وصية الشهيد الاول "رحمه الله"

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد


وصية الشهيد الاول "رحمه الله"


 اسمه وكنيته ونسبه :  الشيخ أبو عبد الله  محمّد بن مكِّي العاملي الجزِّيني ، المعروف بالشهيد الأوّل .
 ولادته  : ولد الشهيد الأوّل عام  734 هـ  بقرية جزِّين ، إحدى قرى جبل عامل في لبنان .
 نشأته : ترعرع في بيت من بيوت العلم والدين ، وتلقّى في قريته  وكانت يومذاك مركزًا فكريًّا إسلاميًّا – مبادئ العلوم العربية والفقه -  فتح الشهيد الأوّل عينيه على مخالطة العلماء ومُجالستهم ، وارتاد في ريعان شبابه الندوات العلمية  ، التي كانت تُعقد في أطراف جبل عامل ، واشترك في حلقات الدرس التي شُكِّلت في المدارس والمساجد والبيوت .
وقد ساهم كذلك في المحاورات العلميه التي كانت تدور بين الاساتذه والطلاب ، أو بين الطلاب أنفسهم ، حتى  كان له فيما بعد آراؤه في مسائل الفقه والفكر والادب ، أعانته على ذلك ثقافته الشخصيه وقريحته الفياضه ، وبيئته النشطه .
 رحلاته ودراسته:
لم يكتف الشهيد الأوّل بثقافته التي تلقَّاها في جِزِّين ، بل راح يتطلَّع إلى آفاق أُخرى في مراكز إسلامية لتلقِّي المعارف الجديدة ، فرحل إلى الحلّة وكربلاء المقدّسة وبغداد ، ومكّة المكرّمة ، والمدينة المنوّرة ، والشام ، والقدس . ولم يمنعه انتماؤه المذهبي إلى أهل البيت (عليهم السلام) من أن يتعرّف على الثقافة السنّية ، بعد أن بلغ شأوًا في المعارف ، فاطَّلع وناظر وحاجج في أجواء علمية رحبة ، ونظر في ألوان مختلفة من الفكر ، وارتاد مختلف مراكز الحركة العقلية في البلاد الإسلامية ، وجالس العلماء والأساتذة ، فاستفاد وأفاد ، ويكفي في ذلك قول أُستاذه فخر المحققّين فيه : ( لقد استفدت من تلميذي محمّد بن مكّي أكثر ممّا استفاد منّي ).
 أقوال العلماء فيه :  نذكر منهم ما يلي :
1 - قال الشهيد الثاني في مقدّمة الروضة البهية : ( شيخنا وإمامنا المحقِّق ، البدل النحرير المدقِّق ، الجامع بين منقبة العلم والسعادة ، ومرتبة العمل والشهادة ، الإمام السعيد أبي عبد الله الشهيد محمّد بن مكّي أعلى الله درجته ،  كما شرَّف خاتمته ) . 
 2 - قال المحقِّق الكركي : ( فقيه أهل البيت (عليهم السلام) في زمانه ، ملك العلماء ، علم الفقهاء ، قدوة المحقِّقين والمدقِّقين ، أفضل المتقدّمين والمتأخّرين ) .
 3 - قال الشيخ الحر العاملي في أمل الآمل : ( كان عالمًا ماهرًا ، فقيهًا محدِّثًا ،  محقِّقًا متبحِّرًا ، جامعًا لفنون العقليات والنقليات، زاهدًا عابدًا ، شاعرًا أديبًا ، منشئًا ، فريد دهره ، عديم النظير في زمانه ) .
 4 - قال الشيخ النوري الطبرسي في مستدرك الوسائل : ( أفقه الفقهاء عند جماعة من الأساتيذ ، جامع فنون الفضائل ، وحاوي صنوف المعالي ، وصاحب النفس الزكية القوية ) .
خلف "رحمه الله" كتبآ كثيره صارت العمده في التدريس والاجتهاد أهمها :
1 - اللمعه الدمشقيه . 
2 - القواعد والفوائد في الفقه .
3 - الدروس الشرعيه . 
4 - الذكرى . 
5 - رسالة الباقيات الصالحات . 
 مواقفه وخدماته:
سعى من خلال علاقاته الواسعة ومكانته في الأوساط العلمية لأن ينجز مهام كبيرة في مجال الإصلاح والتوجيه ، وتوحيد الكلمة ، والضرب على أيدي العابثين المغرضين ، فأخمد فتنة اليالوش الذي ادَّعى النبوّة ، وقلَّص الخلافات الطائفية ،  فوافقه أناس وعارضه آخرون ، فكان أن استدعاه حاكم خراسان ، فيما اعتقله حاكم دمشق ، واغتاله فيما بعد ، لأنّ حكومة بيدمر بدمشق كانت تخشاه ، وتحسب له حسابه ، إذ هي حكومة ضعيفة ، فحاولت أن تتخلَّص من الشهيد الأوّل وتقضي عليه ، حيث ترى فيه مذهبًا مُندِّدًا بالانحراف والضلال . 
 وكان الشهيد الأوّل يَلقى أذىً متواصلاً مريرًا خلال أعماله ، ولكن الذي كان يعانيه لم يُثنه عن أن يُحدث نهضة في عالم الفقه وغيره من العلوم ، وأن يفتح في جبل عامل أوَّل مدرسة فقهية هي ( مدرسة جزِّين ) ، فأصبحت طليعة النشاط الثقافي الشيعي هناك  ، وقد قُدِّر لهذه المدرسة أن تُخرِّج عددًا كبيرًا من الفقهاء والمفكِّرين الإسلاميِّين فيما بعد .
 فقد كانت حياته حلقات متصلة من الجهاد العلمي والاجتماعي ، لم يهدأ حتّى ختمها بالشهادة خاتمة مشرِّفة ، أدرجته في سجلِّ الشامخين .
وُشِيَ به (قدس سره) إلى الملك بيدمر ، فسُجن في قلعة دمشق سنة كاملة ، فلمّا ضجَّ الناس خاف بيدمر ثورتهم وهجومهم على السجن لإنقاذ الشهيد الأوّل ، أو الاستيلاء على الحكم ، فحاول التعجيل بقتل هذا العالم وإراحة نفسه منه ، فقدم وقتل (قدس سره)، وكانت شهادته في التاسع من جمادى الثانية 786 هـ .
 ثمّ لم تشتفِ القلوب المريضة بهذا حتّى طمعت بإهانة الرجل بعد شهادته ، فقد أُمر به أن يُصلب وهو مقتول على مرأىً من الناس،    ثمّ رجم بالحجارة ، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بإحراق جثمانه الطاهر .
الوصيه الاولى :
بسم الله الرحمن الرحيم 
هذه وصية العبد الضعيف كاتب هذه الاحرف محمد بن مكي - تاب الله عليه توبه نصوحا وكان من  هفواته وزلاته  صفوحا - الى اخوانه في الله واحبائه لله ، ويبدأ بهم وهي مشتمله على أمور : 
اولها : تقوى الله تعالى فيما يأتون ويذرون ، ومراقبته ومخافته ، والحياء منه في الخلوات . 
وثانيها : ذكره بالقلب على كل حال ، وباللسان في معظم الاحوال .
وثالثها : التوكل عليه وتفويض الامور اليه ، والالتجاء عند كل مهم اليه .
ورابعها : التمسك بشرائع الدين ، فلا يخرج عنها شعره لئلآ تحصل الضلاله . 
وخامسها : المباشره على الفرائض من الافعال والتروك ، بحسب ما جاءت به الشريعه . 
وسادسها : الاستكثار من النوافل بحسب الجهد والطاقه والفراغ والصحه ، وخصوصآ الصلوات المندوبه فانها خير موضوع ، وما يقرب العبد الى الله تعالى بعد المعرفه بافضل منها وخصوصآ الليليه منها .
وسابعها : كف اللسان عن الهذر والغيبه والنميمه واللغو ، وكف السمع عن اللغو وعن سماع كل ما لا فائده فيه دينيه ودنيويه ، وكفّ الاعضاء عن جميع ما يكرهه الله تعالى . 
وثامنها : الزّهد بالدنيا بالمرّه ، والاقتصار في البلغه منها والقوت من حلّه ، ومهما امكن الاستغناء عن الناس قليفعل ، فأن الحاجه اليهم الذلّ الحاضر . 
 وتاسعها : دوام ذكر الموت والاستعداد لنزوله ، وليكن في كل يومٍ عشرين مرّه حتى يصير نصب العين . 
وعاشرها : محاسبة النفس عند الصباح والمساء على ما سلف منها ، فان كان خيرآ استكثر منه ، وان كان شرآ رجع .
وحادي عشرها : دوام الاستغفار بالقلب واللسان وصورته " اللهم اغفر لي ، فاني أستغفرك وأتوب " . 
ومن وصية لقمان لابنه أن يكثر من " اللهم اغفر لي " فأن لله  أوقاتآ لا يردّ فيها سائلآ .
وثاني عشرها : الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما استطاع على ما هو مرتّب شرعآ . 
وثالث عشرها : مساعدة الاخوان والتعرض لحوائجهم بحسب الحاجه والمسكنه ، وخصوصآ الذريّه العلويه والسلاله الفاطميه . 
ورابع عشرها : التعظيم لأمر الله تعالى ، والتعظيم لعلماء الدين وأهل التقوى من المؤمنين . 
وخامس عشرها : الرضى بالواقع ، وأن لا يتمنى ما لا يدرى اهو خير او لا ، ودوام الشكر على كل حال . 
وسادس عشرها : الصبر في المواطن فأنه رأس الايمان . 
وسابع عشرها : دوام الدعاء بتعجيل الفرجُ فانه من مهمات الدين . 
وثامن عشرها : دوام دراسة العلم مطالعةً  وقراءةً وتدريسآ وتعليمآ وتعلمآ ، ولا تأخذه فيه لومة لائم . 
وتاسه عشرها : الاخلاص في الاعمال فانه لا يقبل الاركان الا خالصآ صافيآ ، والرياء في العباده شرك - نعوذ بالله  منه - . 
وعشرونها : صلة الارحام ولو بالسلام ان لم يمكن غيره .
وحادي عشرونها :  زيارة الاخوان في الله تعالى ومذاكرتهم في امور الآخره . 
وثاني عشرونها : أن لا يكثروا في الرخص والاخذ بها والتوسعه ، ولا يكثروا التشديد على انفسهم في التكلف بل يكون بين ذلك قواما . وثالث عشرونها :  ان لا يدع وقتآ يمضي بغير فائده دينيه او دنيويه . 
ورابع عشرونها : معاشرة الناس بما يعرفون والاعراض عمّا ينكرون ، وحُسن الخُلق وكظم الغيظ والتواضع بهم ، وسؤال الله تعالى ان يصلحهم ويصلح لهم . 
وملاك هذه الامور كلها تقوى الله ودوام مراقبته . 


والسلام عليهم جميعآ والحمد لله  وحده ، وصلى الله على محمد وآله أجمعين 

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم