بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
أهل البيت "عليهم السلام"في السنّه النبويّه
لقد بدأ ذلك الفصل المضيء من التخطيط النبوي بأمر الله سبحانه لرسوله "صل الله عليه واله" بتزويجه فاطمه "عليها السلام" للامام علي بن ابي طالب "عليه السلام" ، ولغرس هذه الشجره المباركه ولتمتد في آفاق هذه الأمه عبر مسيرة تاريخها .
قال النبي "صل الله عليه واله" لعلي "عليه السلام" حين زوجه فاطمه "عليها السلام" :
{ إن الله أمرني أن اُزوجك فاطمه على أربعمائة مثقال فضّه إن رضيت بذلك ، فقال : قد رضيتُ بذلك يا رسول الله ، قال أنس بن مالك : فقال النبي "صل الله عليه واله : جمع الله شملكما وأسعد جدّكما وبارك عليكما ، وأخرج منكما كثيراً طيّباً ، قال أنس : فوالله لقد أخرج منهما الكثير الطيّب } ذكره محب الدين الطيب / ذخائرالعقبى في مناقب ذوي القربى .
وروي أن النبي "صل الله عليه واله" لمّا زوّج فاطمه عليّاً "عليهم السلام" دخل عليها ودعا بها ، فأتته أمّ أيمن بقعب فيه ماء فمج فيه ثم انضح على رأسها وبين ثديها وقال : { اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، ثم قال لعلي : آتيني بماء فأتاه به فنضح منه على رأسه وبين كتفيه وقال : اللّهمّ انّي أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم } .
وفي روايه فدعا بماء فتوضأ ثمّ أفرغه على علي وفاطمه وقال : { اللّهمّ بارك لهما في نسلهما } ذكره عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي /الاتحاف بحب الاشراف .
وكان رسول الله "صل الله عليه واله" يعتذر عن تزويج فاطمه كلّما خطبها أحد من الصحابه ويقول : { لم ينزل القضاء بعد } ذكره محب الدين الطبري / ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى .
أن هذه العنايه الإلهيه والنبويه بتزويج فاطمه من علي ، فلا يتم الزواج إلّا بأمر من الله لتدلّ دلاله واضحه على مكانة أهل البيت "عليهم السلام" وما كان يستهدف الرسول "صل الله عليه واله" من وراء علاقته بهم من خير لهذه الاُمه ، المكانه التي فسرها القرآن الكريم - بآياته الوارده فيهم - والسنّه النبويه الشريفه فيما بعد .
ولعلّ فيما نقتبس ونعرض من روايات واحاديث عن رسول الله "صل الله عليه واله" في أهل البيت - وهي كثيره - يوصلنا الى اكتشاف العمق والغايه من هذه العنايه الإلهيه والنبويّه في بناء هذا البيت ، وإسباغ الحب والبركات والعنايه عليه ليكون أهل البيت دليلاً للاُمه في حيرتها وسبباً لنجاتها في محنتها ونظاماً ومحوراً لوحدتها في تفرقها ، كما نصّت الروايات والأحاديث على ذلك .
إن الرسول يضيف ذرية علي وفاطمه لنفسه ويقول : { انّهم ذريتي وأبنائي } كما أوضح القرآن بذلك بقوله : { فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم } . فكان أبناؤه المعنبّون في هذه الآيه هم { الحسن والحسين } كما عرفنا من اقوال المفسرين واصحاب السّير .
وقد أكّد "صل الله عليه واله" هذا المعنى مرّات عديده لأمته نذكر منها قوله "صل الله عليه واله" { إن الله جعل ذرية كل نبيّ في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب هذا ، يعني عليّاً } ذكره الطبري / ذخائر العقبى /ص67 .
ولقد كان "صل الله عليه واله" يحتضن الحسن والحسين ويقول : { كلّ ولد أب فإنّ عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمه فإنّي أنا أبوهم وعصبتهم } اخرجه أحمد في المناقب ولقد اورد هذا الحديث مع اختلاف يسير في لفظه الطبراني في المعجم الكبير - نسخه مخطوطه - وذكره ايضاً المتقي في كنز العمال والمحب الطبري في ذخائر العقبى والسيوطي في احياء الميت بهذا اللفظ : اخرج الطبراني عن عمر قال رسول الله "صل الله عليه واله :( كل بني أنثى فان عصبتهم لابيهم ما خلا ولد فاطمه فاني عصبتهم وانا
ابوهم ) .
ولقد كان الرسول "صل الله عليه واله" في كل مناسبه يؤكّد مقام أهل البيت "عليهم السلام" لترجع الأمه اليهم وتلتزم بمنهجهم وتتمسك بحبهم . وفي روايات عديده عن رسول الله "صل الله عليه واله" نجد أن أهل البيت هم المنجى لهذه الأمه وأن الرسول "صل الله عليه واله" يقرنهم بكتاب الله ويجعل دورهم العقائدي والرسالي في هذه الأمه ملازماً لكتاب الله لا ينفك عنه ، لتتجه الأمه اليهم في فهم القرآن الكريم واستنباط معانيه وأحكامه . وسنذكر مجموعه من الاحاديث النبويه ونبدأ :
1 - حديث الثّقلين :
وقد حفلت كتب الروايات والسير بالنص النبوي الكريم الذي سُمّي بحديث ( الثقلين ) ورواه المسلمون بمختلف مذاهبهم السياسيه والفقهيه ، وفيما يلي نذكره ، ونذكر بعض أسانيده كما نقلها الرّواة والمحدّثون :
{ إني أوشك أن أدعى فأجيب وأني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، وان اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا بم تخلفوني فيهما } رواه الترمذي في صحيحه - مناقب اهل البيت - بسنده عن زيد بن ارقم وقال في آخر الحديث هذا حديث حسن غريب ، واخرجه الحاكم في مستدرك الصحيحين مروي عن زيد بن ارقم ايضاً ، وذكره احمد بن حنبل في مسنده مرفوعا عن ابي سعيد الخدري كما رواه الطبراني في المعجم الكبير - نسخه مخطوطه ونقله المحب الطبري في ذخائره عن احمد .
ونقل الشبراوي الشافعي في كتابه - الاتحاف بحب الاشراف - : { وأخرج مسلم والترمذي وحسنه ، والحاكم واللفظ لمسلم عن زيد بن ارقم قال : قام فينا رسول الله " صل الله عليه واله" خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : { أمّا بعد أيّها الناس أنا بشر يوشك أن ياتي رسول ربّي فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي } ثم نقل أيضاً في روايه : { إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما ، كتاب الله وأهل بيتي } وفي روايه : { لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما } . الشبراوي الشافعي / الاتحاف بحب الاشراف .
ثم ذكر ايضاً : { قال ابن حجر في الصواعق : سمّى النبي "صل الله عليه واله" القرآن والعتره ثقلين ، لأن الثقل كل نفس خطير مضنون به ، وهذان كذلك اذ كل منهما معدن للعلوم الدينيه والاسرار العقليه الشرعيه ، ولهذا حثّ على الاقتداء بهما .
وقد سمّيا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما ، ثمّ الذي وقع عليه الحثّ منهم انّما هم العارفون بكتاب الله والمستمسكون بسنّة رسوله ، اذ هم الذين لا يفارقون الكتاب الى الحوض }.
ونقل العّلامه الشيخ محمّد جواد البلاغي في تفسيره ( آلاء الرحمن في تفسير القرآن ) ما نصه : { وذلك كحديث الثقلين المتواتر القطعي الذي ذكره اخواننا من اهل السنّه في كتبهم وأوردوا روايته عن الصحابه الذين سمعوه من رسول الله "صل الله عليه واله" : { إني تارك فيكم الثقلين أو الخليفتين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ابداً ، فانهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض } . ورواه ابو نعيم الاصفهاني في كتاب منقبة المطهرين مسنداً عن جبير بن مطعم وأسنده ايضاً عن أنس بن مالك وعن البراء بن عازب ورواه موفق ابن احمد أخطب خوارزم عن عمرو بن العاص .
وقل ما يخلوا من رواية هذا الحديث مسند او جامع او كتاب في الفضائل لاهل السنه من اول ما اخرج الحديث من الحفظ وصدور الحفاظ الى صحف المحدثين ، ولا يزال يروى فيها عن صحابي واحد او اكثر ، وربما روى في واحد منها عن اكثر من عشرين صحابياً اما مجملاً كما في الصواعق واما مسنداً مفصّلاً كما في كتب السخاوي والسيوطي والسمهودي وغيرهم } .
ثم قال : رواه الاماميه في كتبهم باسانيدهم المتكرره عن الباقر والرضا والكاظم والصادق " عليهم السلام" عن آبائهم عن رسول الله "صل الله عليه واله" وبالأسانيد الاخر عن أمير المؤمنين "عليه السلام" وعمر وأُبيّ وجابر وابي سعيد وزيد بن ارقم وزيد بن ثابت وحذيفه بن اسيد وابي هريره وغيرهم عن رسول الله "صل الله عليه واله" وفي مسند احمد بن حنبل روى بسنده عن ابي سعيد الخدري عن النبي "صل الله عليه واله" : { إني أوشك أن أدعى فأجيب وأني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي أهل بيتي ، وأن اللطيف الخبير أخبرني انهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا بم تخلفوني فيهما}
وهكذا نجد هذا التواتر اللفظي والمعنوي في نقل هذه الروايه التي تقرن أهل البيت "عليهم السلام" بكتاب الله ، من ذلك يفهم المسلمون أنّ أهل البيت "عليهم السلام" هم المرجع بعد كتاب الله وهم الامناء عليه حتى يردا الحوض .
والحمد لله رب العالمين
إرسال تعليق
التعليق على الموضوع :