آفة الرياء وعلاجها / المحاضره الثانيه عشر

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد



آفة الرياء وعلاجها

قال الله تعال :

{ ففروا الى الله }

الفرار : هو الهرب مما لم يكن الى ما لم يزل . لان هذا الفرار  بالحقيقه من الغير الى الحق تعالى . والغير في شهوده لا شيء محض وذلك هو المسمى بالخلق . وهو على ثلاث درجات :
فرار العامه من الجهل الى العلم عقدآ وسعيآ , ومن الكسل الى التشمير حذرآ وعزمآ , ومن الضيق الى السعه ثقه ورجاء .
بمعنى : فرار العامه من الجهاله وطريق الجهال الى متابعة العلماء الراسخين في الشريعه وهم الذين رسخت آثار علومهم في جوارحهم فلا يختلف عملهم عن علمهم . وذلك لرسوخ هيئة العلم فيهم لقوة يقينهم فيتبعه عقدآ اي اعتقاد اي يعتقد عقيدتهم باستفادة العلم منهم ويسعى سعيهم في عملهم .
ومن الكسل اللازم لطبيعة النفس الى التأهب للسعي في العمل حذرآ شديدآ من الكسل  بجد بليغ لا يعتريه فتور . وعزم جزم مصمم لا يقبل نقضآ ولا وهنآ .
والتشمير كنايه عن الجد والمبالغه في النهضه والقيام بالامر يقال - شمر عن ساقه  وشمر عن ثوبه - اذ تاهب وانتهض له مجدآ , ومن الضيق اي ضيق الصدر - بهم الرزق له ولعياله والتحمل في السعي والطلب - الى سعة الصدر لقوة اليقين والثقه بالله في التكفل برزقه لقوله عليه السلام { من طلب العلم تكفل الله برزقه } والسعه هنا هي الثقه وحسن الظن فان السعه تقتضي انبساط النفس بحصول المقصود كما ان اتساع المكان يبسط النفس وقد يعبر بالسعه عن كثرة الرزق قال تعالى : { لينفق ذو سعه من سعته } .
وصدق الرجاء وقوته وحسن الظن بالله في ايصال الرزق اليه من حيث لا يحتسب لقوله تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجآ * ويرزقه من حيث لا يحتسب } ابى الله ان يرزق المؤمن الا من حيث لا يحتسب . ان كنت من اهل هذه الدرجه فعليك الحضور بقلبك مع الله تعالى , ثم بالمناجات والتملق يعطك الانس , واذكره باسمه  ( الحي القيوم ) يحي قلبك بالمحبه فاذا حصلت لك محبه ففيها دواء دائك .
جاء في الحديث الرباني : { كنت كنزآ مخفيآ فاحببت ان اعرف , فخلقت الخلق وتحببت اليهم بالنعم حتى عرفوني } حديث معروف ورد في كتب العرفاء كثيرآ ولم يوجد في الجوامع الروائيه .
وفسر ابن عباس - رضي الله عنه - { الا ليعبدون } في قوله تعالى { وما خلقت الجن والانس الا لعبدون } بقوله  : { الا ليعرفون }
وهو افضل المفسرين وترجمان القرآن وروى الصدوق في عل الشرائع عن الامام الصادق - عليه السلام - قال : ( خرج الحسين بن علي - عليهما السلام - على اصحابه فقال : ايها الناس ان الله جل ذكر ما خلق العباد الا ليعرفوه فاذا عرفوه عبدوه فاذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه ) .
اعلم يا اخي :  لكي تكون عبادتنا خالصه لله تعالى  , ونكون من الذين تشملهم الآيه الكريمه , ونكون من الفارين اليه ومن العابدين والعارفين بالله تعالى علينا ان نكون من الحذرين من مكائد الشيطان الذي يدخل علينا عن طريق العباده , وان الشيطان يدخل الينا من هذا الطريق , فانه اكثر حريه في التلاعب بنا في هذا المقام ومن خلال العبادات . اضافه الى  مكائد النفس في هذه الاعمال .
وبتعبير آخر : بما ان عامة الناس يفوزون بالجنه بالاعمال الجسمانيه وانهم يحصلون على الدرجات الاخرويه بممارسة الاعمال الحسنه وترك الاعمال السيئه , فان الشيطان يدخل عليهم من هذا الطريق ويسقي جذور الرياء والتملق في اعمالهم فتفرع وتورق ويبدل حسانتهم سيئات ,ويدخلهم جهنم ودركاتها عن طريق المناسك والعبادات . ويحول الامور التي يريدون ان يعمروا بها آخرتهم الى ادوات لتخريبها فيجعل الملائكه ان تامر من الله بان تذهب بتلك الاعمال بدل من ان ترفعها الى عليين ترميها في  سجين . فعلى الذين يملكون هذا الجانب فقط ولا زاد لهم سوى زاد تلك الاعمال ان يكونوا حذرين كل الحذر لئلا يفقدوا - لا سمح الله - الزاد والراحله كليهما . ويصبحوا من اهل جهنم ولا يبقى لهم طريق نحو السعاده وتغلق في وجوههم ابواب الجنه , وتفتح لهم ابواب النار . كثيرآ ما يتفق ان يكون الشخص المرائي نفسه غافلآ ايضآ عن كون الرياء قد تسرب الى اعماله . وان اعماله صارت رياء وهباء اذ ان مكائد الشيطان والنفس من الدقه والخفاء وصراط الانسانيه من الرهافه والظلمه لدرجة لا ينتبه الانسان الى ما هو فيه ان لم يكن حذرآ جدآ . انه يحسب ان اعماله لله ولكنها تكون للشيطان ولما كان الانسان مجبولآ على حب النفس . فان حجاب النفس يستر عنه معايب نفسه . اللهم طهر قلوبنا من كدر الشرك والنفاق وصف مرآة قلوبنا من صدأ حب الدنيا وهي منشأ جميع هذه الامور . اللهم رافقنا وخذ بايدينا نحن المساكين المبتلين بهوى النفس وحب الجاه والشرف  في هذا السفر المملوء بالخطر وفي هذا الطريق المليء بالمنعطفات والصعاب والظلمات انك على كل شيء قدير .
اعلم  ان سائر اعمالنا تحت تصرف الشيطان الملعون الذي ينزل في كل قلب كدر ملوث ويحرق اعماله الظاهره والباطنه ويجعلنا من اهل النار عن طريق الاعمال الحسنه .
اذآ ايها العزيز : كن دقيقآ في اعمالك وحاسب نفسك في كل عمل , واستنطقها عن الدافع في الاعمال الخيره  والامور الشريفه , فما الذي يدفعها الى السؤال عن مسائل صلاة الليل مثلآ او الاذكار ؟
هل تريد ان تتفهم احكام صلاة الليل وتعلمها قربة الى الله تعالى , او تريد ان توحي الى الناس بانها من اهل صلاة الليل ؟
لماذا تريد ان تخبر الناس باي أسلوب كان عن الزياره للمشاهد المشرفه وحتى عن عدد الزيارات ؟
لماذا لا ترضى ان لا يطلع احد  على الصدقات التي تعطيها في الخفاء وتحاول ان تتحدث عنها ليطلع عليها الناس ؟
اذا كان ذلك لله وتريد ان يتأسى به الناس باعتبار ان ( الدال على الخير كفاعله ) فان اظهاره حسن وأشكر الله على هذا الضمير النقي الطاهر .  ولكن ليكن الانسان حذرآ في المناظره والجدال مع النفس وان لا ينخدع بمكرها , واظهارها له العمل المرائي بصوره عمل مقدس . فان لم يكن لله فتركه اولى . فان هذا من طلب السمعه وهو شجرة الرياء الملعونه . ولن يقبل الله المنان عمله . بل يأمر بالقائه في سجين . ويجب علينا ان نستعيذ بالله تعالى من شر مكائد النفس , فان مكائدها خفيه جدآ .
نحن نعلم اجمالآ ان اعمالنا ليست خالصه لله , والا اذا كنا عبادآ لله مخلصين فلماذا تكون للشيطان علينا هذه السيطره وبهذا القدر ؟
مع انه اعطى لربه عهدآ ان ليس له سلطان على عباده المخلصين , وانه لا يمد يده الى ساحتهم المقدسه , وعلى حد قول احد مشايخنا الكبار : ( فان الشيطان كلب اعتاب الحضره الالهيه , فلا ينبح في وجه من كانت له معرفه بالله ولن يؤذيه وكلب الدار لا يطارد معارف صاحب الدار , ولكن الشيطان لا يسمح بالدخول لمن ليست له معرفه بصاحب الدار ),
آذا اذا رايت ان للشيطان  شأنآ معك  وسيطر عليك فاعلم ان اعمالك غير خالصه وانها ليست لله تعالى .
واذا كنت مخلصآ فلماذا لا تجري ينابيع الحكمه من قلبك على لسانك مع انك تعمل اربعين سنه  قربه الى الله تعالى حسب تصورك ؟  . في حين انه ورد في الحديث الشريف عن الامام الرضا  عن آبائه - عليهم السلام - قال : { قال رسول الله - صل الله عليه واله - : ما خلص عبد لله عز وجل اربعين صباحآ الا جرت ينابيع الحكمه من قلبه على لسانه} أذآ  فاعلم ان اعمالنا غير خالصه لله ولكننا لا ندري وهاهنا الداء الذي لا دواء له !
ويل لاهل الطاعه والعباده والعلم والديانه الذين يفتحون ابصارهم ويقيم سلطان الاخره قدرته , يرون انفسهم من اهل كبائر المعاصي بل واسوأ من اهل الكفر والشرك , بحيث ان صحيفة اعمالهم تكون اشد سوادآ من صحائف الكفار والمشركين .
الويل لمن يدخل بصلاته وطاعته جهنم , الويل لمن تكون صورة صدقته وزكاته وصلاته أبشع مما يمكن تصوره  .
ايها المسكين المرائي انت مشرك وأما العاصي فموحد . ان الله يرحم بفضله العاصي ان شاء لكنه يقول انه لن يرحم المشرك اذا رحل من الدنيا بدون توبه .
فيا ايها العزيز : فكر لتجد سبيلآ لنجاتك واعلم ان الشهره بين هؤلاء الناس - وهم باطل -.
ادخل في قلبك بأيه وسيله كانت التوحيد العملي وهو اول درجات التوحيد , واجعل قلبك مؤمنآ ومسلمآ واختم على قلبك بهذه الكلمه بالختم الشريف { لا اله الا الله } واجعل صورة  القلب صورة كلمة التوحيد واوصله الى درجة { الاطمئنان } وافهمه ان الناس لا يملكون لانفسهم نفعآ ولا ضرآ , فالله وحده هو النافع والضار , ازل هذا العمى عن عينك واعلم ان ارادة الله تعالى قاهره لجميع الاردات .
واذا أطمأن قلبك بهذه الكلمه المباركه و سلم لهذه العقيده فالامل ان تنجز عملك وتستاصل جذور الشرك والرياء والكفر والنفاق من قلبك .
والحمد لله رب العالمين 

***********************


***********************

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم