جهاد النفس / المحاضره الثانيه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد





جهاد النفس


تلذذ النفس وتألمها :
عرفنا فيما سبق على ان النفس مجرده وبقائها أبدآ .
فاعلم يا اخي ان النفس اما ملتذه متنعمه دائمآ او معذبه متألمه كذلك , وهذا يتوقف على كمالها الذي يخص كلتا الحالتين ,

ان للنفس قوتان النظريه والعمليه , وكمال القوه النظريه الاحاطه بحقائق الموجودات بمراتبها , والترقي منها الى معرفة المطلوب الحقيقي وغاية الكل حتى يصل الى مقام التوحيد ويتخلص من وساوس الشيطان ويطمئن قلبه بنور العرفان , وهذا الكمال هو الحكمه النظريه .



اما كمال القوه العمليه هو التخلي عن الصفات الرديه والتحلي بالاخلاق المرضيه ثم الترقي منها الى تطهير السر وتخليته عما سوى الله سبحانه , وهذه  هي الحكمه العمليه .

واعلم ان كانت النفس  ( أماره بالسوء )  وتداركها التوفيق الالهي حتى تنبهت عن سنة الغفله , كان اول  مقاماتها ( اليقظه ) وهي اول مراتب  { البدايات } فاذا تيقظت واحست  - ببعدها -  عن الله سبحانه , واتباعها للشيطان وكونها تحت ولايته وسلطنته ( تابت ) عن المخالفات , ثم خلطت عملآ صالحآ وآخر سيئآ فاخذت ( تحاسب ) نفسها حتى غلبت حسناتها سيئاتها وقلت موانعها ( فأنابت ) الى الحق ثم  ( تفكرت ) فيما يعينها ويرفع قدرها من الصالحات , ومن نتائج التفكير تبلغ الى حد  ( التذكر ) والاتعاظ والاعتبار ( بالعبر ) ثم ( تعتصم ) بالله وبحوله وقوته ( فتفر ) اليه من كيد الشيطان . ثم تحتاج الى  ( الرياضه ) لتلطيف السر , وبقدر لطافته تلتذ ( بسماع ) الوعد وتتأثر بزواجر الوعيد وتتأذى من النقصان . فتقرع ( ابواب الكمال ) عند نهاية البدايات .

هذه كلها اصلاح  قوى  النفس التي هي الموانع , ودفع شيطان الوهم المسول لزينة  الدنيا ولذة الشهوات للنفس , وتمرينها للطاعه حتى تصير لوامه فتدخل ابواب الرحمه بمشاهدة المنه بالحذر من النقمه ( فتحزن ) بما فاتته من المنجيات و ( تخاف ) من عقاب المهلكات ( فتشفق ) من سوء العاقبه وغلبة الخشيه و ( تخشع ) في طاعة الرب ( فتخبت ) خباليه مذعنه و ( تزهد ) فيما يشغلها عنه من طيبات الدنيا ومتاعها ويغلب عليها ( الورع ) فتنقطع  و ( تتبتل ) اليه ( رجاء ) لرحمة ربها  و ( رغبه ) اليه .

اليقظه هي الانتباه من نومة الغفله والرجوع لله سبحانه وهي تحتاج الى توفيق الالهي . ومن اكبر موانع اليقظه والتوفيق هي الاخلاق الذميمه وهي الحجب المانعه عن المعارف الالهيه والنفحات القدسيه .

اذ هي بمنزلة الغطاء للنفوس فما لم يرتفع عنها لم تتضح لها جلية الحال اتضاحآ , والقلوب كالاواني فاذا كانت مملوء بالماء لا يدخلها الهواء , فالقلوب المشغوله بغير الله لا تدخلها معرفة الله وحبه وانسه , والى ذلك اشار النبي محمد - صل الله عليه واله - { لولا ان الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا الى ملكوت السموات والارض } فبقدر ما تتطهر القلوب عن هذه الخبائث تتحاذى شطرالحق الاول وتلألأ فيها حقائقه كما اشار النبي - صل الله عليه واله - {ان لربكم في ايام دهركم نفحات الا فتعرضوا لها }

فان التعرض لها انما هو بتطهير القلوب عن الكدورات الحاصله عن الاخلاق الرديه , فكل اقبال على طاعه واعراض عن سيئه يوجب جلاء ونورآ للقلب يستعد به لافاضة علم يقيني ولذا  قال الله سبحنه : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } .

كل سالك الى الله انما يعرف من الالطاف والنفحات الغيبيه ما ظهر له على قدر استعداده . واما فوقه فلا يحيط بحقيقته علمآ لكن قد يصدق به ايمانآ بالغيب .

الرحمه الالهيه مبذوله على الكل غير  مضنون  على احد لكن حصولها موقوف على تصقيل مرآة القلب وتصفيتها عن الخبائث .

ما يظهر للقلب من العلوم لطهارت وصفاء جوهره هو  العلم الحقيقي النوراني الذي لا يقبل الشك  . هو المراد بقوله - عليه السلام- { انما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء } واليه اشار مولانا امير المؤمنين - عيه السلام - { ان من أحب عباد الله اليه عبدآ أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه } الى ان قال { قد خلع سرابيل الشهوات وتخلى من الهموم الا هما واحدآ انفرد به , فخرج من صفة العمى ومشاركة اهل الهوى وصار من مفاتيح ابواب الهدى ومغاليق ابواب الردى , قد ابصر طريقه وسلك سبيله وعرف مناره وقطع غماره واستمسك بالعرى باوثقها ومن الجبال بامتنها فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس }  لا يخفى على كل ذي وجدان ان الانسان بحسب فطرته الاصيله وجبلته الذاتيه يعشق الكمال التام المطلق , ويتوجه قلبه شطر الجميل على الاطلاق والكامل من جميع الوجوه , وهذا فطرة الله  التي فطر الناس عليها .

غير ان كل امرىء يرى الكمال في شيء ما , حسب حاله ومقامه فيتوجه قلبه اليه .

فاهل الآخره يرون الكمال في مقامات الآخره ودرجاتها , فقلوبهم متوجه اليها . واهل الله يرون الكمال في جمال الحق , والجمال في كماله سبحانه يقولون { وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض } ويقولون ( لي مع الله حال ) .

واهل الدنيا عندما رأوا  ان الكمال في لذائذها وتبين لاعينهم جمالها اتجهوا فطريآ  نحوها , ان الانسان مهما كثر ملكه ومهما نال من الكمالات النفسيه او الكنوز الدنيويه او الجاه والسلطان , أزداد اشتياقه شده ونار عشقه التهابآ ,

 فصاحب الشهوه  كلما أزدادت امامه المشتهيات ازداد تعلق قلبه بمشتهيات اخرى ليست في متناول يده . واشتدت نار شوقه اليها , كذلك النفس التي تطلب الرئاسه فهي عندما تبسط لواء قدرتها على قطر من الاقطار تتوج بنظره طامعه الى قطر آخر بل لو انها سيطرت على الكره الارضيه برمتها لرغبة في التحليق نحو الكرات الاخرى للاستيلاء عليها ,

 وبذلك ابتعد كثيرآ عن المقصود وهو انه لما كان الانسان متوجهآ قلبيآ الى الكمال المطلق فانه مهما جمع من زخرف الحياة فان قلبه يزداد تعلقآ بها , فاذا اعتقد ان الدنيا وزخارفها هي الكمال ازداد ولعه بها .

اما اهل الاخره الذين أشاحوا بوجوهم عن الدنيا وتلاشت حاجتهم اليها وظهر في قلوبهم الغنى وزهدوا في الدنيا وخارفها ,

كما ان اهل الله مستغنون عن كلا العالمين { الدنيا والآخره } متحررون من كلتا النشاتين وكل حاجتهم نحو الغني المطلق متجليآ الغنى المطلق في قلوبهم فهنيئآ لهم . اذآ يمكن ان يكون مضمون الحديث اشاره لما مر شرحه من قوله : { من اصبح وامسى والدنيا اكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه وشتت امره , ولم ينل من الدنيا الا ما قسم له , ومن اصبح وامسى والآخره اكبر همه جعل الله الغنى في قلبه وجمع له امره  } .

كلما نظرت الى هذه الدنيا بعين المحبه والتعظيم وتعلق قلبك بها , ازدادت حاجتك بحسب درجات حبك لها , وبان الفقر في باطنك وعلى ظاهرك وتشتت امورك واضطربت , واستولى عليك الخوف والهم ولا تجري امورك كما تشتهي وتكثر امنياتك ويغلبك الغم والتحسر ويتمكن  الياس من قلبك والحيره , كما اشار الحديث الشريف في الكافي عن ابي يعفور قال : سمعت ابا عبد الله الصادق - عليه السلام - يقول : { من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه بثلاث  خصال هم لا يفنى وامل لا يدرك ورجاء لا ينال } .

اما اهل الآخره فانهم كلما ازدادوا قربآ من دار كرم الله ازدادت قلوبهم سرورآ واطمئنانآ , وازداد انصرافهم عن الدنيا وما فيها , ولولا ان الله قد عين لهم أجالهم لما مكثوا في هذه الدنيا لحظه واحده فهم كما يقول امير المؤمنين علي بن ابي طلب - عليه السلام - { نزلت انفسهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء , ولولا الاجل الذي كتب الله عليهم , لم تستقر ارواحهم في اجسادهم طرفه عين شوقآ الى الثواب } .

والحمد لله رب العالمين

***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم