بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
النفس واسماؤها
اعلم تجرد النفس انما هو التجرد في الذات دون الفعل لافتقارها فعلآ الى الجسم والآله , فحدها انها جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته , وهو حقيقة الانسان وذاته , والاعضاء والقوى آلاته التي يتوقف فعله عليها , وله اسماء مختلفه بحسب اختلاف الاعتبارات فيسمى ( روحآ ) لتوقف حياة البدن عليه . و (عقلآ ) لادراكه المعقولات , و ( قلبآ ) لتقلبه في الخواطر .
وله قوى اربع : قوه عقليه ملكيه , وقوه غضبيه سبعيه , وقوه شهويه بهيميه , وقوه وهميه شيطانيه .
القوه العقليه الملكيه : شأنها ادراك حقائق الامور , والتمييز بين الخيرات والشرور والامر بالافعال الجميله والنهي عن الصفات الذميمه. القوه الغضبيه السبعيه : موجبه لصدور افعال السباع من الغضب والبغضاء , والتوثب على الناس بانواع الاذى .
القوه الشهويه البهيميه : لا يصدر عنها الا افعال البهائم من عبودية الفرج والبطن, والحرص على الجماع والاكل .
القوه الوهميه الشيطانيه : شانها استنباط وجوه المكر والحيل , والتوصل الى الاغراض بالتلبيس والخدع .
والفائده في وجود القوه الشهويه بقاء البدن الذي هو آلة تحصيل كمال النفس ,
وفي وجود الغضبيه ان يكسر سورة الشهويه والشيطانيه ويقهرهما عند انغمارهما في الخداع والشهوات واصرارهما عليهما , لانهما لتمردهما لا تطيعان العاقله بسهوله بخلاف الغضبيه فانهما تطيعانهاوتتأدبان بتايبها بسهوله .
اعلم يا اخي ان الله تباركوتعالى قد خلق بيد قدرته وحكمته في عالم الغيب وباطن النفس قوى لها منافع لا تحصى , وان ما نبحثه هنا تلك القوى الثلاث وهي : ( الوهميه والغضبيه والشهوانيه ) , ولكل واحده من هذه القوى منافع كثيره من اجل حفظ النوع واعمار الدنيا والاخره .
اعلم يا اخي ان الوهم والغضب والشهوه يمكن ان تكون من الجنود الرحمانيه , وتؤدي الى سعاده الانسان وتوفيقه اذا سلمتها للعقل السليم . ومن الممكن ان تكون من الجنود الشيطانيه اذا تركتها وشانها , واطلقت العنان للوهم ليتحكم في القوتين الاخريين الغضب والشهوه .
وايضآ لم يعد خافيآ ان ايا من الانبياء - عليهم السلام - لم يكبتوا الشهوه والغضب والوهم بصوره مطلقه . ولم يقل حتى الان اي داع الى الله بان الشهوه يمكن ان تقتل بصوره عامه , وان يخمد اوار الغضب بصوره كمله , وان يترك تدبير الوهم .
بل قالوا : يجب السيطره عليها حتى تؤدي واجبها في ظل ميزان العقل والدستور لالهي لان كل واحده من هذه القوى تريد ان تنجز عملها وتنال غايتها ولو اسلتزم ذلك الفساد والفوضى , فمثلآ النفس البهيميه المنغمسه في الشهوات الجامحه تريد ان تحقق هدفها ومقصودها ولو كان ذلك يتم بواسطة الزنا بالمحصنات , والنفس الغضوب تريد ان تنجز عملها حتى ولو استلزم ذلك قتل الانبياء والاولياء , والنفس ذات الوهم الشيطاني تريد ان تؤدي عملها حتى ولو استلزم ذلك الفساد في الارض وقلب العالم بعضه على بعض .
ل جاء الانبياء - عليهم السلام - واتوا بالقوانيين , وأنزلت عليهم الكتب السماويه من اجل الحيلوله دون الانفلات والافراط في الطبائع , ومن اجل اخضاع النفس الانسانيه لقانون العقل والشرع وترويضها وتاديبها حتى لا يخرج تعاملها عن حدود العقل والشرع .
آذآ فكل نفس كيفت ملكاتها وفق القوانيين الالهيه والمعايير العقليه , تكون سعيده ومن اهل النجاة , والا فليستعذ الانسان بالله من ذلك الشقاء وسوء التوفيق وتلك الظلمات والشدائد المقبله التي منها الصور المرعبه والمذهله المصاحبه للانسان في البرزخ والقبر والقيامه وجهنم , والتي نتجت عن الملكات والاخلاق الفاسده التي لازمته في الدنيا .
هذا وقد قيل :
ما ورد في القرآن من النفس المطمئنه واللوامه والاماره بالسوء , اشاره الى تلك القوى اعني العاقله والسبعيه والبهيميه .
والحق انها اوصاف ثلاث للنفس بحسب اختلاف احوالها , فاذا غلبت قوتها العاقله على الثلاث الاخره وصارت منقاده لها ومقهوره منها , زال اضطرابها الحاصل من مدافعتها وسميت { مطمئنه } لسكونها حينئذ تحت الاوامر والنواهي , واذا لم تتم غلبتها وكان بينها تنازع وتدافع وكلما صارت مغلوبه عنها بارتكاب المعاصي حصلت للنفس لوم وندامه سميت { لوامه } , واذا صارت مغلوبه منها مذعنه له من دون دفاع سميت { اماره بالسوء } لانه لما اضمحلت قوتها العاقلهواذعنت للقوى الشيطانيه من دون مدافعه فكانها هي الآمره بالسوء .
اجتماع هذه القوى في لانسان كمثل اجتماع ملك او حكيم وكلب وخنزير وشيطان في مربط واحد . وكان بينهما منازعه , وايهما كان غالبآ كان الحكم له , وان ما يظهر عليه من افعال وصفات الا ما تقتضيه الصفه الحاكمه عليه اي الغالبه ,
ان الانسان الوعاء الذي اجتمعة فيه تلك القوى فالملك او الحكيم هو القوه العاقله , والكلب هو القوه الغضبيه , فان الكلب ليس كلبآ ومذمومآ للونه وصورته بل لروح الكلبيه والسبعيه اعني الضراوه والتكلب على الناس بالعقر والجرع , والقوه الغضبيه موجبه لذلك فمن غلب فيه هذه القوه هو الكلب حقيقه . وان اطلق عليه اسم انسان مجازآ . والخنزير هو القوه الشهويه , والشيطان هو القوه الوهميه
النفس لا تزال محل تنازع هذه القوى وتدافعها الى يغلب احدهما , فالغضبيه تدعوه للظلم والايذاء والعداوه والبغضاء , والبهيميه تدعوه الى المنكر والفواحش والحرص
على الماكل والمناكح , والشيطانيه تهيج غضب السبعيه وشهوة البهيميه وتزيد فعلهما وتغري احدهما بالاخرى , والعقل شانه يدفع غيظ السبعيه بتسليط الشهويه عليها ويكسر سورة الشهويه بتسليط السبعيه عليها ويرد كيد الشيطان ومكره بالكشف عن تلبيسه ببصيرته النافذه ونورانيته الباهره , فان غلب العقل على الكل وجعلها مقهوره تحت سياسته غير قادره على فعل شيء الا باشارته وامره جرى الكل على المنهج الوسط , وظهر العدل في مملكة البدن , وان لم يغلب وعجز عن قهرهما واستخدموه لماربهما فلا يزال الكلب في العقر والايذاء والخنزير في المنكر والفحشاء والشيطان في استنباط الحيل , وتدقيق الفكر في وجوه المكر والخداع .
واخيرآ : لما كانت القوه العاقله من سنخ الملائكه , والواهمه من حزب الابالسه والغضبيه من افق السباع والشهويه من عالم البهائم , فبحسب غلبة واحده منها تكون النفس , اما ملكآ او شيطانآ او كلبآ او خنزيرآ .
والحمد لله رب العالمين
***********************
***********************
إرسال تعليق
التعليق على الموضوع :