العجب في حقيقته واقسامه / المحاضره الرابعة عشر


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على ومحمد وال ومحمد

العجب

في حقيقته  واقسامه 

قال الله تعالى :
{ ولو علم الله فيهم خيرآ لا سمعهم }                                            

اي  لاسمعهم الخير وهو ما فيه صلاحهم . وهو بحسب المنتبه ورتبته , فاذا سمع معنى تنبه على نصيبه منه - اي مقصده الذي يليق به بحسب حاله - ولذلك قيل { السماع حادٍ يحدو كل احد الى وطنه } اي مقصده الخاص به .
سماع العامه ثلاث  درجات :
إجابه , زجر الوعيد , رغبه
اي ورعاً واتقاء مما نهى عنه . وطاعه للزاجر لا خوفآ من الوعيد . ومنشأ سماع صاحب هذا الوصف هو الفراق والصدّ والهجران . ويصحبه الاعتذار . لان الفراق اذا كان مراد المحبوب يجب ان يكون محبوبآ كما قيل :
( وكل ما يفعل المحبوب , محبوبآ ) . وقيل :
( وكل لذيذ قد نلت منه --- سوى ملذوذ وجدي بالفراق ) .
واجابة دعوة الوعد جهدآ , اي سعيآ ببذل الجهد والطاقه في امتثال الامر والطاعه , أما تعبدآ وأما طلبآ للوصول الى الموعود وسماع صاحبه لاستنجاز الوعد , واستلماع برق الوصل , ويصحبه التملق لا ستنزال المطلوب واستعطاف المحبوب .
وعليه بلوغ مشاهدة المنّه استبصارآ , اي بلوغ السامع في استبصاره بنور البصيره , ان يشاهد جميع ما يجري عليه من نعمه والنقمه,
والراحه والمشقه , والنفع والضر , مننا من الله ونعمآ من فضله , أجري عليه من غير استحقاق منه .
أما النعم والراحات والمنافع والموفقات فمن محض الامتنان , وأما النقم والشدائد والمضار والمخالفات فلاختصاصه له بالامتحان .
فان الاهمال من الهوان والخذلان .
لئن سائني ذكراك لي بمسائه ----------- لقد سرنّني انّي خطرت ببالك
ويصاحبه التواضع والرضا .
سماع الخاصه ثلاث اشياء :
شهود المقصود في كل رمز , بأن يطلع على جناب الحق الذي هو غاية كل قاصد , ونهاية مقصد كل طالب , في كل صوت خفي وهمس لطيف يسمعه .
والخلاص من التلذذ بالتفرقه , اي لا يلتذ بالتفرق لالتذاذه بالجمع , حيث يسمع من الحق بالحق في الحق - اي في وصف جماله وجلاله وكماله -  وللحق الذي هو غاية الغايات , فلا يبقى للتفرق أثر يلتذ به لتلاشي الكون وفنائه بتجلي المكون , حينئذ قد خلص من ان يلتذ بالغير فيتفرق عن الجمع لامتناع وجود الغير في شهوده .
الخلاص من التلذذ بالتفرقه معناه انه ربما التذ بالسماع فيشغله التلذذ عن حسن الادب مع مسموعه الحق , فينبغي ان يتفرق من لذ السماع , او يفارق تلك الجماعه ليخلص من غلبة لذة السماع فانها من الاغيار المستبعده للاحرار .
 هل سألنا انفسنا ونحن نتشيع الى سيد الموحيد وامام المتقين علي بن ابي طالب "عليه السلام" لماذا لم نصل الى تصلك المنازل والدرجات  ؟
والتي ذكرناها في طيات مواضيع تهذيب النفس ورغم ذلك نجد الكثير من يدعي السلوك والعرفان كذبآ وبهتانآ  ، وهو يجهل بان علماء السلوك والعرفان لم  يذكروا ذلك  اعتباطآ , بل يجب ان يمر السالك بهذه المنازل متسلسله بدايتآ  من اليقظه  . وان كان بعضهم مر بها رغم عدم علمه بذلك ولكن قد يكون شيخه على اطلاع بمنزلته .
وقال أمير المؤمنين وقطب السالكين "عليه السلام" في وصف السالك الى الله تعالى : { قد أحيا قلبه وأمات نفسه ، حتّى دقّ جليله ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق ، فأبان له
الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الابواب الى السلامه ودار الاقامه ، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحه بما استعمل قلبه وأرضى ربّه } .
وقال "عليه السلام" : { إن من أحبّ عباد الله اليه عبد أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن وتجلب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعدّ القرى ليومه النازل به ، فقرّب على نفسه البعيد وهوّن الشديد ، فنظر فأبصر وذكر فاستكثر ، وارتوى من عذّب فرات سهلت له موارده فشرب نهلآ وسلك سبيلآ جددا  ، قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلى من الهموم الا همآ واحدآ انفرد به ، فخرج من مشاركة اهل الهوى وصار من مفاتيح ابواب الهدى ، قد ابصر طريقه وسلك سبيله ، وعرف مناره وقطع غماره ، واستمسك من العرى باوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس  } .
واليك اخي العزيز :  احدى  الامور التي يعتبرها علماء الاخلاق من الامراض الروحيه  والتي تكون سبب في ابتعادنا عن الله سبحانه الا وهي :
العجب : هو عباره حسب ما ذكره العلماء رضوان الله عليهم عن : ( تعظيم العمل الصالح واستكثاره والسرور والابتهاج به ، والتغنج والدلال بواستطه ، واعتبار الانسان نفسه غير مقصّر ) .
وأما السرور بالعمل مع التواضع والخضوع لله تعالى وشكره على هذا التوفيق وطلب المزيد منه فانه ليس بعجب بل هو  أمر
ممدوح . ينقل المحدث العظيم مولانا العلامه المجلسي "طاب ثراه" عن المحقق الخبير والعالم الكبير الشيخ بهاء الدين العاملي "رضوان الله عليه" انه قال : { لا ريب في ان من عمل اعمالآ صالحه من صيام الايام ، وقيام الليالي ، وامثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج ،  فان  كان من حيث كونها عطيه من الله له ، ونعمه منه تعالى عليه ، وكان مع ذلك خائفآ من نقصها شفيقآ من زوالها ، طالبآ من الله الازدياد منها لم يكن ذلك عجبآ ، وأن كان من حيث كونها صفته وقائمه به ومضافه اليه فاستعظمها وركن اليها ورى نفسه خارجآ عن حدّ التقصير ، وصار كأنه يمنّ على الله سبحانه بسببها فذلك هو العجب } .
واعلم ان للعجب درجات :
الدرجه الاولى : العجب بالايمان والمعارف الحقه ، ويقابله العجب بالكفر والشرك والعقائد الباطله .
الدرجه الثانيه : العجب بالملكات الفاضله والصفات الحميده ويقابله العجب بسيئات الاخلاق وباطل الملكات .
الدرجه الثالثه : العجب بالاعمال الصالحه والافعال الحسنه ويفابلها العجب بالاعمال القبيحه والافعال السيئه .
وهناك درجات اخرى غير هذه ولكنها ليست مهمه في هذا المقام . قد نذكرها لاحقآ .
اعلم يا اخي : ان لكل واحده من الدرجات الآنفة الذكر من العجب مراتب ، يكون بعض هذه المراتب واضحه وبينه ويمكن للانسان الاطلاع عليها باقل تنبه والتفات ، وبعضها الاخر دقيق وخفي للغايه بحيث لا يمكن للانسان ان يدركها ما لم يفتش ويدقّق بصوره صحيحه ، كما أن بعض مراتبها أشدّ واصعب وأكثر تدميرآ من بعضها الآخر .
المرتبه الاولى :
وهي أشد المراتب وأهلكها حيث تحصل في الانسان بسبب شدّة العجب حاله يمنّ معها في قلبه بإيمانه او خصاله الحميده على وليّ نعمته ومالك الملوك ، فيتخيل ان الساحه الإلهيه قد اتسعت بسبب ايمانه ، او ان دين الله قد اكتسب رونقآ بذلك او انه بترويجه للشريعه او بارشاده وهدايته او بامره بالمعروف ونهيه عن المنكر او باقامته الحدود  او بمحرابه ومنبره ، قد اضفى على دين الله بهاءً جديدآ ،
او انه بحضور جماعة المسلمين ، او باقامة مجالس التعزيه لابي عبد الله "عليه السلام" قد اضفى على الدين جلالآ ،
لذلك يمنّ على الله وعلى سيد المظلومين الرسول الاكرم "صل الله عليه واله" ، وان لم يظهر لاحد هذا المعنى الا انه يمنّ في قلبه .
ومن هنا ومن هذا الباب بالذات تنشأ المنّه على عباد الله في الامور الدينيه ،  كأن يمنّ على الضعفاء والفقراء باعطائهم الصدقات الواجبه والمستحبه ومساعدتهم ، واحيانآ تكون هذه المنّه خافيه حتى على الانسان نفسه .
سنكمل ان شاء الله في الجزء الثاني .
والحمد لله رب العالمين 

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم