معالجة المفاسد الاخلاقيه / المحاضره الرابعه

بسم الله الرحمن الرحيم 
اللهم صل على محمد وال محمد 

معالجة المفاسد الاخلاقيه

بعد ان عرفنا  النفس واسمائها في المحاضره السابقه . تعالوا لنعرف عن ماذا يبحث الانسان في هذه الدنيا وما هو الطريق الاصلح لذلك . وماهو الانسان وكيف يبدآ بالاصلاح ؟ : 

ان الانسان ذو جنبه روحانيه يناسب بها الارواح الطيبه والملائكه , وذو جنبه جسمانيه يشابه بها السباع والانعام , فبالجزء الجسماني اقيم في هذا العالم الحسي مده قصيره . وبالجزء الروحاني ينتقل الى العالم العلوي ويقيم فيه ابدآ في مصاحبة الارواح القدسيه .
بشرط ان يتحرك بقواه نحو كمالاتها حتى يغلب  الجزء الروحاني على الجسماني .
اعلم ان الغايه من تهذيب النفس عن الرذائل وتكميلها بالفضائل هو الوصول الى الخير والسعاده .
وان حقيقة الخير والسعاده ليست  الا المعارف الحقه . والاخلاق الطيبه , وان كان كذلك من حيث ان حقيقتهما ما يكون مطلوبآ لذاته , وباقيآ مع النفس ابدآ , وقد قالوا في ان حقيقة السعاده  هو العقل والعلم  ,  واخرين على انها  في العشق الالهي , وقسم آخر الى انها في الزهد وترك الدنيا .
عزيزي لا تحصل الا بصلاح جميع الصفات والقوى دائمآ , فلا تحصل باصلاحها بعضآ دون بعض , ووقتآ دون وقت .
السعيد المطلق من اصلح جميع صفاته وافعاله على وجه الثبوت والدوام بحيث لا يغيره تغير الاحوال والازمان , فلا يزول صبره بحدوث المصائب والفتن , ولا شكره بورود النوائب والمحن , ولا يقينه بكثرة الشبهات  , ولا رضاه باعظم النكبات , ولا احسانه بالاساءه , ولا صداقته بالعداوه , ولا يحصل التفاوت في حاله ولو ورد عليه ما ورد على ايوب النبي - عليه السلام - وذلك لشهامة ذاته , ورسوخ اخلاقه وصفاته وعدم مبالاته بعوارض الطبيعه , وابتهاجه بنورانيته وملكاته الشريفه , بل السعيد الواقعي  لتجرده وتعاليه عن الجسمانيات . اهل التسبيح والتقديس لا يبالون وربما بلغ تجردهم وقوة نفوسهم مرتبه تحصل لهم ملكة  الاقتدار على التصرف في مواد الكائنات ولو في الافلاك وما فيها , كما حصل لفخر الانبياء وسيد الاوصياء - صلوات الله عليهما - من شق القمر ورد الشمس .
قال الله تعالى : { قل انما اعظكم بواحده ان تقوموا لله } 

القومه لله هي اليقظه من سنة الغفله والنهوض عن ورطة الفتره . 

هذه الايه هي تنبيه لاهل الغفله وكفى بالقران واعظآ ومنبهآ . ولا شك ان الانسان المغمور في غواشي النشأه الذاهل عن الحق ونور الفطره بمقتضيات الطبيعه , كالنائم بالحقيقه كما قال - عليه السلام - { الناس نيام } فلابد له من منبه وهو واعظ الله في قلبه بانقذاف نور اسم ( الهادي ) فيه فيتبنه .  وذلك الانتباه هو نفس القومه لله المسماة عندهم  ب ( اليقظه ) فقد قام لله بأمره ونهض عن فترته .

واليقظه هي ثلاثة اشياء : 

الاول : - لحظ القلب الى النعمه على الاياس من عدها والوقوف على حدها , والتفرغ الى معرفة المنه  بها , والعلم بالتقصير في حقها . 
وهذه اول هذه الامور الثلاث الباعثه على القيام باداء شكر النعمه بالطاعه والجد والاجتهاد في العباده وهي : 
ملاحظة النعم الظاهره والباطنه والسابقه واللاحقه كما قال تعالى : { واسبغ عليكم نعمه ظاهره وباطنه } مع الياس من عدها فردى , لكونها غير متناهيه  ومن البلوغ الى نهايتها والوقوف على حدها لامتناع انحصارها في حد . 
ثم العلم بأنا وان استفرغنا الجهد وبلغنا الوسع في القيام بشكرها كنا في غاية  التقصير في حقها , فانا لا نقوم بشكرها الا بآلات هي ايضآ من النعم ولا نستطيع استعمالها الا بالحول والقوه والتوفيق للعمل والتي هي نعم كلها منه . فلا سبيل الى القيام بحقها الا بالاعتراف بالعجز منه والتقصير , لانا كلما ازددنا في الشكر والطاعه والقيام بحق النعمه ازدادت النعم اضعافآ مضاعفه . 
الثاني : - من خواص اليقظه مجموع امور خمسه باعتبار دفع الضر وجذب النفع , فنهما من خواص اليقظان , وذلك بالاستفاضه من اسمه ( المنعم )  وهذا احتراز عن اسمه ( المنتقم ) وذلك بالنظر الى من  سلف من المخالفات والجنايات الصادره عنه , والوقوف على ان ارتكاب الجنايه مخاطره بالنفس فان الجنايه من آثار اسم  ( المضل ) المؤدي الى استيلاء اسم ( المنتقم ) على الجاني بالعقاب والهلاك .
 عليك اخي ان تشمر بالجد في التأهب للسعي في تدارك الجنايه بالعياذ الى اسم (  الهادي ) فيتداركها بما يزيل اثرها بالكفاره او القضاء او الرد - ان كانت مظلمه - او التزام القصاص او الديه ان كانت على النفس , وفي الجمله بما عينه الشرع من انواع التدارك الموجبه للتخلص من رقها , فان الجنايه مالكه موجبه لرق صاحبها في أسار الاسم ( المنتقم ) . فان الجنايه مكدره للنفس مانعه عن قبولها انوار الاسم ( الهادي ) بصفائها . 
وخامسها طلب النجاة بتخليصها وازالتها بتطهير النفس عن درنها بالطاعه والتزام ما يزيل أثرها . 
ثالثآ : - معرفة ما هو سبب زيادة حاله ومرتبته من الطاعات والخيرات  في ايام عمره , وما هو سبب نقصان حاله ومرتبته . 
والتخلص والتنزه عن تضييع الايام بالبطاله ليتدارك في الباقيه مافات في الماضيه . ولا يبخل بالآتيه فيعمرها بالطاعه والقيام بوظائف الوقت وتدارك الفائت . 
ايها العزيز : انهض من نومك وتنبه من غفلتك واشدد حيازيم الهمه واغتنم الفرصه مادام هنا مجال ومادام في العمر بقيه , ومادامت قواك تحت تصرفك وشبابك موجودآ ولم تتغلب عليك بعد الاخلاق الفاسده ولم تتاصل فيك الملكات الرذيله , فابحث عن العلاج واعثر على الدواء لازالة تلك الاخلاق الفاسده والقبيحه وتلمس سبيلآ لاطفاء نائرة الشهوه والغضب . 
وافضل علاج لدفع هذه المفاسد الاخلاقيه هو ما ذكره علماء الاخلاق  واهل السلوك , وهو ان تاخذ كل واحده من الملكات القبيحه التي تراها في نفسك وتنهض بعزم على مخالفة النفس الى امد , وتعمل عكس ما ترجوه وتطلبه منك تلك الملكه الرذيله . 
وعلى كل حال  اطلب التوفيق من الله تعالى لاعانتك في هذا الجهاد , ولا شك ان هذا الخلق القبيح سيزول بعد فتره وجيزه ويفر الشيطان وجنوده من هذا الخندق ويحل محلهم الجنود الرحمانيه . 
فمثلآ من الاخلاق الذميمه التي تسبب هلاك الانسان وتوجب ضغطة القبر وتعذب الانسان في كلا الدارين , سوء الخلق مع اهل الدار والجيران او الزملاء في العمل او اهل السوق والمحله . 
وهو وليد الغضب والشهوه , فاذا كان الانسان المجاهد يفكر في السمو والترفع - عليه - عندما يعترضه امر غير مرغوب فيه حيث تتوهج فيه نارالغضب لتحرق الباطن وتدعوه الى الفحش والسيء من القول عليه ان يعمل بخلاف النفس . وان يتذكر سوء عاقبة هذا الخلق ونتيجته القبيحه ويبدي بالمقابل مرونه ويلعن الشيطان ويستعيذ بالله منه . 
اني اتعهد لك  بانك لو قمت بذلك السلوك وكررته عدة مرات فان الخلق السيء سيتغير كليآ . وسيحل الخلق الحسن في عالمك الباطن .
ولكنك اذا عملت  وفق هوى النفس فمن الممكن ان تبيد في هذا العالم نفسك , واعوذ بالله تعالى من الغضب الذي يهلك الانسان في آن واحد في كلا الدارين . 
 او كنت لا سامح الله من اهل الجدل والمراء في المناقشات العلميه كما عليه بعض الاخوه في الوقت الحاضر المبتلين بهذه السريره , 
فاعمل فتره بخلاف النفس . 
والانسان المبتلى عليه ان يسعى كثيرآ من اجل ازالة هذه الخصله , روي عده من الاصحاب انهم قالوا : { خرج علينا رسول الله صل الله عليه واله وسلم يومآ ونحن نتمارى في شيء من أمر الدين فغضب غضبآ شديدآ لم يغضب مثله , ثم قال : انما هلك من كان قبكم بهذا , ذروا المراء فان المؤمن لا يماري , ذروا المراء فان المماري قد تمت خسارته , ذروا المراء فان المماري لا اشفع له يوم القيامه , ذروا المراء فاني زعيم بثلاث ابيات في الجنه في رياضها واوسطها واعلاها لمن ترك المراء وهو صادق , ذروا المراء فان اول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الاوثان المراء } 
وعنه ايضآ : { لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء وان كان محقآ } 
والاحاديث كثيره في هذا الباب فما اقبح ان  يحرم الانسان شفاعة الرسول الاكرم - صل الله عليه واله - بواسطة مغالبه جزئيه ليس فيها ثمر ولا اثر . 
والحمد لله رب العالمين 


***********************


***********************

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم