عيوب النفس والقلب والروح

بسم الله الرحمن الرحيم 
 اللهم صل على محمد وال محمد


عيوب
 النفس والقلب والروح 


في البحث العرفان للامام السبزواري في كتابه ( مواهب الرحمن في تفسير القرآن ) في تفسير قوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيّاً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أنّ تلووا أو تعرضوا فإنّ الله كان بما تعملون خبيرّاً } .
تحدّث الإمام المفسر عن الإخلاء من العيوب الكائنه في الباطن ، ونبذ الصفات الذميمه عن النفس ، الذي يعبّر عنه في العرفان
 ب ( التخليه )  ،
 وعن بعضهم : أن السعي الى إزالة ما بطن فيك من العيوب ، خير من السعي الى ما حجب عنك من الغيوب ، والسر في ذلك أنّها بمنزلة الإعداد لها فهي تطهير القلب الذي هو سبب الحياة الأبديّه للنفس ، وأنّ العيوب الباطنيّه مانعة من رقي النفس فهي موجبه هلاكها ، وأنّ الفيوضات الإلهيه لا تفاض على الإنسان إلأ بعد التخليه .
ومن هنا قالوا : إنّ الحق ليس بمحجوب أنّما المحجوب أنت عن النظر إليه ، لأنّ الحقّ محال في حقّه الحجاب قال تعالى :
{ هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن وهو بكلّ شيء عليم } وقال تعالى : { وهو القاهر فوق عباده } .
وعن بعضهم : أنّ الأوصاف البشريّه تناقض خلوص العبوديّه ، والمراد من الأوصاف العيوب الكائنه في النفس البشريّه التي تحصل من متابعة الهوى  بأغواء الشيطان بالبعد من الحقّ ، وإراءة الواقع غير ما هو عليه بالأوهام ، وقد توجب الأوهام الحجب عن الحقّ تعالى ، والوهم أمر عدمي وسراب محض لا حقيقة له أصلاً .
ولا شكّ في أنّ اتّباع الهوى يختلف باختلاف الأشخاص والحالات ، وله مراتب متفاوتة : شدة ، وضعفاً ـ وكيفيّه ، وجهه ، وأن قوله تعالى : { فلا تتّبعوا الهوى } يشملها جميعاً ، ولا بدّ للسائر والسالك الى الله عزّ وجلّ من التخليه بإزالة العيوب الباطنيّه وغيرها وأهمها ثلاث :
الأول : عيوب النفس : 
وهي ما تتعلّق بالشهوات الجسمانيّه ، كطلب الأكل ، والملبس ، والمركب ، والمسكن ، والمنكح وغيرها ، ومن كل هذه العيوب تتفرّع عيوب ومساوىء أخرى .
الثاني : عيوب القلب :
وهي تتعلّق بالشهوات القلبيّه ، كحبّ الجاه ، والرياسه ، والعزّ ، والكبر ، والحسد ، والحقد وغيرها ، ممّا يرد على القلب بالتخيلات والأماني الشيطانيّه التي لا واقع لها بل مجرّد هي وهم  بعيدة عن الحقّ والحقيقه كلّ البعد .
الثالث  : عيوب  الروح :
وهي ما تتعلّق بالحظوظ الباطنيّه ، كطلب الكرامات ، والمقامات ، عن غير الصراط المستقيم ، المبيّن من الشرع الأمين .
وهذه العيوب الثلاثه تحصل من متابعة الهوى ، والبعد عن الحقيقه ،
ومع هذه الأغيار :  كيف تستعدّ النفس للواردات الإلهيّه ؟! وكيف تحظى بالرقي الى المقامات العاليه ؟! أم كيف تصل الى جنّة المعرفه ؟!  وكيف تشرق عليها الأنوار الربوبيّه ؟! وكيف تخرق أبصار القلوب حجب النور حتّى تصل الى معدن العظمه ؟!
وكيف يمرّ على النار فتناديه : ( جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي )  المعدّ للمؤمن ؟! وكيف يدخل الجنّه وهي التي أزلفت له ؟! وكيف يشفّع في قومه وهو يحمل أوزار نفسه ؟! .
فإذا زالت هذه الأغيار ،  ورفعت الأوزار ،  وأخترقت الحجب ، وأزيلت الأستار ، فحينئذ تحلّت النفس بالمعرفه ، فالتخليه ثمرتها التحليه ، والقرآن يحرص على إزالة هذه العيوب ورفع هذه الحجب قال تعالى : { ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله إنّ الذين يضلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد } وقال تعالى مخاطباً موسى " عليه السلام " : { فلا يصدّنّك عنها من لا يؤمن بها واتّبع هواه فتردى } .
ولعلّ قوله تعالى : { كونوا قوّامين بالقسط } يشير الى ذلك ، أي التحلّي بأسمى صفاته ، ومظاهر أسمائه وهو العدل ، فيستلزم ذلك التخلّي عن المساوىء والمفاسد والبعد عن أخلاق الشياطين ، كالكبر ، والحسد ، والحقد ، والغضب ، وكتمان الشهاده ، والحدّة ، والبطر ، والأشر وغيرها ، ولأجل ذلك أتى عزّ وجلّ بصيغة المبالغه { قوّامين } الدالّه على الشدّه وتهويل الأمر ، والتحمّل مع التعب والمشقّه .
ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { شهداء لله } أي : شهداء لله ، وفي الله ، غائبين عن وجودكم في شهوده بالوحده ، وهذا مقام أخصّ الخواصّ ، لا شهداء لله الحاضرين مع الله بالفردانيّه ، وإن كان ذلك مقاماً سامياً أيضاً ، وهو مقام الخواص فضلاً عن الشهاده بالتوحيد وهو أوّل أصول الدين ، وإن كان صحيحاً إلأ أنّه يختصّ بعوام المؤمنين .
وبعباره أخرى : تحصيل المعرفه والشهود بالوحدانيّه تاره يكون بالدليل والبرهان ، فهذا معرفة العوام لعدم التقليد في أصول الدين ، وأخرى بالمشاهده والعيان ، وهذا معرفة الخواص وهي من أجلّ المقامات ، وثالثاً بالفناء عما سوى الرحمن وهذا أخصّ الخواص .
وكذا الشهاده لله فتاره : تكون سمعيّه ، وأخرى : عينيّه ، وثالثه : فنائيّه ، بعد رفع حجب الأنانيّه عن النفس وإزالة الأغيار عنها بالتجريد ،
 فإنّ الشهاده لو كانت على النفس ، لإحقاق الحقّ بإيصاله لأهله وكانت لله تعالى استلزمت اضمحلال الأنانيّه ، والتطهير من الذنوب ، خصوصاً لو كانت مخالفه للهوى ، وكذا لو كانت على الوالدين والأقربين ، بنبذ العواطف النفسانيّه واللجوء الى رضاء الحقّ ، وتقديم خشيته  ( جلّ شأنه  )  على رضائهما من غير أن يبالي أن المشهود عليه كان فقيراً أو غنياً ، بعد أنّ علم أنّ الغناء الواقعي في جلب رضاه ( جلت عظمته ) والفوز فيه ،
فهؤلاء هم الذين أيّدهم بروح منه : { ويدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون }
والحمد لله رب العالمين 

***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم