الاختلاف في الامامه

 بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد



الاختلاف في الامامه


أن مسألة الإمامه هي من إحدى أمهات مسائل الخلاف بين العلماء ، قد تاه فيها الخائضون الى حجج شتى ،  وأكثروا فيها القيل والقال ، وبدت بين الخائضين فيها العداوهوالبغضاء ،  وجرت بين طالبيها الحروب والقتال  ، وأبيحت بسببها الأموال والدماء ،   وهي باقيه الى يومنا هذا لم تنفصل ، بل كل يوم يزداد الخائضون المختلفون فيها خلافاً على خلاف ، وتتشعب فيها ومنها آراء ومذاهب ، فنحتاج أن نذكر أولاً ما الاصل المتفق عليه بين أهلها ثم نذكر الخلاف  .

أعلم أن الأمه كلها تقول إنه لابد من إمام يكون خليفه لنبيها في أمته بعد وفاته : وذلك لأسباب شتى وخصال عده : أحدها هو يحفظ الإمام  الشريعه على الأمه ، ويحي السنه في المله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتكون الأمه تصدر عن رأيه .

ويكون له نواب في سائر بلاد المسلمين لجباية الزكاة والخراج وتفريقها على الجند والحاشيه ليحفظ بهم ثغور المسلمين ، ويقهر الأعداء ،وينصف ويعدل بين الناس فيما يتعاملون به ، وما شاكل هذه الخصال التي لا بد للمسلمين من قيم بها في ظاهر أمور دنياهم .

وخصله آخرى هي أن يرجع  فقهاء وعلماؤهم عند مشكلاتهم في أمر الدين إليه ،  وعند مسائل  الخلاف فيحكم هو بينهم فيما  هم يختلفون من الحكومه في الفقه والأحكام والحدود والقصاص ، والصلوات والجمعات والأعياد والحج والغزو وتولية القضاء والعدول ، وفتوى الفقهاء ويصدرون  كلهم  عن رأيه وتدبيره وأمره ونهيه ، فهذا هو الأصل المتفق بينهم في حاجتهم الى الإمام .

وأما من ينبغي أن يكون الأمام ومن هو  ؟؟!!!

فهم فيه مختلفون على رأيين ومذهبين ،

فمنهم من يرى ويعتقد أنه لا ينبغي إلا أن يكون أفضلهم كلهم بعد  نبيهم ، وأقربهم اليه  نسبه ، ويكون قد نص عليه .

ومنهم من يرى خلاف ذلك .

ولهم في هذين الرأيين منازعات وخصومات يطول شرحها مذكوره في كتبهم ، ولكن نحتاج الى أن نذكر علة اختلافاتهم من أين كان بدؤها ، ومن أين أشكل الأمر عليهم فيه .

وأعلم أن الإمامه إنما هي خلافه ، والخلافه نوعان : خلافة النبوه ، وخلافة الملك .

ونحتاج ان نذكر أولاً خصال النبوه قبل خصال الملك :

أن أول خصال النبوه الوحي ، ثم الدعوه في الأمه ، ثم تدوين الكتاب المنزل بالألفاظ الوجيزه ، وتبيين قراءته في الفصاحه ، ثم أيضاح تفسير معانيه وبلوغ تأويله ، ثم وضع السنن المركبه ، ومداواة النفوس المريضه من المذاهب الفاسده ، والآراء السخيفه ، والعادات الرديئه ، والأعمال السيئه والأفعال القبيحه ، ثم نقلها من تلك العادات وتلك الآراء ، ومحوها عن ضمائرها بذكر عيوبها ومداواتها من أسقام تلك العادات بالحميه لها من العود اليها ، وإشفائها بالرأي الرصين  والعادات الجميله والأعمال الزكيه والأخلاق الحميده ، بالمدح والترغيب في جزيل الثواب ليوم المآب .

وأيضاً من خصال النبوه معرفة كيفية سياسة النفوس  الشريره عن قصد سبيل الرشاد ، وردها عن سلوكها في طريقة البغي بالتمادي ، ومعرفة كيفية سياسة النفوس الساهيه والأرواح اللاهيه من طول الرقاد ،  ونسيانها ذكر المعاد بالتذكار لها يوم المعاد ،  لئلا يقولوا : ما جاءنا من بشير ولا نذير ولا كتاب .

ومن خصال النبوه أيضاً إجراء السنه في الشريعه ، وإيضاح المنهاج في المله ، وتبيين الحلال والحرام ، وتفصيل الحدود والأحكام في أمور الدنيا جميعاً ، ثم التزه>يد في الدنيا وذم الراغبين فيها ، وتفصيل أحكام الخاص والعام  وما بينهما من سائر طبقات الناس ، وما شاكل هذه الخصال المعروفه بين أهل العلم  الموجود وضعها في الكتب المنزله من التوراة والإنجيل والقرآن وصحف الأنبياء عليهم السلام .

وأعلم أن أخلاق الملوك مضاده لخصال النبوه ، وذلك أن الملك أمر دنيوي ، والنبوه أمر آخروي ، والدنيا والآخره كأنهما ضدان ، وأكثر الملوك يكونون راغبين في الدنيا حريصين عليها  تاركين لذكر الآخره  ناسين لها ، والأنبياء " عليهم السلام " من خصالهم التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخره  يأمرون بها ويحثون عليها .

فعلى هذه الدرجه يكون بعض حال الملوك مضاداً لحال النبوه ولكن الأنبياء " عليهم السلام  "  الذين جمع الله لهم الملك والنبوه ، لم يكونوا شديدي الرغبه في الدنيا  ولا حريصين على شهواتها  ، كما حكى الله تعالى عن يوسف الصديق " عليه السلام " حين قال :

( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني  من تأويل الأحاديث ) الآيه ، فذا يدل على أنه كان من الزاهدين في الدنيا ، فهكذا كان داود " عليه السلام " وسليمان " عليه السلام " .

ولقد ذكر الله تعالى في قصة داود " عليه السلام " أنه كان أواباً حليماً ، وفي قصة سليمان ( ذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ) وهكذا كان النبي محمد " صل الله عليه وآله " زاهداً في الدنيا راغاً في الآخره ، وقد روي في  الخبر أن جبريل عرض عليه مفاتيح خزائن الأرض  فقال : خذها  ولا ينقصك   ما عند الله شيئاً فقال " صل الله عليه وآله " : ( لا حاجه لي في شيء من ذلك ، حلالها حساب ، وحرامها عذاب ) وأنما جعل ذلك إشفاقاً على أمته لئلا يرغبوا فيها ، ويحتجوا إليها بقول الله تعالى : ( يريدون عرض الدنيا  والله يريد الآخره ) وقوله : ( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخره خير وأبقى ) وقال : ( والآخره خير لك من الآولى ) .

والحمد لله رب العالمين 




***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم