الدين والعرفان الفطري

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد

الدين والعرفان الفطري

أخذ الامام السيد السبزواري على بعض الباحثين أنّه توهم فجعل الدين والشريعه ليس إلا التصوف والعرفان . وأكد أنّ المجاهده ورياضة النفس والتصوف في الدنيا ليس من العرفان المعروف الذي يسوق الانسان قطعاً الى معرفة الله . ويهديه الى الصراط المستقيم . وما يترتب عليه من الجزاء العظيم والأجر الجزيل . فربما كانت هذه المجاهده لغايه محدوده يقصدها المجاهد والمرتاض . وإن كان الاعراض عن الدنيا والإقبال على النفس ومراقبتها وتهذيبها من الرذائل وتكميلها بالفضائل مما يدعوا اليه الدين .
وأكد الامام المفسر أن الدين هو المصدر الأصلي للعرفان . والعرفان مركوز في فطرة الناس . وإنما وقع الخلاف في جهة تطبيقه . فقد حكى الله عز وجل في كتابه الكريم عن عبّاد الأصنام والأوثان : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ) .
فإن عبادة الله الواحد الأحد مركوزه في الفطره . وأن التوحيد دين الفطره . والناس وإن تشعبوا في أهوائهم وعقائدهم يميلون الى التوحيد . وأنّ الخطأ حصل في تطبيقه . والعرفان منبعه ومصدره هو هذا الأمر الفطري . فالدين والعرفان يشتركان في  الدعوه الى السعاده الانسانيه التي تتحقق بالعبوديه المحضه لله تعالى . والدين يدعوا الى العرفان الفطري ويدعو الى التوحيد .
وأما غير ذلك من العرفان الذي يمارسه أصحاب الرياضات والأرواح والسحر فهو ليس بالعرفان . لأن الفطره لا تدعو اليه . وهم يمارسونه للوصول الى أمور عجيبه يرون أنّها لا تنال إلا من هذا الطريق . والفرق بينهما  كالفرق بين الآثار المترتبه على السحر . وما يترتب على المعجزه وكرامات الأولياء والأصفياء فما يصدر منهم من هذه الأمور العجيبه ليس إلا أمور ماديه لا تخرج عن حيطة نفوسهم وإراداتهم التي تؤثر في صناعة هذه الحوادث . اشتبه عليهم أمرها فحسبوها من الأمور المعنويه المرتبطه بعالم الغيب.
وفي تفسير الامام المفسر في كتابه  ( مواهب الرحمن في تفسير القرآن ) لقوله تعالى :
( ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخره من الخاسرين ) .
أكد أنّ ذلك يشمل جميع المفتعلات التي ليست على طريقة الاسلام وهديّه تماماً . فيشمل كل ما ينسب الى الدين ولو مع الواسطه . إن لم يطابق الظواهر المقدسه الشرعيه . ولعله لهذا  ورد النهي عن التعمق في الدين . بل عدّ في بعض الروايات من جنود الجهل والنفاق . فإن التسليم والاستسلام لما أنزله الله تعالى شيء . والتعمق شيء آخر .
والآيه المباركه تنفي كل المذاهب المنسوبه الى الطوائف الصوفيه وجميع المرتاضين الذين يرتاضون على غير ظاهر الاسلام .
وبالجمله : فإنها بعمومها تنفي كل مذهب ودين غير الاسلام الذي كان عليه سيد الأنبياء " صل الله عليه واله " وما بينه القرآن الكريم.
وفي تفسير قوله تعالى :
 ( وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .
ذكر الامام المفسر أنّ مضمونها مّما يحكم به العقل الصريح والفطره المستقيمه . فأنّه الصراط المستقيم المودع في الخلقه والفطره . ولا تبديل لخلق الله وذلك الدين القيم . وأنّ الإعراض عن إتباع الصراط المستقيم يوجب التفرقه عن سبيله . ولا ريب في أن فيه الهلاك والشقاء الدائم نظير ما ورد في قوله تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )
فإن الأفراد المذكورين في الآيه الداعين الى الصراط قد بلغوا الغايه في الكمال في الدين . وهم وإن كانوا متعددين ظاهراً ولكن دينهم وعملهم ومقصدهم هو إقامة الدين الإلهي الواحد . واتفاقهم على نشره وإثباته في النفوس والمجتمع , وعدم التفرق فيه فإنّه لا خلاف بين سلاكه .
وأن الصراط المستقيم لا اختلاف فيه بين سالكيه . ولا تخلف في هدايتهم والوصول الى الهدف الأقصى  والسامي . فلا يتصور فيه التفرقه أبداً من جميع جهاته . ولعله لذلك أكد سبحانه أهميته بقوله : ( ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) .
وأن الابتعاد عنه يوقع الانسان في السبل المتعدده التي من شأنها التفرقه والخلاف والضياع والوقوع في الشقاء . لأنّه أغواءات شيطانيه وأهواء نفسيه لا تدخل تحت ضابطه ولا تجلب السعاده .
فتكون هذه الآيه الكريمه من الآيات الفريده التي تتضمن حكماً إلهياً . وهو لزوم اتباع صراط الرسول الكريم " صل الله عليه واله " . وضماناً على تلك الوصايا بأنّها دين الرسول الكريم " صل الله عليه واله " وقد نهو عن التفرقه عنه وحرمة اتباع السبل التي توجب التفرقه عن سبيل الله .

اصول علم العرفان وقواعده

استند الامام المفسر في تقرير أصول العرفان وقواعده الى قوله تعالى : ( قل أنني هداني ربي الى صراط مستقيم دياً قيماً ملة ابراهيم حنيفاً وما كان من المشركين * قل أنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي  لله رب العالمين * ......... )
وأجمل هذه الأصول والقواعد بما يلي :
الأول : اختيار الدين القيم ,  الثابت في النفس ,  الموافق للفطره , والتمسك به : عقيده , وتشريعات .
الثاني : الاهتداء بالهدايه الربانيه , هداية الصراط المستقيم , فإنه مجمع الكمالات الواقعيه والهادي الى التوحيد العلمي والعملي .
الثالث : الاغتراف من المعارف الربوبيه التي لها الاثر الكبير في تكميل النفس .
الرابع : الاستقامه في السير والسلوك  على سبيل الله , وعدم إتباع السبل المتفرقه .
الخامس : التأسي بأنبياء الله تعالى ولا سيما ابراهيم الذي وفّى , ورسول الله " صل الله عليه واله " الذي هداه الله الى الصراط المستقيم ,فإنهم الإدلاء الى الله عز وجل  وصراطه الأقوم . وإلا كان الوقوع في متاهات النفس الأماره .
السادي : الإعراض عما سوى الله تعالى . لتثبيت دعائم التوحيد في النفس . وترسيخ الايمان في القلب , اجتناباً للميل الى دين آخر أو الانتماء الى ما فيه من شرك ونفاق .
السابع : الاخلاص في العمل والخلوص في النيه , ووضع النفس بين يدي الله تعالى , ليتحقق المحيا بالحق , والممات بالنفس ,  لله رب العالمين فلا نصيب لغير الله تعالى .
الثامن : عبادة الله بما رسمته الشريعه الغراء , والتقرب اليه بالعباده , ولا سيما الصلاة التي هي قرة عين الرسول " صل الله عليه واله " .
التاسع : اجتناب الشرك كله , ولا سيما الشرك الخفي الذي يميت القلب  ويسبب ظلمات في النفس .
ويصف الامام المفسر حال السالك الذي طوى الطريق اليه سبحانه حتى وصل الى حدّ الفناء وصار مستسلماً لله عز وجل  منقاداً له .
فلا احد ولا شيء سواه يبتغيه وظهرت علائم التوحيد  على خلقه . وصارت جميع شؤونه تفاصيل صفاته المقدسه . وصارت غاية سره وسلوكه ونهاية مراده هي لله الملك العلام .
فإن كل ما يبتلى به في سيره وسلوكه إفاضات ربانيه لدفع مخاطر النفس وتوجيهها الى خالقها . فأن المحب لا يبتلى بغير المحبوب . فإن التفت الى نفسه كان شركاً في افعاله عز وجل . وكل شرك فوزره ووباله عليه وهو المؤاخذ بذنبه ولا يتجاوز عنه الى غيره .
وإذا تم له الطريق وأفاد من الافاضات والواردات وما اودع الله في عباده من الاسرار . كان خليفة الله تعالى في الارض على صورة صفاته المقدسه . وكان الله عز وجل غفوراً رحيماً به.
وأما  من لم يفد منها , وأعرض عن هدى ربه  فإنه سريع الحساب .
فكانت الخلافه الالهيه من أهم  القناطر التي يظهر الفرد نفسه متخلقاً بأخلاق الله تعالى . القائم بطاعته  والممتثل لأوامره عز وجل .
ومن أضاع على نفسه هذه القنطره ورجع القهقري الى صفات البهائم . وأبدل صفات الحق بصفات رديئه . عوقب بالختم على قلبه وسمعه وبصره , وحبس في السافلين فلا يرجع  الى الغيب . لعله لذلك كان سريع العقاب إلا من أدركته العنايه الربانيه . وتاب وعمل صالحاً وهذب نفسه . وزكاها واستعد للخلافه الإلهيه فالله غفور رحيم .
والحمد لله رب العالمين 

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم