا يصح التراجع عن تلك الدرجات ، ولا ينبغي الحلف على ترك المقاصد العليه وطلب الدرجات العاليه من دون السير والسلوك ، فأنه لغو في شريعة الرضا والتسليم ، لكن لا يؤاخذه الله لعلّه لضعف حاله وقلة حيلته .
ويوضح الامام المفسّر الكفاره التي تجب عللا السائر والسالك إذا عزم على التراجع وحلف الهجران وعدم الاغتراف من المعارف الحقّه ، وما يناله من الشهود لدى جلاله لكلالة القوى ، وصمم على الخذلان لغلبة سلطان الهوى ، فعليه ليتمكن من إزالة الحجب إطعام عشرة مساكين وهم الحالّون على باب الرجاء والمريدون للبقاء بعد  إفناء ذواتهم في الكمالات ، أو إطعام حواسّه الباطنه والظاهره بالمعارف والكمالات المناسبه لها ، أو كسوتها لباس التقوى ، أو تحرير رقبة النفس من المهالك وعبودية الحرص والهوى ، فمن لم يستطع لعظيم أمرها فصيام ثلاثة أيام بالتوبه والاستغفار والاستقامه عليها مادامت الدنيا ، لأنها ثلاثة أيام :
يوم مضى ، ويوم أنت فيه ، ويوم لا يعلم ما يقضي فيه الربّ .
ويعزم فيها على الرجوع الى الله تعالى والاعتكاف لدى جنابه ، فإنه المأمول لقضاء الحاجات والمقصود لجميع الخلائق .
 والحمد لله رب العالمين 

***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم