العرفان ىالعملي / منازل التوبه - 2

 بسم الله الرحمن الرحيم 

اللهم صل على محمد وال محمد



منازل التوبه / منازل التوبه  / 2


المنزل الثالث : الاعتراف بالتقصير

يا عزيزي  !!

قلنا لابد من التخلي عن ( الأنا ) والتوجه نحو الله ، والأنا لا يمكن الانعتاق منها بسهوله ، ولكن بالامكان تحجيمها أولاً .

فكلما التفت الى عظمة الله أكثر ازددت استصغاراً لشأنك إزداءه ، وكلما تعاضمت نفسك عندك ابتعدت أكثر من الله ، تذكر كم من معصيه أتيتها في حضرة الله وعلى مرأى منه ثم فكر في نفسك ، ومن أنا ليتسنى لي أن أقدر على عبادته بما يليق به وقد قال تعالى : ( إتقوا الله حق تقاته ) . ولما كان لا يليق به إلا مثل هذه التقفوى فأنى لي ولك أن نكون هكذا ؟! .

العباده لا نأت آدابها تماماً ، فكيف لنا أن نبرر ما أجبرينا من معصيه ؟!.

ها هو الامام الكاظم " عليه السلام " ينصح أحد أبنائه قائلاً : (( يا بني عليك بالجد  ، لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عز وجل وطاعته ، فإن الله لا يعبد حق عبادته  )) .

وروى جابر الأنصاري أن الامام محمد الباقر " عليه السلام " دعا له قائلاً : (( يا جابر لا أخرجك الله من النقص ولا من التقصير )) أي أن الامام " عليه السلام " أراد لجابر أن لا يرى نفسه قط ، فعمل حساب للذات في حضرة الحق تعالى ، شرك .

ويقول الامام " عليه السلام " : (( إن رجلاً من بني اسرائيل عبد الله اربعين سنه ثم قرّب قربناً فلم يقبل منه ، فقال لنفسه : ما أوتيت إلا منك وما الذنب إلا لك .

قال : فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : ذمّك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنه )) .

وقد قال تعالى : ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) .

ويروي الفضل بن يونسعن الامام علي " عليه السلام " : ((  أكثر من أن تقول : اللهم لا تجعلني من المعارين ولا تخرجني من التقصير. قال : قلت : أما المعارين فقد عرفت ان الرجل يعار الدين ثم يخرج منه ، فما معنى : لا تخرجني من التقصير ؟؟ 

فقال : كل عمل تريد به الله عز وجل فكن فيه مقصراً عند نفسك ، فان الناس كلهم في أعمالهم فيما بينهم وبين الله مقصرون إلا من عصمه الله عز وجل )) .شب

فهذا الحاضر هو الزمان الحالي ولكن .. انظر الى ماضيك فماذا أدخرت مما انقضى من عمرك ؟ كم جهل طفولي وغرور شبابي ووهن كهولي ؟ ثلث عمرك استهلكه النوم وثلثاه الغفله ، الآن وأنت تفكر باستغلال ما فضل منه كيف يكون ذلك ؟

استمع الى الامام علي بن الحسين السجاد " عليه السلام " يناجي ربه : 

((  يا الهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني ، وانتحبت حتى ينقطع صوتي ، وقمت لك حتى تتنشّرقدماي ، وركعت لك حتى ينخلع صلبي ، وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي ، وأكلت تراب الارض طول عمري ، وشربت ماء الرماد آخر دهري ، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكل لساني ثم لم أرفع طرفي الى آفاق السماء استحياء منك ، ما استوجبت بذلك محو سيئاتي ، وإن كنت تغفر لي حين استوجب مغفرتك وتعفو عني حين استحق عفوك ، فإن ذلك غير واجب لي باستحقاق ولا أنا أهل له باستيجاب )) .

كما روى عن الامام جعفر الصادق " عليه السلام " قوله : (( لو لم يكن للحساب محوله إلا حياء العرض على الله تعالى وفضيحة هتك الستر على المخفيات لحق للمرءأن لا يهبط من رؤوس الجبال ولا يأوى الى عمران ولا ياكل ولا يشرب ولا ينام إلا عن اضطرار متصل التلف ، ومثل ذلك يفعل من يرى القيامه بأهوالها وشدائدها قائمه في كل نفس ويعاين بالقلب  بالوقوف بين يدي الجبار حينئذ يأخذ نفسه بالمحاسبه كأنه الى عرصاتها مدعوا وفي غمراتها مسؤول )) .

وعن الامام الباقر " عليه السلام " : (( والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به ))  .

ومما جاء عن الامام الصادق " عليه السلام " : (( إن الرجل ليذنب الذنب فيدخل به الجنه )) .

قال الراوي : قلت : يدخله الله به  الجنه ؟

قال : ((  نعم  إنه ليذنب فلا يزال منه خائفاً ماقتاً  لنفسه ، فيرحمه الله فيدخله الجنه )) .

وعنه " عليه السلام " : (( إن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير )) .

المنزل الرابع : الندم : 

في علمي انك قد سبق لك أن جلست الى تجار الاسواق وأصحاب المحلات في ايام تحول أوضاع  هذه الاسواق فوجدتهم نادمين لا سيما إن كان التغيير فاحساً .

فالتغيير إن تمثل بارتفاع الاسعار ، فإنهم يشعرون بالاسف على أنهم لم يقتنوا ، ومن اقتنى منهم على أنه لم يقتن أكثر مما في حوزته منها ، وأوضاع سوق التائب هي الاخرى شهدتت نفسي تحولاً ، فقد تغير نمط معرفته وذاق طعم الأنس فيقول : لم حرمت حتى الآن من نعمة هذه اللذه ، ولمّا كان قد عرف فظاعة الإثم ودنسه يتلوع بنار الاسف أن لماذا لوثت نفسي بهذه الاردان .

فالمتسمم بطعام لذيذ قدم له وهو يجهل حقيقته ، إلتذ بادئاً بالاكل ولكنه الآن وقد دب أثر السم في بدنه وظهرت مؤشرات تسممه ينفر من كل لقمه تناولها منه ، ينبغي لك أن تشعر بمثل هذا الاحساس وأنت تذكر خطاياك ، الجميع يستدخلون هذا الشعور بعد الوفة ولكن لا طائل لمثل هذا النفور آنذاك أما التائب عنهاها هنا فإنه لذو حظ عظيم .

(( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين )) .

ايها العزيز لحسرتك اليوم رد فعل وأثر ، وتأتيك منها منافع ومنافع خاصه إن نشطت تتداركها ولكن ، اعلم أن هنالك يوم حسره فات أوان نفعها وانصرم فلا حيله لك عندها .

يقول تعالى :

(( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر )) .

فرصة العمر تكون قد انقضت والدنيا أدبرت والأهل والمعارف نأوا ، موعد الجزاء اقترب وسجل الاعمال عرض ، كل ورقه فيه تزيد الحسرات حسرات والنكبه معاناة وتخرق الصدر بآهات بعد آهات ، 

(( كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار )) .

الآن تحر نفسك فإن كنت نادماً آسفاً على ما أسأت من فعالك حط رحالك في هذا المنزل وإلا فلا حديث لنا معك ، فأنت ممن وصفهم الله تعالى في الآيه :

(( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً )) .

فمثل هذا الشخص يعاني من جهل مركب ، فاحمد الله واشكره إنك انتشلت نفسك من هذا الجهل وفكر مع نفسك ليلياً إنك تقف في حضرة الباري تعالى وهو يسألك : ماذا حملت معك زاداً أدخرته في فترة مهلتك خلالها ،  وعمرك فيما أفنيته وقواك علام استهلكتها ؟

حرقة الحسره ولوعة الندم عن اقتراف الذنب تعطيك نوراً مثلما يعطيك المصباح نوراً من احتراق زيته ، تلوع بهذه الحرقه على مر أيامك ، اصطل بهذه الحمى في لياليك ولسانك يردد باستمرار أن أسأت فيما فعلت ، تحدث الى ربك خجلاً أن أيها  الرب الودود : 

(( أن كنت بئس العبد فأنت نعم الرب ، إن كان قبح الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك )) .

وأن :

(( إلهي إن كان اندم على الذنب توبه فإني وعزتك من النادمين )) . 

والحمد  لله رب العالمين 


***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم