العجب في حقيقته واقسامه / الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد



قال الله تعالى :
{ تولّوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناًً }
{ الحزن  } 
الحزن : توجع لفائت او تأسف على ممتنع .

حقيقة الحزن تألم الباطن بالنسبه الى ما مضى ، وذلك إما لفائت يمكن تداركه - كقضاء الصيام والصلوات - أو فائت يمتنع تداركه - كالتاسف على الميت وارادة حياته - والمراد هنا الاول .
وهو على ثلاث درجات :
الدرجه الاولى حزن العامه : وهو حزن على التفريط في الخدمه وعلى التورط في الجفاء وعلى ضياع الايام . اي على التقصير في الطاعه . والوقوع في ورطة الجفاء اي مهلكة المعصيه والبعد . وعلى ضياع الايام بالمخالفه وترك الموافقه واختيار العطله والبطاله.
 التفريط في الخدمه غير التفريط في العمل فان الابواب فوق البدايات ، فالخدمه من باب الاخلاق لا من باب الافعال ، فان التفريط في الخدمه - التورط في الجفاء - فان معنى الجفاء فوق المعصيه ،
المعصيه من مقام البدايات والجفاء من مقامات الابواب ، لان الجفاء يكون قرين أنس سابق ، واما المعصيه فهي قرين الوحشه . وكذلك ضياع الايام هنا هي ضياع الايام بخلوها عن الانس ، واما ضياع الايام في قسم البدايات انها من التفريط في العمل .
الدرجه الثانيه حزن اهل الاراده  : وهو حزن على تعلق القلب بالتفرقه ، وعلى اشتغال النفس عن الشهود وعلى التسلي عن الحزن ، واشتغال النفس عن الشهود اي عن الذكر الذي هو سبب الشهود ، فان الشهود يقهر النفس فلا تتمكن من التشاغل عنه .
اي تعلق القلب بالاكوان والخلائق بالمحبه قال الله تعالى { والذين آمنوا أشد حباً لله } وعدم جمعه بالحضور مع الحق محبه .
وعلى اشتغال النفس بالحياة الدنيا وملاهيها وعن ذلك الحضور والذكر الذي هو سببه قال الله تعالى { وأذا رأوا تجاره او لهو انفضوا اليها } فان الذكر يورث الحضور .
وعلى التسلي عن الحزن اذا فقده المريد في وقت النقص وضيع الايام بالبطاله والتفرقه ، فانه اذا لم يحزن بقي مع القصور ، فهو مقام شريف في حقه فاذا فقده حزن على فقده .
ولكي نتخلص من النقص وننتبه لانفسنا وان نحزن لفوات الايام بالبعد علينا التخلص من العجب وسنذكر المرتبه الثانيه منه .
المرتبه الثانيه :
ان صاحب هذا المقام يرى نفسه محبوباً عند الله تعالى ، ويرى نفسه في سلك المقربين والسابقين ، واذا جيء باسم وليّ من اولياء الله او جرى حديث عن المحبوبين والمحبين او السالك المجذوب ، اعتقد في قلبه انه من اولئك ، وقد يبدي التواضع رياء وهو خلاف ذلك ، او انه لكي يثبت ذلك المقام لنفسه ينفيه عن نفسه بصورة تسلتزم الاثبات .
واذا ابتلاة الله تعالى ببلاء راح يعلن ان البلاء للولاء ، ان مدعي الارشاد من العرفاء والمتصوفه واهل السلوك والرياضه اقرب الى هذا الخطر من سائر الناس .
المرتبه الثالثه :
ان يرى العبد نفسه وبواسطةالايمان او الملكات او الاعمال ، دائنا لله وانه بذلك يكون مستحقاً للثواب ، ويرى واجباً على الله ان يجعله عزيزاً في هذا العالم ، ومن اصحاب المقامات في الاخره ، ويرى نفسه مؤمناً تقياً وطاهراً ، وكلما جاء ذكر المؤمنين بالغيب قال في نفسه : ( حتى لو عاملني الله بالعدل فاني استحق الثواب والاجر ) بل يتعدى بعضهم حدود القبح والوقاحه ويصرح بهذا الكلام .
واذا ما اصابه بلاء وصادفه ما لا يرغب فانه يعترض على الله في قلبه ويتعجب من افعال الله العادل ، حيث يبتلي المؤمن الطاهر ويرزق المنافق : ويغضب في باطنه على الله تبارك وتعالى وتقديراته ، ولكنه يظهر الرضا في الظاهر ، ويصب غضبه على ولي نعمته ، ويظهر الرضا بالقضاء امام الخلق ، وعندما يسمع ان الله يبتلي المؤمنين في هذه الدنيا يسلس نفسه بذلك في قلبه ، ولا يدري بان المنافقين المبتلين كثيرون ايضاً وليس كل مبتل مؤمناً .
المرتبه  الرابعه : 
هي ان يرى الانسان نفسه متميزاً عن سائر الناس وافضل منهم بالايمان ، وعن المؤمنين بكمال الايمان وبالاوصاف الحسنه عن غير المتصفين بها ، وبالعمل بالواجب وترك المحرم عما يقابل ذلك ، كما انه يرى في عمل المستحبات والتزام الجمعه والجماعات والماسك الاخرى وترك المكروهات يرى نفسه اكمل من عامة الناس ، وان له امتياز عليهم ، فيثق بنفسه وباعماله ويرى سائر الخلق زبداً ناقصين ، وينظر الى سائر الناس بعين الاحتقار ويطعن بقلبه او بلسانه في عباد الله ويعيبهم ، ويبعد كل شخص بصوره ما عن ساحة رحمة الله ويجعل الرحمه خالصه له ولامثاله .
مثل هذا الانسان يصل الى درجه بحيث يناقش كل عمل صالح يراه من الناس ، ويخدشه بقلبه على نحو ما ،
ويرى اعماله خالصه من ذلك الاعتراض والنقاش ولا يرى الاعمال الحسنه من الناس شيئاً ولكن اذا صدرت  هذه الاعمال نفسها منه يراها عظيمه ، انه يعرف جيداً عيوب الناس وهو غافل عن عيوبه .
هذه علامات العجب ، وان كان الانسان نفسه قد يكون غافلآ عنها ، وللعجب درجات اخرى ،
والحمد لله رب العالمين  

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم