بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
* الرياضه *
قال تعالى :
{والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجله }
الاستشهاد بهذه الايه دليل على ان الرياضه يراد بها الصدق .لان وجل القلوب مع بذل الوسع في الطاعه يكون من خوف ان لا يقبل عمله , لكونه غير مطابق للامر , والصدق مطابقة الخبر او العمل . فالخوف انما يكون للشك في مطابقة العمل للامر , فلو صدقوا فيه يقينآ لما خافوا.
اصل الصدق هو اليقين فبالصدق يرتفع الشك , فينبغي ان يرتاض المبتدي حتى يحصل له حسن الظن بالله , ويصدق قوله تعالى { وهو الذي يقبل التوبه عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله } ويجتهد فيه حتى يبلغ اليقين والطمأنينه بالعلم الصحيح والنقل الصريح . انه لا يضيع عمل عامل من اهل الايمان . قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } .
* الرياضه تمرين النفس على قبول الصدق *
اي تعويدها , والجهاد في الله هو حال المتوسط الذي يتيقن ان جهاده في الله - في حقه وفي طريقه - فجهاده ميراث الصدق . والمبتدي انما يجاهد الى الله , فهو شاك في وجهته خائف يسدد عمله ويزكي نفسه حتى يزول شكه ويتيقن ان عمله مقبول فحينئذ يكون صادق , ومعنى ( التمرين على قبول الصدق ) ان يعود نفسه الصدق ان يعود نفسه الصدق بالتكلف في القول والعمل والنيه , بان يجعله خالصآ لوجه الله بريئآ عن الرياء والنفاق فيصفوا قلبه ويقبل صدق الخبر وهو ايمان بما اخبر به الرسل وغيرهم من الصادقين.
واذا صار ايمانآ يقينآ صدق في الاعتقاد والنيه والعمل وفي جميع صفات النفس من اخلاقها وملكاتها وافعالها طبعآ وطوعآ بلا تكلفه ورويه , فيكون قلبه حاضرآ مع الله في الرياضه , فيرتقي من رياضة العامه الى رياضة الخاصه .
رياضة العامه : وهي ثلاث درجات :
تهذيب الاخلاق بالعلم , وتصفية الاعمال بالاخلاص , وتوفير الحقوق في المعامله .
يعني ان يهذب اخلاقه بمطابقتها لعلم الشرع بحيث لا يتحرك حركه ولا ينبس بكلمه ولا ينبذ له عرق ولا ينبعث فيه داعيه ولا يهجس له خطره الا كانت مطابقه للشريعه .
وان يصفي اعماله عن الرياء والنفاق والعجب وطلب الرياسه واستحلاء نظر الخلق اليه في الطاعه , بل تكون خالصه لوجه الله .
وان يوفر حقوق الحق بالطاعه وينصفه بملازمة الذل الذي هو صفة العبد والخروج عن العز الذي هو صفة الحق .
وحقوق الخلق بحسن المعامله معهم والانصاف لهم في القول والفعل حتى يلقى الله تعالى وليس لاحد عنده مطالبه .
وعلى اي حال , اطلب من الله الرحيم في كل حين وخصوصآ في الخلوات وبتضرع وعجز وتذلل ان يهديك وينور قلبك بنور التوحيد وان ينور قلبك ببارقة غيب التوحيد في الايمان والعباده حتى تعلم ان جميع العالم الواهي وكل ما فيه يكون لا شيء , واسال الذات المقدس بكل تضرع ان يجعل اعمالك خالصه وان يهديك الى طريق الخلوص والولاء , واذا اتتك حالة السمو الروحي لا تنسى هذا العبد الضعيف العاطل الخالي من الحقيقه الذي ضيع عمره في الهوى . قال الامام الصادق - عليه السلام - : { ما ابرز عبد يده الى الله العزيز الجبار الا استحى الله عز وجل ان يردها صفرآ حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء فاذا دعا احدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه وراسه } اصول الكافي ج2 ص271 كتاب الدعاء باب ان من دعا استجيب له ,
اعلم يا اخي :
بعد التذكير بهذه المطالب التي طرحناها في تلك الدروس السابقه عن الرياء والتي كنت تعرفها ولم تكن جديده عليك , فما عليك الا ان تراقب قلبك وتنتبه له واخضع اعمالك وتعاملك وحركاتك وسكناتك للملاحظه , وفتش في خبايا قلبك وحاسبه حسابآ شديدآ مثلما يحاسب شخص من اهل الدنيا شريكه . واترك كل عمل فيه الرياء والتملق ولو كان عملآ شريفآ جدآ , واذا رايت انك لا تستطيع اداء الواجبات باخلاص في العلن , فادها في الخفاء مع انه يستحب الاتيان بها في العلن , وقليلآ ما يتفق ان يقع الرياء في اصل الواجب والاغلب ان يقع في الخصوصيات والمستحبات والاضافات , وعلى اية حال ؛ طهر قلبك من دنس الشرك بجد ومجاهده شديدتين .
روي عن امير المؤمنين - عليه السلام - في كتاب الكافي ونقل الشيخ الصدوق مثل هذا الحديث عن الامام الصادق - عليه السلام - وهو من جملة وصايا الرسول - صل الله عليه واله - لامير المؤمنين - عليه السلام - وهو هذا :
باسناده عن ابي عبد الله - عليه السلام - : قال : قال امير المؤمنين - عليه السلام - : { ثلاث علامات للمرائي : ينشط اذا رأى الناس , ويكسل اذا كان وحده , ويحب ان يحمد في جميع اموره } .
لما كانت هذه السيئه - الرياء - الخبيثه شديدة الخفاء غابت حتى عن الانسان نفسه بحيث يكون في الباطن من اهل الرياء وهو يتوهم عمله خالصآ . ولهذا ذكروا لها علامه , وبواسطة تلك العلامه يطلع الانسان على سريرته , وينهض لمعالجتها, وهذه العلامه هي ان الانسان يشاهد نفسه عزوفآ عن الطاعات عندما يكون لوحده , واذا تعبد فمع كلفه او من منطق العاده لا تكون ذات اقبال وتوجه ,
بل ياتي بالعباده مقطعه الاوصال من غير كمال وتمام , ولكن عندما يحضر في المساجد والمجامع وفي المحافل العامه يؤدي تلك العباده في الظاهر بنشاط وسرور وحضور قلب ويميل الى اطالة الركوع والسجود , ويؤدي المستحبات أداء حسنآ مع توفير كافة اجزائها وشروطها .
ان الانسان اذا كان منتبهآ بعض الشيء , ليسأل نفسه عن سبب مثل هذا التصرف ؟
ولماذا تنصب شباكها باسم التقديس ؟
لموهت على الانسان وقالت : بما ان العباده في المسجد اعظم ثوابآ او ان في صلاة الجماعه كذا من الثواب , يشتد النشاط , اما اذا صليت منفردآ وفي غير المسجد فيكون الاهتمام من اجل انه : ( يستحب أداء العمل امام الناس بصوره حسنه لكي يقتدي به الاخرون ويرغبون في الدين ) انها النفس تخدع الانسان بايه وسيله كانت , ولهذا لا يفكر في العلاج , وان المريض الذي يعتقد نفسه سالمآ لا يؤمل له الشفاء , ان هذا الشقي يرغب في باطن ذاته ولب سريرته ان يظهر عمله للناس وهو غافل عن ان ذلك بدافع الشيطان , بل نفسه تظهر له المعصيه في صورة العباده , وتظهر التكبر والغرور في شكل ترويج للدين .
ان الاتيان بالمستحبات في الخلوات مستحب , فلماذا ترغب نفسه دائمآ في ان يؤديها في العلن ؟
انه يبكي من خوف الله في المحافل العامه بحرقه وألم , ولكنه في الخلوات مهما ضغط على نفسه لا تندى عينه , فما الذي حدث لكي يذهب عنه خوف الله الا بين الناس ؟
تسمع له في ليالي القدر وفي جموع الناس الحسرات والنحيب والحرقه والبكاء , يصلي مائة ركعه ويقرأ دعاء الجوشن الكبير وعدة اجزاء من القرآن المجيد في وسط الجموع دون تلكأ او يحس بالتعب .
اذا كانت اعمال الانسان لاجل رضا الله فقط او لاستحصال رحمته او خوفآ من النار وشوقآ الى الجنه , فلماذا يرغب في ان يمدحه الناس على كل عمل عمله ؟
اعلم اخي : ان لكل من هذ الصفات النفسانيه الحسنه والسيئه درجات كثيره جدآ , بحيث ان مرتبه من الصفات يعتبر الاتصاف بها من الحسنات والتخلي عنها من السيئات وتكون من مختصات اولياء الله او العرفاء بالله ولا يشاركهم فيها غيرهم من سائر الناس , والصفه التي تعتبر نقصآ لاولياء الله والعرفاء بالله لا تعتبر نقصآ لغيرهم من الناس حسب المقام الذي يتمتعون به , بل قد يكون بمعنى من المعاني كمالآ لهم . وكذلك تكون حسنات فئه سيئات لفئه أخرى .
والرياء من جملة ما يدور كلامنا عليه , فالاخلاص من جميع مراتب الرياء هو من مختصات اولياء الله والاخرون ليس شركاء في هذه المرتبه . واتصاف الناس بدرجه من درجات الاخلاص ليس نقصآ بالنسبه اليهم بحسب المقام الذي هم فيه . ولا يضر بايمانهم واخلاصهم . فمثلآ تميل نفوس عامة الناس بحسب الغريزه والفطره الى ان تظهر خيراتها امام الناس . وان لم يقصدوا ان يظهروها , ولكن نفوسهم مفطوره على هذا الميل , وهذا ليس موجبآ لبطلان العمل او الشرك او النفاق او الكفر , حديث محمد بن يعقوب باسناده عن ابي جعفر - عليه السلام - قال : { سالته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه انسان اخر فيسره ذلك , قال : ثم لا بأس , ما من احد الا وهو يحب ان يظهر له في الناس الخير اذا لم يكن صنع ذلك لذلك } وان كان ذلك نقص بالنسبه للاولياء وشرك ونفاق لدى الولي او العارف بالله . والتنزه عن مطلق الشرك والاخلاص في جميع مراتبه هو اول مقامات الاولياء ولهم مقامات اخرى ليس حديثنا .
اخي ممكن الجمع بين هذا الحديث والحديث السابق والذي يعد احد الحديثين حب المدح علامة الرياء ويعد في الاخر السرور بظهور الخيرات امرآ لا باس به , هذا يكون حسب اختلاف مراتب الاشخاص , او الغايه من الهدف الذي اوتي اهو لطلب الرياء ام العمل كان لله خالص والمدح جاء نتيجة العمل ولم يكن هو الهدف .
والحمد لله رب العالمين
إرسال تعليق
التعليق على الموضوع :