العوده الى الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد


العوده الى الله تعالى



اذكر نفسي اولا واذكركم بالعوده لله .
اعلم يا اخي :  للعبد رحلتان الى الله تعالى :
الأولى  : رحلة الإقبال .
الثانيه : رحلة العوده .
ولكل منهما آدابها . فلو فقد الأدب في أيّ منهما سوف لن يصل بل لن يرحل بأي من الرحتلين . وغرضنا الآن هو ذكر آداب العوده لأنّنا  لم نسلم من الزلل على أي حال - إذ العصمه لأهلها - لذا نريد أن نسلط الأضواء على العوده . ونظهر آداب الإقبال في فقرتين :
1 - زيارة أمين الله  : ( اللهم إن قلوب المخبتين إليك والهه ) .
2 - ( أتيتك طامعاً في إحسانك ) : وهي فقرة من المناجاة الخامسه من المناجاة الخمسة عشر للامام زين العابدين " عليه السلام " .
وهاتان الفقرتان تبينان أصل الرحله الأولى  - وهي الإقبال - ولا نطيل الكلام فيها لأن هذه الرحله قد بدأت منذ عالم الذر حتى بلوغ سن التكليف والإبتلاء . وهذه مرحله قد تحققت فعلاً . والذي نريد  أن  نركز عليه الكلام هو الرحله الثانيه - وهي العوده - وهي تحتاج الى حالات ومقومات توضح حال العبد الآبق العائد الى مولاه .
وعناصر أدب العوده الى الله تعالى تبلغ الخمسة عشر عنصراً . كلها متناوله في الأدعيه المأثوره وهي :

1 - الإعتراف والإقرار :
وهو بداية البدايه والخطوه الأولى . أو هو تهيئة القدم للعوده ووضعها في الخطوه الأولى وبدونها لا تتحقق العوده . وقد رسم لنا العبد الصالح ذو النون " عليه السلام " وعلى نبينا واله ذلك بقوله : ( أنّي كنت من الظّالمين )  وهذه النقطه  مهمه لأنّ رأس مال الانسان بين يديّ الله تعالى شيئان هما  العمل الصالح والإعتراف بالسيئات . والأول واقع والثاني يفعل .
ولابد أن يكون الإعتراف مقترناً بذلّ الإنكسار بين يديّ الحق تعالى وإستشعار الرغبه في العوده الى الحضره التي طرد منها .
فاليد الخاليه من العمل الصالح لابد لها  أن تقدم الإعتراف التذلل أمام ساحة قدس الحق : {  إلهي إن كان قد دنا أجلي ولم يدنني منك عملي فقد جعلت الإعتراف إليك بذنبي وسائل عللي } . وأفضل فقره يقرؤها للاعتراف هي :
 { وأنا المذنب الذي سترته والخاطىء الذي أقلته . ومن عقوبات المعاصي جنبتني حتى كأنّك إستحييتني } .
وفقرة : { اللهم عظم بلائي وأفرط بي سوء حالي . ومطالي يا سيدي } .وفقرة : { إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي } .

2 - الإعتذار :
وهو ما يقابل التبرير . والمهم أن يكون الإعتذار مقروناً بعدم المعانده والمكابره واللجاج . وقد  يتم الإعتذار بواسطة :
{ إلهي منّي ما يليق بلؤمي . ومنك ما يليق بكرمك } .
وما رأينا ولا سمعنا أنّ الحق تعالى قد أرجع معتذراً عن بابه . وهناك نوع من الإعتذار يسمى إعتذار بكرم وجه الله . وهو اعتذار جميل يناسب وجه الله تعالى . فيعتذر العبد الى الله بأنّه لم يعصه متمرداً عليه أو مستخفاً بأمره . بل لأنّه واثق برحمته وفضله وستره.
وهذ يظهر في فقرة : { وما أنا يا ربّ وما خطري .. ولو خفت تعجيل العقوبه لاجتنبته  لا لأنّك أهون الناظرين وأخف المطلعين عليّ بل لأنّك يا ربّ خير الساترين وأحكم الحاكمين .. ويحملني ويجرؤني على معصيتك حلمك عنّي . ويدعوني الى قلة الحياء سترك عليّ . ويسرعني التوثب على محارمك معرفتي بسعة رحمتك وعظيم عفوك } .

3 - الإستحياء :
بأن يعود العبد من رحلة الهوى والعصيان خجلاً من الله تعالى . فهو لا يجد عذراً يقومه غير الإعتراف . وهو لم يجد باباً يطرقه بعدما تجهمه وأقصاه أهل الأرض جميعاً . فلم يجد إلا باب الله تعالى : { فوا أسفاه من خجلتي وافتضاحي ووالهفاه من سوء عملي واجتراحي } .

4 - قبول العتبى :
عندما يغضب العبد مولاه ويخشى أن ينفجر سخط مولاه فلابد أن يسعى الى أن يخفف من حدّة غضبه بالعتاب . فيعطي من نفسه لعتاب مولاه بان يقول :  يا ربّ لك الحق في أن تعاتبني { لك العتبى حتى ترضى } .

5 - حسن الظن :
وهو عامل مهم جداً إذ بدونه لا يمكن العوده . لأنّه الى من سيعود إذا لم يظنّ به خيراً : { إلهي من ذا الذي نزل بك ملتمساً قرآك فاقريته . ومن ذا الذي أناخ ببابك مرتجياً نداك فما أوليته . أيحسن أن أرجوك } وفقره أخرى : { ألهي إن كان قل زادي في المسير اليك فلقد حسن ظني بالتوكل عليك } وفي فقره أخرى : { يا ربّ هذا مقام من لاذ بك وإستجار بكرمك وألف إحسانك ونعمك ... أفتراك يا ربّ تخلف ظنوننا أو تخيب أملنا ؟ كلا يا كريم فليس هذا ظننا بك ولا هذا فيك طمعنا ياربّ إن لنا أملاً طويلاً كثيراً . أنّ  لنا فيك رجاءاً عظيماً } .

6 - الذل والإنكسار :
وهذا من أسرار العوده الى الله تعالى لأنّه ألغاء الذات أمام ساحة الحق . وبه ستحقق الحضور والقرب . بل أن هذا العامل هو المسرع للعوده والكون في الحضره . وهذا أحد الطرق للوصول اليه تعالى من خلال النفس وهو أيضاً أحد أسباب إستجابة الدعاء :
{ وارحم ذلّي وفاقتي وفقري وانفرادي ووحدتي .  وخضوعي بين يديك واعتمادي عليك  . وتضرعي اليك أدعوك دعاء الخاضع الذليل ... دعاء من أسلمته ثقته ورفضته أحبته وعظمت فجيعته .. مستجير } .

7 - الطمع في رحمة الله تعالى :
وهذا مهم أيضاً لأنّ ليس في يد العبد شيء يقدمه فلابد أن يكون مفعماً بالطمع لرحمته تعالى التي وسعت كل شيء . ولابد للعبد أن يعترف بأنّه ليس أهلاً للرحمه لأنّه أخرج نفسه منها . ولكن الله تعالى اهل لذلك : { اللهم إنّ عفوك عن ذنبي وتجاوزك عن خطيئتي .. أطمعني في أن أسألك ما لا أستوجبه منك } .

8 - الخوف من الله تعالى : 
الخوف يكون مما جناه الانسان على نفسه في مراحل الطريق , وإن لم يخف العبد من ربّه على نفسه فلن يعود الى الله تعالى . إذ العوده ليست رغبه وأمنيه في نفس العبد . وإنّما حقيقه قائمه في داخل نفسه . ومن عناصر هذه الحقيقه هو الخوف :
{ أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه . أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً طائعاً .  إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت وأذا رأيت كرمك طمعت . فإن عفوت فخير راحم وإن عذبت فغير ظالم } .

9 - العزم على العوده : 
إن مسألة العزم والإصرار عامل مهم في العوده لأنها رحله شاقه .  ومن طريق ذات الشوكه يتجاوز فيها الانسان نفسه  أولاً وهو أشق مافي هذه المرحله . ويثبت فيها ثانياً بفضل الله تعالى ورحمته من دون استحقاق . فبدون العزم والثبات سوف لن يحصل على ما يريد . فلابد من توطين النفس وإعداها للعزم على العوده .
{ فوعزتك يا سيدي لو نهرتني  ما برحت من بابك ولا كففت عن تملقك لما انتهى اليّ من المعرفه بجودك وكرمك وانت الفاعل لما تشاء تعذب من تشاء وبما تشاء . وترحم من تشاء بما تشاء كيف تشاء } .
{ إلهي لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سبيلك من بين الأشهاد ودللت على فضائحي عيون العباد . وأمرت بي الى النار وحلت بيني وبين الأبرار ما قطعت رجائي منك وما صرفت تأميلي للعفو عنك ولا خرج حبك من قلبي } .

10 - الحزن والبكاء :
لابد للعبد العائد أن يكون كثير الحزن والبكاء لما فرط في جنب الله تعالى وكثير ما فاته . لأنّه اختار لذة النفس على المحبوب الحقيقي . ومثل هذا لابد أن تبيض عيناه من الحزن والبكاء .
{ واعنّي بالبكاء على  نفسي فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري . وقد نزلت منزلة الآيسين من خيري . فمن يكون أسوء حالاً منّي؟
إن أنا نقلت على مثل حالي الى قبر لم امهده لرقدتي . أفرشه بالعمل الصالح لضجعي ومالي لا ابكي ولا ادري الى ما يكون مصيري . وأرى نفسي تخادعني وأيامي تحايلني . وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت فمالي لا أبكي ؟ أبكي لخروج نفسي .. } .
وأنت خبير أنّ مواصلة الذنب والمعصيه تقسّي القلب وتحجر القلب . أمتنع عن أن تصيبه رحمة الله تعالى . البكاء مصاحب للعبد مادام طالباً للطريق .

11 - الإسترحام : 
وهذ غير ما تقدم  من الطمع في الرحمه لأنّ ما نقصده هنا هو طلب الرحمه بالإضافه الى الطمع فيها . والحق تعالى لا يمنع أحداً من رحمته مادام يطلبها لأنّ فيضه فيها متصل فلابد للعبد أن يعرف محال نزول رحمة الله تعالى لكي يطلبها ويتقصاها فينهل منها . وأهم محال نزول رحمة الله تعالى هي الحقائق المقدسه الأربعة عشر " عليهم السلام " فلابد من التقرب بهم على طول الخط . ولكن لابد للعبد أن يعي فقره الى الله تعالى وبؤسه وشقاءه وعجزه ووحشته . وهذا يتناسب طردياً من استنزال رحمة الله تعالى . لأنّه بقدر مايشعر بالعجز والضعف تشمله الرحمه أكثر { إرحم في هذه الدنيا غربتي وعند الموت كربتي وفي القبر وحدتي ... } .

12 - الفرار الى الله تعالى والإستعاذه به تعالى : 
وهذه النقطه هي عماد رحلة العوده .  { ففرّوا الى الله إنّي لكم نذير مبين } على أنّ يصاحب هذا الفرار حاله من  الرعب والخوف واللجوء الى الحق تعالى . وما الرعب والخوف إلا من ركام الذنوب وإرهاصات المعاصي . اللهم اليك فررنا من ذنوبنا فآونا تائبين وتب علينا مستغفرين .

13 - الإستغفار : 
وهنا أولى نهايات البدايه حيث أنّ جبل  الذنوب وأكوار المعاصي والمخالفات قد حالت بينك وبين مواصلة المسير . فلابد من طلب المغفره لتخفيفها لكي تستشعر أولى درجات العصمه التي تهيئك لدخول الحضره : { اللهم إغفر لي الذنوب التي تهتك العصم . اللهم إغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء . اللهم إغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء . اللهم إغفر لي كل ذنب أذنبته وكل خطيئه أخطأتها } .

14 - الإضطرار الى الله تعالى : 
بأن يدرك العبد أنّه لا مجال له إلا الله تعالى . لكي يتلقاه ويغفر له : { فوعزتك ما أجد لذنوبي سواك غافراً ولا أرى لكسري غيرك جابراً وقد خضعت بالإنابه اليك } .

15 - الندم : 
وها هنا نهاية البدايه لكي يفتح لك باب الحضره فلابد أن تظهر الندم لأنّه لا يمكن تصديق نية العوده والوقوف على الباب  إلا إذا استعشرت الندم : { إلهي هل يرجع العبد الآبق إلأ الى مولاه أم هل يجيره أحد سواه . إلهي إن كان الندم على الذنب توبه فإنّي وعزتك من النادمين . وإن كان الإستغفار من الخطيئه حطه فإنّي لك من المستغفرين } .
والحمد لله رب العالمين .

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم