جهاد النفس /المحاضره الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم 
اللهم صل على محمد وال محمد 

جهاد النفس 

عن ابي عبد الله الامام جعفر الصادق - علي السلام - ان النبي محمد - صل الله عليه واله - بعث سريه فلما رجعوا قال :{ مرحبآ بقوم قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر , فقيل يا رسول الله وما الجهاد الاكبر ؟ قال : جهاد النفس }


اليس من العجيب ان يكون مجاهدة النفس درجة اعظم واكبر من الجهاد في سبيل الله .
واذا كانت تلك المجاهده هي الجهاد الاكبر كما اخبر رسول الله - صل الله عليه واله - لماذا نهملها ولم نعتني بها وتركنا انفسنا على اهوائها ورغباتها , ولماذا ركز على النفس ومجاهدتها . ما هي تلك النفس وما تاثيرها علينا وعلى احوالنا ومصيرنا في الدنيا والاخره  تعال اخي لنتامل قليلآ حقيقة النفس  ونعرف خفاياها وامراضها عسى ان نوفق ولو قليلآ لمجاهدتها واصلاحها لنفوز في الدارين .
اعلم اخي  ان الانسان كائن عجيب , له نشأتان وعالمان :
نشأه ظاهريه ملكيه دنيويه هي بدنه . ونشأ باطنيه غيبيه ملكوتيه من عالم الآخره .
ان لنفس الانسان التي هي من عالم الغيب والملكوت  مقامات ودرجات قسموها بصوره عامه الى سبعة اقسام حينآ , والى أربعه اقسام حينآ ثانيآ , والى ثلاث اقسام حينآ ثالثآ والى قسمين حينآ رابعآ .
لكل من هذه  والمقامات والدرجات  جنود رحمانيه وعقلانيه تجذب النفس نحو الملكوت الاعلى وتدعوها الى السعاده .
وجنود شيطانيه وجهلانيه تجذب النفس نحو الملكوت السفلي وتدعوها للشقاء .
وهناك جدال دائمآ ونزاع بين هذين المعسكرين والانسان هو ساحة حربهما . فاذا تغلبت جنود جنود الرحمن كان الانسان من اهل السعاده والرحمه وانخرط في سلك الملائكه وحشر في زمرة الانبياء والاولياء والصالحين . واما اذا تغلبت جند الشيطان ومعسكر الجهل كان الانسان من اهل الشقاء والغضب ( مغضوب عليهم ) وحشر في زمرة الشياطين والكفار والمحرومين .

انقسام حالات الانسان وحالاته :

اعلم ان الانسان منقسم الى سر وعلن وروح وبدن ولكل منهما منافيات وملائمات , وآلام ولذات , ومهلكات ومنجيات .
منافيات البدن وآلامه هي الامراض الجسمانيه , وملائماتها هي الصحه واللذات الجسمانيه , والمتكفل لبيان تفاصيل هذه الامراض ومعالجتها هو علم الطب .
اما منافيات الروح وآلامها هي رذائل الاخلاق التي تهلكه وتشقيه , وصحته رجوعه الى فضائلها التي تسعده وتنجيه وتوصله الى مجاورة اهل  الله ومقربيه , والمتكفل لبيان هذه الرذائل ومعالجتها هو علم الاخلاق .
ربي انزلني منزلآ مباركآ وانت خير المنزلين }

كلنا يرى نفسه وجميع ما حوله من الموجودات في تغيير دائم وسير حثيث , ولكن الى اين تسيرهذه القوافل ؟
للجواب عن هذا السؤال تاريخآ يمتد بامتداد الفكر البشري , اذ انه من أوائل الاسئله التي واجهها الانسان حينما وجد نفسه موجودآ متفكرآ على تيارات الحياة , وقد حث الانبياء والعلماء وسائر المفكرين على التأمل في المسير والمصير .
{ رحم الله أمرآ علم من اين ؟ وفي اين ؟ والى اين ؟ }
ولسنا في صدد البحث والنقاش في ذلك , وانما موقفنا بعد الايمان بقوله سبحانه { يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحآ فملاقيه }
الاصل الذي صار الحجر الاساس في بناء التفكير العرفاني , وميز جهة عمل وقول كل معتقد به عن غيره .
فبعد ان عرف الانسان ان مصيره الى الله تعالى ذي الجلال والجمال المطلق , كان عليه ان يطهر نفس عن جميع الاخباث والاوساخ حتى يتمكن من الوصول الى الحضره الطاهره الجميله { ونفس وما سواها * فالهما فجورها وتقواها * قد افلح من زكاها * وقد خاب من دساها }
والكتاب العزيز والسنه الشريفه قد تكفلآ في مختلف وجهاتهما ببيان عوامل تهذيب النفس واساليبه المختلفه , وحذر عن اهمال الانسان نفسه , المؤدي الى اضاعته وخسرانها .
وهذا قطب يدور عليه التفكير الاخلاقي الاسلامي والمجتمع الديني ولذلك اهتم به علماء هذا الفن , واكثروا فيه الخطابه والتاليف والتصنيف منذ ظهور الاسلام الى يومنا هذا .
منهم من جعل مدار بحثه الاعمال والملكات وبيان ما هو حسن منها او قبيح , او محمود او مذموم , وذلك  مفاد كثير من بيانات الكتاب والسنه وشأن كثير من كتب الاخلاق القديمه والحديثه .
ومنهم جعل مدار بحثه خاصآ بالطريق المسلوك , فاخذ يبحث عن ابتدائه ومنازله ونهاياته وما يعين الانسان فيه او يعيق سيره .
ولكي نهذب انفسنا يجب علينا معرفتها وكيف نهذب ما لا نعرفه . ومن نحن وماهي تلك القوى التي يقال عنها النفس وما حقيقة الانسان .
اعلم انك تتكون من بدن مادي فان , ونفس وروح مجرده باقيه , ولا ريب في تجرد النفس وبقائها بعد مفارقتها البدن .
ان البدن لا يقبل صورآ واشكال كثيره لانه محكوم بالابعاد الثلاثه للجسم بان يصير طويلآ عريضآ عميقآ وحصول الالوان والطعوم والروائح له , والنفس تقبل الصور المتعدده المختلفه من المحسوسات والمعقولات من دون ان تزول الاولى بورود الاخرى , بل كلما قبلت صور ازدادت قوتها على قبول الاخرى وتزيد قوتها على ادراك الاشياء بالرياضيات الفكريه وكثرة النظر فثبت عدم كونها جسمآ . وايضآ حصول بعضها للجسم يمنع  من حصول مقابله له - يعني اذا كان طويلآ لا يمكن ان يكون قصيرآ في نفس الوقت او سمينآ وضعيفآ في الوقت وهكذا - ولا يمنع ذلك في النفس  - ليس الطول او السمن - بل احوالها وملكاتها . في آن واحد على السواء .
ان النفس تلتذ بما لا يلائم  الجسم من الامور الالهيه والمعارف الحقيقيه , ولا تميل الى اللذات الجسميه والخياليه والوهميه . بل تحن ابدآ الى الابتهجات العقليه الصرفه التي ليس في الجسم وقواه فيها نصيب وهذا اوضح دليل على انها غيره .
لا ريب في ان ما يحصل لبعض النفوس الصافيه عن شوائب الطبيعه من البهجه والسرور بادراك العلوم الحقه والذوات المجرده النوريه القدسيه , بالمناجاة والعبادات والمواظبه على الاذكار في الخلوات مع صفاء النيات لا مدخليه للجسم فيها وقواه , اذ النفس قد تغفل عن الجسد وربما استغرقت بحيث لا تشعر بالبدن ولا تدري ان لها بدنآ فكانها منخلعه عنه , فهذا يدل على انها من عالم آخر غير الجسم , اذ الجسم منحصر بالملذات الحسيه التي يدركها عن طريق الحواس الظاهره .
ان القوى الجسميه لا تكتسب العلوم الا من طريق الحواس الظاهره اذ ما لم تدركه حواسه الظاهريه لم تتمكن حواسه من ادراكه , والنفس قد تدرك ما لا طريق لشيء من الحواس الى ادراكه كالامور المجرده ولا مدخليه للحواس الظاهريه للجسم في ادراكات النفس
اضافه الى اننا نشاهد ان البدن وقواه يضعفان في افعالهما وآثارهما والنفس تقوى في ادراكاتها وصفاتها كما في سن الكهوله فلو كانت جسمآ او جسمانيه لكانت تابعه لهما في الضعف والقوه . 
والحمد لله رب العالمين 

***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم