بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
اهل البيت "عليهم السلام"
مقامهم - منهجهم - مسارهم
الجزء الثاني
كما انهم يعيشون حال الاهمال والتنكر لاحكام الدين الفقهيه التي قررها الله سبحانه من خلال معرفته عز وجل لما فيه خير او شر للانسان . ونجد معظم المسلمين في حاله من الانحطاط السلوكي والخلقي في علاقاتهم العائليه والاجتماعيه ، رغم تشدقهم بالاسلام واعتناقهم للقرآن الكريم ، كل ذلك بسبب ابتعاد المسلمين عن ائمة اهل البيت "عليهم السلام" وعن هداهم والاقتداء بهم ،
ان اهل البيت "عليهم السلام" هم المحور والاطار الجامع لوحدة الامه وجمع شملها .
اليوم سنتعرض لآية الموده :
{ قل لا اسئلكم عليه أجرآ الا الموده في القربى ومن يقترف حسنه نزد له فيها ان الله غفور شكور } .وقد اوضح الرسول الكريم "صل الله عليه واله" من هم المعنيون بهذه الآيه المباركه . ومن هم الذين وجب حبهم وطاعتهم والسير على نهجهم .
روى المفسرون والمحدثون وارباب السير ان ( قربى النبي ) المقصودين في هذه الآيه هم [ علي وفاطمه والحسن والحسين ] .
قال الزمخشري في تفسيره الكشاف ما نصه :
روي انه اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض : أترون محمدآ يسأل على ما يتعاطاه أجرآ ؟ فنزلت الآيه :
" قل لا اسالئكم عليه اجرآ الا الموده في القربى " .
ثم قال الزمخشري : وروي انها لما نزلت قيل : يا رسول الله "صل الله عليه واله" من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال :
{ علي وفاطمه والحسن والحسين } .
وفي مسند احمد بن حنبل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " رضي الله عنه" لما نزل قوله تعالى : " لا اسلئكم عليه اجرآ الا الموده في القربى " . قالوا : يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال "صل الله عليه واله" :
{ علي وفاطمه والحسن والحسين } .
وثبّت الفخر الرازي في التفسير الكبير بعد ذكر قول الزمخشري في آل محمد "صل الله عليه واله" ما نصه :
( وانا اقول : آل محمد "صل على عليه واله" هم الذين يؤل أمرهم اليه ، فكل من كان أمرهم اليه أشدّ وأكمل كانوا هم " الآل " ،
ولا شك أن فاطمه وعليآ والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله "صل الله عليه واله" أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم " الآل " .
وايضآ اختلف في " الآل " ، قيل : هم الاقارب وقيل هم أمتّه ، فان حملناه على القرابه فهم " الآل " وان حملناه على الامه الذين قبلوا دعوته فهم ايضآ " الآل " فثبت ان جميع التقديرات هم " الآل " .
ملاحظه : واضح لدى القارىء الكريم أن هذا التفسير فيه بَعد عن المعنى الحقيقي ، وأن معنى " الآل " واضح في لغة العرب ولا يمكن ان يقال تفسير " الآل " الامه .
وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظة " الآل " فمختلف فيه ، وفي الكشاف انه لما نزلت هذه الآيه قيل : يا رسول الله "صل الله عليه واله" من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ فقال : { علي وفاطمه وابناهما } فثبت أن هؤلاء الاربعه أقارب النبي " صل الله عليه واله" ، وأذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ويدل عليه وجوه :
الاول : قوله تعالى : { الا الموده في القربى } ووجه الاستدلال به ما سبق .
الثاني : لا شك ان النبي "صل الله عليه واله" كان يحب فاطمه "عليها السلام" ، قال "صل الله عليه واله" :
{ فاطمه بضعه مني يؤذيني ما يؤذيها } ،
كما ثبت بالنقل المتواتر عن محمد "صل الله عليه واله" أنه يحب عليآ والحسن والحسين ، واذا ثبت ذلك وجب على كل الامّه مثله لقوله تعالى : { قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } .
{ واتبعوه لعلكم تهتدون }.
ولقوله : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } .
ولقوله سبحانه :
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوه حسنه } .
الثالث : أن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله : { اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأرحم محمد وآل محمد } .
وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير " الآل " فكل ذلك يدل على أن حبّ آل محمد "صل الله عليه واله" واجب . قال الشافعي :
يا راكبآ قف بالمحصب من منى ------------- واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرآ اذا فاض الحجيج الى منى ------------ فيضآ كما نظم الفرات الفائض
ان كان رفضآ حبّ آل محمد ------------ فليشهد الثقلان اني رافضي
وأخرج ابن المنذر وابن حاتم وابن مردويه والطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآيه :
{ قل لا اسئلكم عليه أجرآ الا الموده في القربى } . قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتّهم ؟
قال : { علي وفاطمه وولداهما } .
وفيه صح عن الحسن بن علي "عليه السلام" انه خطب الناس فقال في خطبته : { أنا من أهل البيت الذين أفترض الله مودتهم على كل مسلم فقال : " قل لا اسئلكم عليه من اجر الا الموده في القربى } .
وقد اخرج ابن حاتم عن ابن عباس : { ومن يقترف حسنه } قال : الموده لآل محمد .
في آية التطهير ثبّت القرآن الكريم طهارة أهل البيت "عليهم السلام" ونقاءهم ، وبهذا استحقوا الموده والاخلاص اللذين أمر بهما القرآن في هذه الآيه .
ولا يعني القرآن بهذه الموده الارتباط العاطفي والحب القلبي فقط ، فلا قيمه للحب والود الذي يعيش في النفس والوجدان ، ولا يجد لله المصاديق والتحقق . وتحقيق الود والحب لذوي القربى - قربى الرسول "صل الله عليه واله" - يكون في الاقتداء بهم والسير على منهجهم والالتزام بمدرستهم وما صدر عنهم . ووضعهم في الامه موضع القدوه والرياده .
ولولا ضمان الاستقامه في أهل البيت "عليهم السلام" وقدرتهم على قيادة الامّه في طريق الهدى وضمان ذلك ، لما نزل به قرآن ولما أمر الرسول "صل الله عليه واله" بأن يجعل حقه على الامّه ودّ أهل البيت "عليهم السلام .
وتلك الاضمامه التي أوردناها من اقوال المفسرين والرّواة وأصحاب الحديث ، نقلت الينا تفسير رسول الله "صل الله عليه واله" لهذه الآيه المباركه ، ووضعت مودّة أهل البيت "عليهم السلام" في القلوب ، وجعلتها حقيقه تعيش في وجدان كل مسلم ، وتتجسد في سلوكه وتظهر على مشاعره وعواطفه ، وتحدد موقفه من أهل البيت "عليهم السلام" ، ومن اعدائهم واحبائهم ومنهجهم وما ثبت عنهم من حديث وفقه وتفسير وفكر وتوجيه وبيان للعقيده والشريعه . ومنهج للعمل في القياده والسياسه .
وهذا الوسام والشرف له مغزاه ودلالته الخاصه ، ينبغي ان يعيه المسلمون ويدركوا عمقه .
والحمد لله رب العالمين .
إرسال تعليق
التعليق على الموضوع :