ما مفهوم النور الإلهي ؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد

ما مفهوم النور الإلهي ؟؟


أخبر الله " عز وجل " عن ولايته للذين آمنوا فقال : " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور "
والنور من أسمائه سبحانه , فما مفهوم النور ؟
في البحث العرفاني للسيد السبزواري في كتابه " مواهب الرحمن في تفسير القران "  في تفسير قوله تعالى " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين "
لفظة النور في الكتب السماويه كثيره , ولا سيما في القرآن الكريم  على النحو الآتي :
الأولى : مضاف الى نفسه الأقدس قال جل شأنه : " الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح " وقوله تعالى : " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره  " وقوله تعالى : " ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور " وفي الدعاء المأثور : " أنت نور السموات والارض " .
الثانيه : مضاف الى خلقه , مثل قوله تعالى  واصفاً أحوال المؤمنين في يوم الحساب : " نورهم يسعى بين أيديهم " .
الثالثه : مضاف الى الكتب النازله من عنده " عز وجل " على رسله الكرام كما قال جل شأنه : " إنا أنزلنا التورات فيها هدى ونور " وقال تعالى : " وآتينا الانجيل فيه هدى ونور " وقال تعالى : " فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا " وهو القرآن الكريم .
الرابعه : مضاف الى الرسل والانبياء , قال تعالى في وصف نبينا الأعظم " صل الله عليه واله " : " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً * وداعياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً "
الخامسه : مضاف الى الدين النازل من السماء , قال تعالى : " هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور وكان بالمؤمنين رحيماً "
والجامع بين هذه الاقسام هو الحق فيدور مداره .
السادسه : اختص النور بغير هذا العالم ؛ أي : عالم البرزخ , والقيامه , قال تعالى : " وأشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجىء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون " وقال تعالى : " يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتتم لنا نورنا وغفر لنا إنك على كل شيء قدير " .
ويمكن أن يقال : إن جميع تلك الاقسام يرجع اليه سبحانه وتعالى  لما اختص به من إشراق الجلال , وسبحات المعظم , التي يضمحل دونها كل شيء , وإن سائر الأنوار بارقه , ورشحه من ذلك النور العظيم كما جاء في بعض الدعوات الأثوره , ولولاه لكانت الظلمات فاشيه ومستقره , نعم للاضافه أثر خاص يحصل من الاستعداد والأهليه لذا يقع فيه الاختلاف .
أعلم أن الانوار  من هو محسوس بعين البصر المنتشره من الاجسام النيره كالقمرين والنجوم والارض وغيرها , لها أثرها في عالم الامكان وهي مدركه للجميع حتى البهائم .
أما الانوار المعنويه التي تدركها البصيره وهي على قسمين  : دنيويه وأخرويه .
الدنيويه كنور العقل  , والعلم , ونور الايمان .
إن الحياة في هذا العالم متقومه بهذه الانوار , ولولاها لن تسعد حياة , وهو المراد من الآيه الشريفه : " وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس " وفي الحديث : " العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء " ومنها النور الذي يشرق من الكتب السماويه لاستضاءة السبل , وايصال السالك الى منزل القرب منه تعالى وكذا الانبياء والائمه والاولياء .
وكما للانوار المحسوسه شروقاً وغروباً تدل على وجودها وآثارها الخاصه .
كذلك للانوار المعنويه فإن لها إشراقها على القلوب والنفوس , ولابد فيها من إزالة الحجب المانعه من الاشراق , وهي تعلق القلب بالماده والماديات , وتوطين حب الدنيا فيه , وقد يغرب النور عنه وتخمد الفطره  قال علي " عليه السلام " ان هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان " وأن القلوب تقبل على ما يوجب التصفيه , وتدبر عما يمنعه من التخليه والتحليه . إلأ إذا وصلت الى مرحله لا تؤثر فيها الانوار مطلقاً , وأظلمت من جميع الجهات , وبحسب التعبير القرآني : القساوه , أو أشد من الحجاره , أو ران  على قلوبهم , فحينئذ يتمثل الانسان في الشر ويصير مصداقاً للشرور نستجير بالله تعالى , ومع ذلك كله فهو قابل للرجوع الى الفطره والاستعانه بها , لإزالة الخبائتعنه ورفع الحجب .
هناك أنوار أخرى ذكرها علماء العرفان وهي :
الاول : نور الطالبين : يكشف ظلمة الغفله ويظهر نور اليقظه , والروايات الداله على ذلك كثيره , وفي الدعاء ابلأثور : " وهب لي نوراً ترفع به ظلمة الجهل عني , واطلب به رضاك " .
الثاني : نور السائرين : يكشف ظلمة الأغيار ويظهر به بهجة المعارف والأسرار , وفي كثير من الدعوات , والسؤال منه جل شأنه بأفاضته علينا , ويعبر عنه ب " نور الإقبال " ولعل المراد منالحديث الوارد عن نبينا الأعظم " صل الله عليه واله " : " ان النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل : يا رسول الله هل لذلك من علامه يعرف بها ؟ قال " صل الله عليه واله " : نعم التجافي عن دار الغرور , والإنابه الى دار الخلود , والاستعداد للموت قبل نزوله " .
الثالث : نور الوصال أو التوجه ,وبه يشهد القلب مولاه .
وهناك تقسيم آخر على النحو الآتي :
الاول : نور الاسلام : ويحصل منه الانقياد والإذعان .
الثاني : نور الايمان : وبه تكشف ظلمات الشرك الخفي , وتظهر بهجة الإخلاص , والصدق , والوفاء .
الثالث : نور الاحسان : وبه تنكشف ظلمة الإنيه , ويظهر نور وجود المبدأ كما هو , ولهذه الانوار مراتب ودرجات .
وعن بعض العرفاء المحققين : أنه بنور الاسلام الواقعي يتحقق الفناء في الافعال , وبنور الايمان يتحقق الفناء في الصفات , وبنور الإحسان يحصل التمكين في الفناء في الذات .يحمل ذلك
وهناك تقسيم آخر لنوره جل شأنه وهو : نور الأعظم , ونور العظيم , ونور العظمه , كما ورد في الدعوات المأثوره , ويحمل ذلك على مراتب تجلياته أو يحمل على ادراكاتنا لتلك الانوار , والله العالم .
وقد تقتبس النفوس المستعده أنوارها من الصحف المطهره النازله من السماء على قلوب الرسل والانبياء " عليهم السلام " فتهتدي الى الكمال اللائق وتصل الى المقام الراقي .
والنور يشرق من وجود الرسل والانبياء " عليهم السلام " على القلوب القابله أو اللائقه للسير والسلوك لعرفان الحق والتوجه للخالق,
وكذا من الائمه " عليهم السلام " والاولياء بل العلماء العاملين بعلهم , المتقين الذين وصفهم علي " عليه السلام " في خطبة همام .
وقد يشرق النور من جميع الممكنات التي وجدت بالاراده التكوينيه الداله علىخالقها وبارئها , وجاعلها على النفوس االقابله للوصول الى معرفة موجدها ومدبرها وخالقها وبارئها وجاعلها على النفوس القابله للوصول الى معرفة موجدها ومدبرها .
وهذه الانوار كلها قابله للشده والضعف ولها مراتب وفي كل مرتبه درجات , وفي كل درجه منازل وفي كل منزله مراحل .
اعلم : أن الانوار الإلهيه  تؤثر في القلوب وتوجب سعادة النفس ورقيها وتخلف حقائق هي السبل للفوز بالكمالات , فبالنور يميز الانسان الحسن من القبيح , وبعد ذلك البصيره تذعن أو على الحسن بحسنه وعلى القبيح بقبحه , ثم القلب يقبل على ما ثبت حسنه ويدبر عما ثبت قبحه , فتحصل السعاده بعرفان الحق , فهذه الحقائق تستند الى النور وهو سببها , ولذا شهر عندهم " الأنوار مطايا الى العلام " لأنها تشرق على النفوس المستعده فتوصلها الى وادي المعرفه وتربطها بخالقها , ولا فرق في تلك الأنوار الفائضه منه " جل شأنه " أن تشرق من الرسل والكتب أو الأكوان , كل لها أثرها الخاص في النفس إن لم تكن على القلوب أكنه .
اللاصل في النور الخير , والفرح , والسرور , والطاعه لله جلت عظمته , فالخير للنور من قبيل لوازمه الماهيه في الاشياء , لايمكن التفكيك بينهما أصلاً مثل الزوجيه للاربعه .
والظلمه تتعقبها الصفات السيئه , المضاده للنور وصفاته , والحجاب , والشر , والجهل , والقسوه , والضيق , والشده , والبعد عن الله.
مما تقدم أن النور الحقيقي الذي لا يمكن تحديده منحصر به تعالى , وأن ما سواه على منازل ودرجات بحسب الاشراق منه جل شأنه , فأول نور أنزله تعالى عن ذاته الأقدس , وأظهر بنور قدرته من العدم كان نور نبينا الأعظم " صل الله عليه واله " ففي الحديث : " أول ما خلق الله نوري " وعنه " صل الله عليه واله " : " كنت نوراً  بين يدي ربي قبل خلق آدم " عليه السلام " بأربعة عشر ألف عام  , وكان يسبح ذلك النور وتسبح الملائكه بتسبيحه , فلما حلق الله آدم أودع ذلك النورفي صلبه " وفي الحديث عن ابن عباس عنه " صل الله عليه واله " لما خلق الله آدم " عليه السلام " أهبطني في صلبه الى الارض , وجعلني في صلب نوح في السفينه , وقذفني في صلب ابراهيم , ثم لم يزل تعالى ينقلني من الاصلاب الكريمه والارحام الطاهره حتى أخرجني بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قط .
وأما أنوار الأئمه المعصومين " عليهم السلام " فقد أشرقت من نوره عز وجل وكانت في العرش كما في بعض الروايات , ثم هبطت الى عالم الشهاده
وبعد ذلك ظهرت الموجودات بوجود نوره  جلت عظمته علىالترتيب الآتي : المجردات ,  ثم العلويات  , ثم السفليات , وكما كانت أقرب الى  العلويات والمجردات كانت أشرف منزله .
وهكذا بالنسبه الى المؤمنين بحسب درجات إيمانهم , وهذا معنى قوله " صل الله عليه واله " : " أنا من الله والمؤمنون مني " .
والحمد لله رب العالمين .
           




***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم