بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
التوكل : فضيله من الفضائل الساميه ، وخلق كريم من مكارم الاخلاق ، وخصله حميده ، ومنزل شريف من منازل الإيمان ، ومقام رفيع من مقامات الموقنين ، بل أفضل مقامات الإنسانيه الكامله ، به يظهر المؤمن صدق إيمانه ، وثبات اعتقاده ، وهو قرين الصدق والعز ، والاستعانه بالله العظيم ، وبه ينتظم العلم والحال والعمل ، وكفى به فضلاً ومنقبه أنّ الله تعالى يحب المتوكلين ، وهو من أخلاق الأنبياء العظام .
التوكل مشتق من الوكاله ، يقال : وكل فلان الأمر الى غيره أي فوضه اليه ، واكتفى به لاعتماده عليه أنه ينجزه ، ووثق به ويسمى المفوض اليه متكلاً ، ومتوكلاً عليه .
والوكيل : وهو الذي يوكل الأمر اليه ، أو موكول اليه الأمر ، وياتي بمعنى الحافظ والناصر والرقيب والمطلع لأنه الذي يرعى الأمور ويحفظها ويتعدها وينصر من يركن اليه ومن قوله تعالى : ( وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) لأنه هو الذي يتعهد الأمور التي وكلت اليه من عباده .
والتوكل على الله تعالى : هو تفويض الأمر اليه عز وجل والاكتفاء به ، ويشبه التوكل التفويض من هذه الجهه فهما يشتركان في تسليم الأمر اليه عز وجل ، قال تعالى حكايه عن شعيب : ( فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري الى الله إنّ الله بصير بالعباد ) .
أي : أسلم الأمور اليه عز وجل فهو الذي يكفيكها ، وفي الحديث أنّ النبي " صل الله عليه واله " كان يدعوا فيقول : ( اللهم إني أسلمت نفسي ، وفوضت أمري إليك ) .
لكن التوكل يزيد على التفويض في أنه يتضمن طلب النصره منه ، والوثوق بأنه ينجزها ، ويحفظ من يكل اليه أمره والرضاء بفعل الله " عز وجل " بعد الاعتراف بالعجز لقصوره أمام عظمته وكبريائه .
التوكل على الله هو الاعتماد عليه عز وجل قلباً، واطمينان النفس به والوثوق بأنه لم يهمله ، بعد الاعتراف بعجز الانسان أمام قدرته ، وعلمه ، وإحاطته ، وقيومته ، والاعتقاد بانه تعالى هو الفاعل لا غيره ، وأن لا رب غيره ، فيعلم علماً قطعياً بأنه لا حول ولا قوه إلا بالله ، يضع الأشياء في مواضعها بحكمته ، وهو القادر على كل شيء في السموات والأرض ، ومن ذلك يظهر السر في ذكره عز وجل العزه والحكمه في قوله تعالى : ( ومن يتوكل على الله فإنّ الله عزيز حكيم ) لأن الاعتقاد بأنه حكيم يضع الأشياء في مواضعها، وعزيز قادر لا يمتنع عليه شيء إذا أراد ، فلا محاله يذعن المؤمن بأنه تعالى ناصره ومعينه وهو حسبه وكافيه ، ويحصل له الاعتقاد بأن كل ما يسوقه اليه ربه طيب وكريم وحسن وخير ، ويعتمد عليه في جميع أموره وتحصل الثقه بالله العظيم فيتوكل عليه .
أعلم أن التوكل : إنما هو ارتباط عالم الشهاده المتناهي من كل جهه ، بعالم الغيب غير المتناهي ، ولذا نرى أنه والتوحيد قرينان ، لا يتحقق أحدهما من دون الآخر ، فمن لا توحيد له لا توكل له ، ومن لا توكل له لا ايمان له ، ويدل عليه قوله تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .
بل يمكن أن يقال بأن التوكل طريق لمعرفة أيمان المؤمن ، بل هو محقق له لأنه لا يرى لغير الله تعالى أثراً ، فالجميع مسخر تحت إرادته ، وإنما جعل لها نظاماً معيناً أقام أمور العالم به ، فتجري على وفق قانون الأسباب والمسببات ، خاضعه له لا تتخلف عنه ، إلا أنها عاجزه عن أي نفع أو ضرر لأنها لا تفعل شيئاً الا بارادته ومشيئته عز وجل .
والمؤمن يذعن بهذا النظام الذي أقام الله تعالى هذا العالم به ، ويطلب كل شيء عن طريق سببه ، ويعمل ويكافح لإيجاد الأسباب الظاهريه المنوطه بها المسببات ويطلبها على وفق ما أمره الله تعالى طلباً تكوينيا أو تشريعياً ، ولكنه يعترف بالعجز أمام قدرت الله تعالى ويذعن بالجهل أمام المقادير التي قدرها عز وجل ، ويعلم بأن الأسباب الظاهريه التي عمل من أجلها شيء والمقادير والقضاء والقدر والأسباب الخفيه التي يجهلها شيء آخر ، وجميعها خاضعه له عز وجل مسخره أمام إرادته ومشيته ، وهو عاجز عنها فيوكل أمره اليه معتقداً بأنه حسبه وناصره ومعينه .
ومن جميع ذلك يعلم بأن التوكل لا ينافي الأسباب الظاهريه ، بل الاعتقاد بها والعمل عليها من جملة أساسيات فضيلة التوكل ، ويدل على ذلك قوله تعالى : ( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) .
إذ يفاد من هذه الآيه الشريفه أمران :
الأول : أن الانسان لا يمكن له التغاضي عن متاع الحياة الدنيا ، الذي هو من نعم الله تعالى عليه ، فهو الذي يقضي به مآربه ويحقق مقاصده ، ويعيش عليه في هذه الحياة الدنيا ، وأما ما عند الله فهو خير من هذا المتاع القليل في الكميه ، وإنما جعل الله هذه الدنيا وسيله لنيل ما هو أعظم منها ، ولا يمكن تحصيل هذا المتاع الا بأسباب خاصه معروفه يجري عليها نظام هذا العالم .
فالتوكل على الله تعالى والاعتماد على الاسباب الظاهريه قرينان ، بل هي من طرق تحصيل التوكل عليه عز وجل ، ويدل عليه قوله " صل الله عليه واله " : ( اعقلها ثم توكل ) .
الثاني : أن التوكل من شروط الايمان الصحيح ، بل هو من أعلى مقامات التوحيد ، فإنه التوحيد العملي الذي اعتنى به الله تعالى في كتابه الكريم واهتم له الأنبياء والمرسلون ، فهو يبين الجانب العملي في الإيمان ، لأن التوكل وظيفه من وظائف القلب به يسكن ، وبه تطمئن النفس ، وبه يدخل المؤمن تحت الآيه المباركه : ( يا أيّتها النفس المطمئنه * ارجعي الى ربك راضيه مرضيه * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي ) .
وبالجمله : لما كان هذا العالم متقوماً بالأسباب والمسببات : الطوليه والعرضيه ، ولا بد من انتهاء تلك الى سبب غيبي وربوبيه عظمى ، لا يعقل فوقها ربوبيه وقيموميه كبرى ليس وراءها قيم أصلاً ، فيكون الجميع مسخراً تحت أرادته ومشيته التامه ، فلا الماديات تعوق مشيته ولا التكثرات تمنع قهاريته ، ولا ريب في تحقق ما ذكر في هذا النظام الأحسن وآثار عظمته وإبداعه ووحدانيته ظاهره في كل شيء ، والتوحيد هو الاعتقاد بهذه الحقيقه ، والتوكل هو الاعتماد على مدبر هذا العالم وخالقه وصانعه .
فإن طابق الاعتقاد الواقع على ما هو عليه تتجلى حقيقة التوكل وإلا فلا توكل .
ومن ذلك يظهر السر في ما ورد عن الأئمه " عليهم السلام " : ( أن قول القائل : لولا أن فلانا لهلكت ، شرك ، قيل له " عليه السلام " فكيف نقول ؟ قال " عليه السلام " : تقول : لولا أن الله منّ الله عليّ بفلان لهلكت ) كما يظهر السر في قوله تعالى :
( وما يؤمن أكثرهم بالله إلأ وهم مشركون ) .
فالتوكل الحقيقي هو الاعتقاد باستناد كل شيء اليه عز وجل ، وانبعاث الجميع منه تعالى ويستلزم ذلك الاعتقاد بتسبيب الأسباب والسعي في تحصيلها ، فإن التوكل من دون ذلك لا ثمره فيه ، بل هو لغو وباطل ، فترجع حقيقة التوكل الى إرجاع الأمور الى الله تعالى ، لأنه مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب .
ومن ذلك كله يظهر أن التوكل عنوان التوحيد وهو داع اليه فهما متلازمان ، وبه ينتظم حال الانسان وعلمه وعمله .
والحمد لله رب العالمين
اللهم صل على محمد وال محمد
التوكل على الله
التوكل : فضيله من الفضائل الساميه ، وخلق كريم من مكارم الاخلاق ، وخصله حميده ، ومنزل شريف من منازل الإيمان ، ومقام رفيع من مقامات الموقنين ، بل أفضل مقامات الإنسانيه الكامله ، به يظهر المؤمن صدق إيمانه ، وثبات اعتقاده ، وهو قرين الصدق والعز ، والاستعانه بالله العظيم ، وبه ينتظم العلم والحال والعمل ، وكفى به فضلاً ومنقبه أنّ الله تعالى يحب المتوكلين ، وهو من أخلاق الأنبياء العظام .
التوكل مشتق من الوكاله ، يقال : وكل فلان الأمر الى غيره أي فوضه اليه ، واكتفى به لاعتماده عليه أنه ينجزه ، ووثق به ويسمى المفوض اليه متكلاً ، ومتوكلاً عليه .
والوكيل : وهو الذي يوكل الأمر اليه ، أو موكول اليه الأمر ، وياتي بمعنى الحافظ والناصر والرقيب والمطلع لأنه الذي يرعى الأمور ويحفظها ويتعدها وينصر من يركن اليه ومن قوله تعالى : ( وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) لأنه هو الذي يتعهد الأمور التي وكلت اليه من عباده .
والتوكل على الله تعالى : هو تفويض الأمر اليه عز وجل والاكتفاء به ، ويشبه التوكل التفويض من هذه الجهه فهما يشتركان في تسليم الأمر اليه عز وجل ، قال تعالى حكايه عن شعيب : ( فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري الى الله إنّ الله بصير بالعباد ) .
أي : أسلم الأمور اليه عز وجل فهو الذي يكفيكها ، وفي الحديث أنّ النبي " صل الله عليه واله " كان يدعوا فيقول : ( اللهم إني أسلمت نفسي ، وفوضت أمري إليك ) .
لكن التوكل يزيد على التفويض في أنه يتضمن طلب النصره منه ، والوثوق بأنه ينجزها ، ويحفظ من يكل اليه أمره والرضاء بفعل الله " عز وجل " بعد الاعتراف بالعجز لقصوره أمام عظمته وكبريائه .
التوكل على الله هو الاعتماد عليه عز وجل قلباً، واطمينان النفس به والوثوق بأنه لم يهمله ، بعد الاعتراف بعجز الانسان أمام قدرته ، وعلمه ، وإحاطته ، وقيومته ، والاعتقاد بانه تعالى هو الفاعل لا غيره ، وأن لا رب غيره ، فيعلم علماً قطعياً بأنه لا حول ولا قوه إلا بالله ، يضع الأشياء في مواضعها بحكمته ، وهو القادر على كل شيء في السموات والأرض ، ومن ذلك يظهر السر في ذكره عز وجل العزه والحكمه في قوله تعالى : ( ومن يتوكل على الله فإنّ الله عزيز حكيم ) لأن الاعتقاد بأنه حكيم يضع الأشياء في مواضعها، وعزيز قادر لا يمتنع عليه شيء إذا أراد ، فلا محاله يذعن المؤمن بأنه تعالى ناصره ومعينه وهو حسبه وكافيه ، ويحصل له الاعتقاد بأن كل ما يسوقه اليه ربه طيب وكريم وحسن وخير ، ويعتمد عليه في جميع أموره وتحصل الثقه بالله العظيم فيتوكل عليه .
أعلم أن التوكل : إنما هو ارتباط عالم الشهاده المتناهي من كل جهه ، بعالم الغيب غير المتناهي ، ولذا نرى أنه والتوحيد قرينان ، لا يتحقق أحدهما من دون الآخر ، فمن لا توحيد له لا توكل له ، ومن لا توكل له لا ايمان له ، ويدل عليه قوله تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .
والمؤمن يذعن بهذا النظام الذي أقام الله تعالى هذا العالم به ، ويطلب كل شيء عن طريق سببه ، ويعمل ويكافح لإيجاد الأسباب الظاهريه المنوطه بها المسببات ويطلبها على وفق ما أمره الله تعالى طلباً تكوينيا أو تشريعياً ، ولكنه يعترف بالعجز أمام قدرت الله تعالى ويذعن بالجهل أمام المقادير التي قدرها عز وجل ، ويعلم بأن الأسباب الظاهريه التي عمل من أجلها شيء والمقادير والقضاء والقدر والأسباب الخفيه التي يجهلها شيء آخر ، وجميعها خاضعه له عز وجل مسخره أمام إرادته ومشيته ، وهو عاجز عنها فيوكل أمره اليه معتقداً بأنه حسبه وناصره ومعينه .
ومن جميع ذلك يعلم بأن التوكل لا ينافي الأسباب الظاهريه ، بل الاعتقاد بها والعمل عليها من جملة أساسيات فضيلة التوكل ، ويدل على ذلك قوله تعالى : ( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) .
إذ يفاد من هذه الآيه الشريفه أمران :
الأول : أن الانسان لا يمكن له التغاضي عن متاع الحياة الدنيا ، الذي هو من نعم الله تعالى عليه ، فهو الذي يقضي به مآربه ويحقق مقاصده ، ويعيش عليه في هذه الحياة الدنيا ، وأما ما عند الله فهو خير من هذا المتاع القليل في الكميه ، وإنما جعل الله هذه الدنيا وسيله لنيل ما هو أعظم منها ، ولا يمكن تحصيل هذا المتاع الا بأسباب خاصه معروفه يجري عليها نظام هذا العالم .
فالتوكل على الله تعالى والاعتماد على الاسباب الظاهريه قرينان ، بل هي من طرق تحصيل التوكل عليه عز وجل ، ويدل عليه قوله " صل الله عليه واله " : ( اعقلها ثم توكل ) .
الثاني : أن التوكل من شروط الايمان الصحيح ، بل هو من أعلى مقامات التوحيد ، فإنه التوحيد العملي الذي اعتنى به الله تعالى في كتابه الكريم واهتم له الأنبياء والمرسلون ، فهو يبين الجانب العملي في الإيمان ، لأن التوكل وظيفه من وظائف القلب به يسكن ، وبه تطمئن النفس ، وبه يدخل المؤمن تحت الآيه المباركه : ( يا أيّتها النفس المطمئنه * ارجعي الى ربك راضيه مرضيه * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي ) .
وبالجمله : لما كان هذا العالم متقوماً بالأسباب والمسببات : الطوليه والعرضيه ، ولا بد من انتهاء تلك الى سبب غيبي وربوبيه عظمى ، لا يعقل فوقها ربوبيه وقيموميه كبرى ليس وراءها قيم أصلاً ، فيكون الجميع مسخراً تحت أرادته ومشيته التامه ، فلا الماديات تعوق مشيته ولا التكثرات تمنع قهاريته ، ولا ريب في تحقق ما ذكر في هذا النظام الأحسن وآثار عظمته وإبداعه ووحدانيته ظاهره في كل شيء ، والتوحيد هو الاعتقاد بهذه الحقيقه ، والتوكل هو الاعتماد على مدبر هذا العالم وخالقه وصانعه .
فإن طابق الاعتقاد الواقع على ما هو عليه تتجلى حقيقة التوكل وإلا فلا توكل .
ومن ذلك يظهر السر في ما ورد عن الأئمه " عليهم السلام " : ( أن قول القائل : لولا أن فلانا لهلكت ، شرك ، قيل له " عليه السلام " فكيف نقول ؟ قال " عليه السلام " : تقول : لولا أن الله منّ الله عليّ بفلان لهلكت ) كما يظهر السر في قوله تعالى :
( وما يؤمن أكثرهم بالله إلأ وهم مشركون ) .
فالتوكل الحقيقي هو الاعتقاد باستناد كل شيء اليه عز وجل ، وانبعاث الجميع منه تعالى ويستلزم ذلك الاعتقاد بتسبيب الأسباب والسعي في تحصيلها ، فإن التوكل من دون ذلك لا ثمره فيه ، بل هو لغو وباطل ، فترجع حقيقة التوكل الى إرجاع الأمور الى الله تعالى ، لأنه مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب .
ومن ذلك كله يظهر أن التوكل عنوان التوحيد وهو داع اليه فهما متلازمان ، وبه ينتظم حال الانسان وعلمه وعمله .
والحمد لله رب العالمين
***********************
***********************
Tags:
تهذيب النفس