ما هو الورع ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد


ما هو الورع ؟


سأل رجل الامام الصادق " عليه السلام " ما الذي يثبت الايمان عند العبد ؟

فقال " عليه السلام " : الورع
فقال الرجل : والذي يخرجه  منه ؟
فقال " عليه السلام " : الطمع .
الورع اصطلاحآ : معناه الابتعاد عما حرم الله تبارك وتعالى فعن ابي عبد الله " عليه السلام " وقد سئل عن الورع ؟
فقال " عليه السلام " : { الذي يتورع عن محارم الله } .
فالورع اذآ ان يبتعد الانسان عما حرمه الله تبارك وتعالى من افعال وافكار .
الورع  : هو الرقابه للنفس في الكلام والافعال والافكار , وان الورع يولد طاقه للعباده .
للورع دور هام في الحفاظ على الايمان بل لا يمكن ان نطلق على احد صفة الايمان ان لم يكن ورعآ , فعن أمير المؤمنين " عليه السلام " : { الورع أساس التقوى }. وعنه " عيه السلام " : { الورع شعار الانبياء } وعن الامام الصادق " عليه السلام " : {واعلم انه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه } . فاذا قل الورع قل الايمان . عن الامام الباقر " عليه السلام " : { ان أشد العباده الورع } .
الورع روح العباده وعباده بلا ورع كالجسد بلا روح اي تصبح العباده طقوسآ ميته لا روح فيها .

الورع يصون الدين :

من اراد ان يحافظ على دينه فان طريق ذلك ينحصر بالورع فعن امير المؤمنين " عليه السلام " : { الورع يصلح الدين ويصون النفس ويزين المروءه } وعن الامام الصادق " عليه السلام " : { اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع } .

اعلم يا اخي ان الورع من شروط الولايه :

من اراد ان يتصف بالولايه لاهل البيت " عليهم السلام " ويرتبط بهم فان الشرط الاساسي في ذلك هو الورع .
لاحظ ودقق في هذه النصوص الشريفه لتعرف اهمية وقيمة الورع واثره في الارتباط بالمعصومين " صلوات الله عليهم "
قال الله  سبحانه : { يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } .
وعن  ابي عبد الله " عليه السلام "  : { انا لا نعد الرجل مؤمنآ حتى يكون لجميع أمرنا متبعآ مريدآ , الا وان من اتباع أمرنا وارادته الورع , فتزينوا به يرحمكم الله , وكيدوا اعدائنا به ينعتكم الله } وعنه " عيه السلام " { ليس منا ولا كرامه , من كان في مصر فيه مائة الف او يزيدون وكان في ذلك المصر احد اورع منه } وعن ابي الحسن الاول " عليه السلام " : { ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن , وليس من أوليائنا من هو في قريه فيها عشرة الاف رجل فيهم خلق الله اورع منه } . 
اعلم يا اخي : اذا كنا ننتمي الى التشيع وليس عندنا ورع فنحن ننتمي الى جهه لا نعرفها والا فان التشيع الى اهل البيت " عليهم السلام " يقتضي الورع لانه شرط المعرفه والانتماء .لان اهل البيت " عليهم " علمونا ان الورع شرط الايمان وانه ما يدفع الانسان ويجعله متدينآ حقيقيآ . لكن مع الاسف من مصاديق اعمالنا لا تطابق اعمال المعصوم مع زعمنا اننا ننتمي اليهم " صلوات الله عليهم" . اذا اردت ان تتحول الى احد اصحاب المعصوم " عليه السلام " فعليك بالورع  قال الامام الصادق " عليه السلام " :
{ انما اصحابي من اشتد ورعه } . واذا أردت ان تدخل الفرحه على قلب المعصوم فعليك بالورع فعن الامام الصادق " عليه السلام " :
{ فاعينونا على ذلك بورع واجتهاد } { عليكم بالصلاة والعباده , عليكم بالورع } .

درجات الورع : 

للورع درجات ومرتب يختلف باختلاف ما تتورع عنه من فكر او عمل , فهناك ورع في الكلام ,  وورع في الافكار والمشاعر , وورع في العلاقات الاجتماعيه , وورع في البيع والشراء وبعباره جامعه : ان الورع يدخل في كل دقائق الحياة .
ومن الورع ان لا تسبق الله عز وجل في حكم من الاحكام , قال رسول الله " صل الله عليه واله " { ان رجلآ قال يومآ والله لا يغفر لفلان , قال الله عز وجل : " من ذا الذي تآلى على ان لا اغفر لفلان ؟ , فاني قد غفرت لفلان واحبطت عمل المتآلي بقوله : لا يغفر الله لفلان " } بل وحتى الاوهام لا تحولها الى حكم تتهم بها الناس .
ومن الورع اطاعة الله تعالى والمعصوم طاعه تامه .
اعلم يا اخي : لابد لك من امور تعينك على تطهير نفسك من الاوصاف الرذيله وتجميلها  بالصفات الجميله التي تعينك على الورع منها :
1 - المواظبه على الاعمال التي تنتجها الصفات الحسنه وتلزم نفسك بها رضيت بذلك ام ابيت , فان مقتضى الصفه ان يجد الانسان في تحصيلها او يجد في ابقائها والمحافظه عليها .
2 - المواظبه على مراقبة حال نفسك واعمالك , تأمل كل عمل قبل الشروع فيه , لئلا تعمل خلافآ لمقتضى الخلق الحسن , وان لا تغفل عن حالك ابدآ , بل عليك ان تفتح دفتر اعمالك كل يوم وليله فتمر عليها متصفحآ فيما صدر منك  , فان كان عملك خيرآ حمدت الله وشكرته على توفيقه لك , وان كان عملت سوءآ تبت واصلحت .
3 - ان تحترز عما يحرك شهوتك وغضبك , كأن تمنع عينك واذنك وقلبك عن رؤية وسماع وتصور كل ما يثير شهوتك وغضبك ولتجد في صون قلبك عن تلك الوساوس .
4 - ان لا تنخدع بنفسك وان تحمل اعمالك على محمل الصحه , وان تستقضي عيوبك وان تسعى لازالة ما وجد منها , ولتعلم ان كل نفس تعشق صفاتها وافعالها , فان اعمالك تحسن في نظرك ولن تكتشف عيوبك الا بالتأمل ودقة النظر .
من المستحسن ان تتفحص معايبك عبر اصدقائك وان تترصد ما يظهره اعدائك لك من عيوبك فتجد في اصلاحها وان تتخذ من الاخرين مرآة لعيوبك , فاذا رأيت في اعمالهم قبحآ فامنع نفسك من فعله قال امير المؤمنين " عليه السلام " : { اذا رأيت منكرآ فاصلحه في نفسك } وان رأيت منهم عملآ حسنآ فجد في فعله .
5 - ان تمتنع عن مصاحبة الاشرار وسيئي الخلق وتبتعد عنهم , وان تلتزم مصاحبة اهل الدين والاخلاق الحسنه فان للمجالسه والمصاحبه مدخليه عظيمه في شخصيتك , فان طبع الانسان كالص يلتقط ما يكرر امامه .
ابن نوح عاشر الاشرار -------------- فنسي انتسابه الى النبي
وكلب اصحاب الكهف  -------------- الصالحين فاصبح آدمي
وعلاوه على ذلك فان جليس الاشرار واهل المعاصي شريكهم في العذاب { ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار } . 
لنعرف آثار مجالسة اهل المعاصي انقل اليكم حديثآ شريفآ جامعآ للفوائد العظيمه :
روي عن الامام جعفر الصادق " عليه السلام " قوله { مر عيسى بن مريم " عليهم السلام " على قريه قد مات اهلها وطيرها وداوبها فقال : اما انهم لم يموتوا الا بسخطه ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا , فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته ادع الله ان يحييهم لنا فيخبرونا ما  كانت اعمالهم فنجتنبها . فدعا عيسى " عليه السلام " ربه , فنودي من الجو : ان نادهم , فقال عيسى " عليه السلام " بالليل على شرف من الارض , فقال :  اهل القريه , فاجابه منهم مجيب : لبيك يا روح الله وكلمته , فقال ويحكم ما كانت اعمالكم ؟ فقال : عبادة الطاغوت وحب الدنيا مع خوف قليل وأمل بعيد وغفله في لهو ولعب . فقال :  كيف كان حبكم للدنيا ؟ قال : كحب الصبي لامه اذا اقبلت علينا فرحنا وسررنا , واذا ادبرت عنا بكينا وحزنا , قال : كيف كانت عبادتكم للطاغوت ؟ قال الطاعه لاهل المعاصي , قال : كيف كان عاقبة امركم ؟ قال بتنا ليله في عافيه واصبحنا في الهاويه , فقال : وما الهاويه ؟ قال سجين , قال : وما سجين ؟ , قال جبال من  جمر توقد علينا الى يوم القيامه . قال : فما قلتم وما قيل لكم ؟ قال : قلنا ردنا الى الدنيا فنزهد فيها , قيل لنا كذبتم , قال : ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم ؟ قال : يا روح الله انهم ملجمون بلجام من نار بايدي ملائكه غلاظ شداد , واني كنت فيهم ولم اكن منهم فلما نزل العذاب عمني معهم , فانا معلق بشعره على شفير جهنم لا ادري اكبكب فيها ام انجو منها , 
فالتفت عيسى " عليه السلام " الى الحواريين فقال : يا اولياء الله أكل الخبز اليابس بالملح الجريش والنوم  على المزابل خير كثير مع عافيه الدنيا والاخره } .
لا يخفى  ان ما نقله ذلك الرجل لعيس " عليه السلام " عن حال تلك القريه ينطبق على حالنا وحال اهل زماننا , فالكثير منا يفتقر حتى الى الخوف القليل الذي كان عند اهل تلك القريه . اما قصة حبنا للدنيا وطول املنا وغفلتنا ولهونا ولعبنا فهي اوضح من ان نستعرضها , فكل من يرجع الى نفسه واهل زمانه سيعلم ذلك جيدآ .
وما احسن ما ذكره الحكماء من تشبيه حالنا  وغفلتنا وغرورنا بالدنيا بذلك الشخص الذي كان في صحراء وكان مطاردآ من حيوان , لجأ الرجل الى بئر وربط الحبل بوسطه وربط الطرف الاخر للحبل بعمود قرب البئر , وتدلى هو بالبئر ثم نظر الى اسفل البئر فوجدها ملأى من الحيوانات المفترسه الجائعه فاغره الافواه تنتظر وصوله لتمزقه , فنظر الى اعلى فوجد  فأرين احدهما ابيض والاخر أسود يقرضان الحبل , فنظر حوله فوجد عسلآ قد اختلط بتراب على الحائط اجتمع النحل عليه , فغفل عما ينتظره عند انقطاع الحبل وسقوطه في افواه السباع الجائعه , واخذ يأكل العسل ويصارع النحل .
لو عرضت هذه القصه على شخص لا عتبر ذلك الرجل احمق وسفيه ولقال : هل هذا وقت الغفله ووقت اكل العسل ؟

هذه القصه هي عين حالنا فالدنيا هي بمنزلة تلك البئر والحيوانات المفترسه بمنزلة الموت والقبر , والفأرين بمنزلة الليل والنهار اللذين ما داما يقرضان حبل عمرنا , والعسل المختلط بالتراب بمنزل لذات الدنيا الممزوجه بالآلام الكثيره , والنحل بمنزلة ابناء الدنيا الذين نصارعهم دومآ من اجل الدنيا . نسال الله لنا ولكم البصيره والعافيه ونعوذ به من الغفله والغوايه .
والحمد لله رب العالمين 


***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم