العجب في حقيقته واقسامه / الجزء الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم 
اللهم صل على محمد وال محمد 




قال الله تعالى : 
{ يخافون ربهم من فوقهم } 

الخوف : هو الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر .
الخوف معنى متعلّقه  في المستقبل لانه إنّما يخاف أن يحل به مكروه أو يفوته محبوبه ، ولا يكون هذا إلا لشيء يحصل في المستقبل ، فأما ما يكون في الحال موجوداً فالخوف لا يتعلق به .
الخوف هو الانزعاج ،  والطمأنينه هي السكون ، والانخلاع عن السكون ، والمراد بمطالعة الخبر استحضار الخبر الوارد من الله تعالى على لسان الرسول بالترهيب .
وهو ثلاث درجات :
الدرجه الاولى : الخوف من العقوبه ، وهو الخوف الذي يصحّ به الايمان ، وهو خوف العامه . أن الايمان هو التصديق ، فلو لم يصدق ما خاف .
وأما الخاصّه : فلا يخافون العقاب بل الاحتجاج  ، وهو يتولد من تصديق الوعيد وذكر الجنايه ومراقبة العاقبه ،
أي دوام حضور القلب مع الآخره .
والدرجه الثانيه : خوف المكر في جريان الانفاس المستغرقه في اليقظه المشوبه بالحلاوه .
هذا خوف أرباب المراقبه الذين استغرقت أنفاسهم في اليقظه واستحلوا الحضور مع الحق ، فإنهم يخافون المكر بالاعراض وسلب لذّة الحضور ، فتكون حلاوة الحضور لهم استدراجاً من الله تعالى ومكراً بهم ، وكلما كانت الحلاوة بالإقبال أتّم كان الخوف من الإعراض أشدّ ، كما قال عليه السلام : { أنا أتيقكم لله ، وأشدكم منه خوفاً } .
وليس في مقام أهل الخصوص وحشة الخوف إلا هيبة الإجلال ، وهي أقصى درجه يشار إليها في غاية الخوف .
يعني أن الخوف من العقوبه في مقام النفس والغيبه ، والخوف من المكر في مقام القلب والحضور ، وأما في مقام السرّ والمشاهده يصير الخوف هيبه وإجلالاً فأقصى درجات الخوف هيبة الإجلال المختصه بأهل الخصوص .
وهي هيبه تعارض المكاشف أوقات المناجات وتصون المشاهده أحيان المسامره ، وتقصم المعاين  بصدمة العزةّ .
أوقات المناجات أحيان قرب يقتضي وجود المناجي لقوله تعالى : { وقربناه نجياً } فاذا كوشف في هذا الوقت ازداد قرباً لتحققه بالكشف ، نور العظمه هيبةً تكاد تحجبه وتمنعه المكاشفه لغاية الاجلال ، فإن المكاشف عنده أعظم قدراً من أن يكاشف  من هو في غاية الحقاره .
وتصون المشاهد أي تمنعه من الانبساط ، فإن المسامره توجب الإدلال - أظهار جرءة المحبّ على محبوبه - ثقة بمحبته ولطفه - فهيبة الإجلال تجمعه على حفظ الأدب وتمنعه من الإدلال الباعث على طلب المعاينه ، كقول الكليم عليه السلام :
{ أرني أنظر أليك } .
وتقصم المعاين ، أي يكاد تقتله بصدمة  العزةّ لولا أنّها تمنعه من طلب الرؤيه جهره ، لأن العزّة تقتضي الجلال - أي الاحتجاب عن الغير أبداً - فإذا طلب المسامر المعاينه قهرته صدمة العزّة بالفناء كقوله تعالى :
 { فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخر موسى صعقاً } .

وعلينا اخوتي الاعزاء اذا اردنا ان نصبح من أهل الخوف بدرجاته التي ذكرناها ، وأن نصبح من أهل الكشف والمسامره مع الله تعالى ، علينا أن نصلح أنفسنا من جميع العوائق التي تكون حجب ثقيله تمنعنا من القرب الإلهي ،

  ومن ضمنها العجب.
وقوله تعالى : { قل هل ننبئكم بلأخسرين أعمالاً * الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً * أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامه وزناً } .

تلك المجموعه من الناس الذين هم في الواقع جهله ويحسبون أنغسهم علماء ، أولئك هم أكثر الناس مسكنه وأسوأ الخلائق حظّاً، أولئك يعجز أطباء النفوس عن علاجهم ، ولا تؤثر فيهم الدعوه والنصيحه ، بل قد تعطي أحيناً نتيجه عكسيه ، أولئك لا يعون الدليل بل يسدّون أسماعهم عن هداية الانبياء " عليهم السلام " وبرهان الحكمه ومواعظ العلماء .
وعليه فتجب الاستعاذه بالله من شر النفس ومكائدها التي تجرّ الإنسان من المعصيه الى الكفر ومنه إلى العجب به ، إن النفس والشيطان بتهوينهما بعض المعاصي يلقيان بالإنسان في المعصيه ، وبعد تأصيلها في قلبه وتحقيرها في عينه يبتلى الإنسان بمعصيه أخرى أكبر قليلاً من الأولى
، ومع التكرار تسقط الثانيه من النظر أيضاً وتبدو صغيره وهيّنه في عين الإنسان فيبتلي بما هو أعظم وهكذا يسير الإنسان نحو الهاويه خطوه فخطوه وشيئاً فشيئاً فتصغر كبائر المعاصي في عينيه الى أن تسقط جميع المعاصي في نظره ، فيستهين بالشريعه والقانون الإلهي ويؤول عمله إلى الكفر والزندقه والإعجاب بهما.
وعلى غرار ما يندرج عمل أولي العجب بالمعاصي من مرتبه إلى أخرى حتى يصل إلى الكفر والزندقه ، كذلك يتطور العُجب بالطاعات من العجب في الدرجه الناقصه إلى الدرجه الكامله ، فتصبح مكائد النفس والشيطان في القلب على أساس تخطيط ودراسه ، إن الشيطان لا يمكن أبداً أن يعهد إليكم أنتم المتّقون الخائفون من الله مهمة قتل النفس أو الزنا ، أو يقترح على الشخص الذي يتمتع بالشرف وطهارة النفس بالسرقه أو قطع الطريق ، فلا يمكن أن يقول لك منذ البدايه بأن مُنّ على الله بهذه الاعمال أو ضع نفسك في  زمرة المحبوبين والمحبين والمقربين من الحضره الإلهيه ، وإنما يبدأ الأمر بالخطوه الأولى ثم يشق طريقه في قلوبكم ، فيدفعكم نحو الحرص الشديد على التزام المستحبات والأذكار والأوارد ، وفي غضون ذلك يزيّن أمامكم بما يناسب حالكم عملاً واحداً من أهل المعصيه ، ويوحي لكم بأنكم بحكم الشرع والعقل أفضل من هذا الشخص ، وأن أعمالكم موجبه لنجاتكم ، وأنكم بحمد الله طاهرون بعيدون عن المعاصي ومبرأون منها فيتحصل من هذه الايحاءات نتيجتان :
الاولى : هي سوء الظن بعباد الله .
الثانيه : العجب بالنفس .
وقولوا للشيطان والنفس : قد تكون لهذا الشخص المبتلى بالمعصيه حسنات أو أعمال أخرى فيشمله الله تعالى بها بوافر رحمته ، ويجعل نور تلك الحسنات والأعمال مناراً يهديه  فيؤول عمله إلى حسن العاقبه ،
ولعل الله ابتلى هذا الشخص بالمعصيه لكي لا يبتلى بالعجب ، الذي يعد أسوأ من المعصيه مثلما ورد في الحديث الشريف المنقول في الكافي عن ابي عبد الله " عليه السلام " قال : { إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلى مؤمناً بذنب أبداً } .
ولعل عملي أنا يؤول إلى سوء العاقبه بسبب سوء الظن هذا ، وقال الشيخ الجليل العارف الكامل الشاه آبادي - قدس سره -:
{ لا تعيبوا على احد حتى في قلوبكم وان كان كافراً ، فلعل نور فطرته يهديه ، ويقودكم تقبيحكم ولومكم هذا الى سوء العاقبه ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر غير التعبير القلبي } بل كان يقول : { لا تلعنوا الكفار الذين لا يعلم بانهم رحلوا عن هذا العالم وهم في حال الكفر ، فلعلهم اهتدوا في  أثناء الرحيل فتصبح روحانيتهم مانعاً لرقيكم } .
وعلى أيّ حال فأن النفس والشيطان يدخلان في المرحله الأولى من العجب وقليلاً قليلاً ينقلانكم من هذه المرحله الى مراحل أخرى ، ومن هذه الدرجه الى درجه أكبر إلى أن يصلا بالإنسان في النهايه إلى المقام الذي يمنّ فيه على ولي نعمته وملك الملوك ، بإيمانه أو أعماله ويصل عمله إلى أسفل الدرجات .
والحمد لله رب العالمين

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم