بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإخبات من أوائل مقام الطمأنيته ، وهو ورود المأمن من الرجوع والتردّد ، أي ورود السائر موضع الأمن من الرجوع الى موطن النفس والتفرّق ، ومن التردّد في المقصد والسير بالأنس الذي وجده من نور التجلّي والوارد الغيبي والخطاب الخفي .
وهو على ثلاث درجات :
الدرجه الأولى :
أن تستغرق العصمه الشهوه : باستيلاء نور الحقّ على النفس ، فينوّرها ويقمع شهوتها بالكليّه ، فذلك النور قد أفادها هيئةً نوريّه معارضه لظلمة الشهوه ، تلك الهيئه هي العصمه المستغرقه للشهوه الغامره لها قمعاً .
وتستدرك الإراده الغفله : الإراده تعلّق القلب بالحقّ وإجابة داعيه طوعاً ، وهي تستدعي الحضور مع الحقّ المعارض للغفله ، وذلك هو استدراكها للغفله المقتضيه للاستنامه الى الدنيا ولذّاتها حتّى تزيلها وتنفيها .
ويستوي الطلب السلوه : استهوى طلب الهويّ في الأرض والوقوع في الهوه ، أي الحفره أي يغلب طلب الحق وشدّة الشوق إليه عنه ويبعدها ويحطّها في الهوّه وينفيها بالقهر والقوه .
الدرجه الثانيه :
إرادته سبب : أي تقوى الإراده وتزداد بحيث لا ينقضها سبب ولا يعارضها عارض يقتضي الرجوع عن جناب الحقّ .
ولا يوحش قلبه عارض : أي ولا يبطل أنسه بالحقّ أمر عارض يشغله بالغير عن الحقّ فيوحش قلبه منه .
ولا تقطع الطريق عليه فتنه : أي لا تثبطه في السير الى الله تعالى فتنه - من تعلّق المال والولد وزينة الدنيا - فتقطع الطريق عليه لقوّتها بجاذب نور التجلّي المقوّي لها .
الدرجه الثالثه :
أن يستوي عنده المدح والذمّ : لعدم التفاته الى الخلق ونظره اليهم بنظر الفناء ، وعروجه عن حظّ النفس بشهود الحقّ .
وتدوم لائمته لنفسه : عند ظهورها في التلوين - لا على التفريط - لأن من بلغ هذه الدرجه من الشهود هو أعلى رتبه من أن يكون مفرّطاً ، بل يلومها بغضاً لها وكراهه لصحبتها .
ويعم عن نقصان الخلق عن درجته : وإن كان أعلى درجه منهم لأنه ينظرإليهم بنور الله تعالى ، فيراهم يعملون ما يعملون بالله ، كما قيل : أهل الرحمه شغلوا بالباطل . فلكلّ أحد رتبه أقامه الله تعالى فيها كما أقامه في درجته .
ولكي نكون من المخبتين ومن الذين جذّبتهم قوة الشوق الى الحقّ تعالى ، واستيلاء نور الحقّ على انفسهم فيجب علينا أنّ نعلم أن حب النّفس أساس العجب .
وأعلم يا أخي أنّ رذيلة العجب تنشأ من حبّ النفس لأنّ الإنسان مفطور على حبّ الذّات ، فيكون أساس جميع الأخطاء والمعاصي الإنسانيه والرذائل الأخلاقيه ، ولهذا فإنّ الإنسان يرى أعماله الصغيره كبيره ، وبذلك يرى نفسه من الصالحين ومن خاصة الله ويرى نفسه مستحقاً للثناء ومستوجباً للمدح على تلك الأعمال الحقيره التافه ، بل ويحدث أحياناً أن تلوح لنظره قبائح أعماله حسنه وإذا ما رأى من غيره أعمالاً أفضل وأعظم من أعماله فلا يعيرها أهميه ، ويصف أعمال الناس الصالحه بالقبح ، وأعماله السيّئه القبيحه بالحسنه ، يسيء الظنّ بخلق الله ولكنه يحسن الظنّ بنفسه ، وبسبب حبّه لنفسه يرى بعمله الصغير الممزوج بالآف القذارات المبعده عن الله أن الله مدين له وأنه يستوجب منه الرحمه .
فلنفكر الآن قليلاً في أعمالنا الصالحه ولنحكّم العقل قليلاً في الأفعال العباديه الصادره عنّا ، ولننظر إليها بعين الإنصاف لنرى هل أننا نستحق بها المدح والثناء والثواب والرحمه ، أو أننا جديرون باللوم والعتاب والغضب والنقمه ؟
وإذا ما أحرقنا الله بسبب هذه الأعمال التي نراها حسنه بنار القهر والغضب ألا يكون ذلك عدلاً ؟
ألسنا كاذبين حينما نقول : إننا نصلّي تقرّباً الى الله تعالى ؟
ألأجل التقرّب الى الله هذه الصلاة أو لأجل التقرّب لنساء الجنّه وإشباع الشهوه ؟
أقولها صراحه أن جميع عباداتنا هذه لهي من كبائر الذنوب عند العرفاء بالله وأولياء الله .
أيها المسكين ! أنت في حضرة الله جلّ جلاله وفي محضر الملائه المقرّبين تعمل خلاف رضا الله تعالى ، والعباده التي هي معراج القرب من الله تؤدّيها لأجل النفس الأمّاره بالسوء ولأجل الشيطان ، وعندها لا تستحي أن تكذب في العباده عدّة أكاذيب في حضرة الربّ والملائكه المقرّبين وتفتري عدّة افتراءات وتمنّ وتعجب وتتدلل أيضاً ولا تخجل بعد كل ذلك ! بماذا تختلف عبادتي هذه وعبادتك عن معصية أهل العصيان وأشدّها الرياء ؟ فالرياء شرك وقبحه ناشيء من أنّك لم تؤد العباده لأجل الله ، جميع عباداتنا شرك محض ولا أثر فيها للخلوص والإخلاص ، بل حتّى أنّ رضا الله لا يشترك في الدافع الى إنجاز هذه العباده فهي لأجل الشهوات وأعمار البطن والفرج فحسب .
إيها العزيز : إنّ الصلاة التي تكون لأجل المرأه سواء في الدنيا أم في الجنّه لا تكون لله ، الصلاة التي تكون من أجل الحصول على آمال الدنيا أو آمال الآخره لا علاقه لها بالله فلماذا إذاً تتدلّل الى هذا الحد وتنظر الى عباد الله بعين الاحتقار وتحسب نفسك من خواص الله تعالى ؟ أيها المسكين ! أنت بهذه الصلاة مستحق للعذاب ومستوجب لسلسله طولها سبعون ذراعاً ، فلماذا أذاً تحسب نفسك دائناً لله ، وتهيّىء لنفسك بهذا التدلّل والعجب عذاباً آخر ؟ أعمل الأعمال التي أمرت بها ،
وأعلم أنّها ليست لأجل الله ، واعلم أنّ الله يدخلك الجنّه بتفضّله وترحّمه ، وأنّ الله تعالى خفّف عن عباده لضعفهم بالتجاوز عن نوع من الشرك وأسدل عليه بغفرانه ورحمته حجاب ستره ، فحاذر أن يتمزّق هذا الحجاب ولبيق حجاب غفران الله على هذه السيّئات التي أسميناها عباده ، فاذا حدث لا سمح الله أن انطوت صفحتك هذه ورحلت من هذه الدنيا وجاءت صفحة العدل فإنّ عفونة عباداتنا عندئذ لن تقلّ عن عفونة المعاصي والموبقات التي يرتكبها أهل المعصيه ، في حديث ينقله ثقة الإسلام الكليني في كتاب الكافي بسنده الى الإمام الصادق " عليه السلام " وهنا ننقل قسماً منه من هذا الحديث تبرّكاً وتيمّناً : عن أبي عبد الله " عليه السلام " قال الله عزّ وجلّ لداود " عليه السلام " : { يا داود بشّر المذنبين وأنذر الصّدّيقين ، قال : كيف أبشّر المذنبين وأنذر الصّدّيقين ؟ قال : يا داود بشّر المذنبين أنّي أقبل التّوبه وأعفو عن الذّنب وأنذر الصّدّيقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنّه ليس عبد أنصبه للحساب إلاّ هلك } . لأنه مستحقّ للعذاب وفق العداله فإنّ ثواب عبادات العبد لا تعادل شكر واحده من نعمائه .
فإذا علمت أنّ الصّدّيقين على الرغم من أنّهم مطهّرون من الذنب والمعصيه ، جميعاً هالكون في الحساب فماذا نقول أنا وأنتم ؟
هذا كله عندما تكون أعمالي وأعمالكم خالصه من الرياء الدنيوي ومن الموبقات والمحرّمات وقلّما يحصل لنا خلوص عمل من الرياء والنفاق .
ألا يجب عليك بعد كل عباده أن تتوب من تلك الأكاذيب التي قلتها في حضرة الله تعالى وممّا نسبته الى نفسك دون دليل ، ألا ترى أنّ عليك أن تتوب من قولك وأنت تقف أمام الله قبل الدخول في الصلاة : { إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والآرض حنيفاً وما أنا من المشركين } { أنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين } فهل وجوهكم متوجّه الى فاطر السماوات والأرض؟ هل أنتم مسلمون وخالصون من الشرك ؟ هل صلاتكم وعباداتكم وحياتكم ومماتكم لله ؟ ألا يبعث على الخجل بعد هذا أن تقولوا في الصلاة : { الحمد لله ربّ العالمين } فهل حقّاً تقرّون بأنّ المحامد كلّها لله ؟ في حين أنّكم تقرّون في الوقت نفسه بالربوبيه لغيره تعالى في هذا العالم ، أفلا يحتاج ذلك الى التوبه والخجل ؟
وحينما تقول : { إيّاك نعبد وإيّاك نستعين } فهل تراك تعبد الله أم تعبد بطنك وفرجك ؟ هل أنت تطلب الله أو الحور العين ؟ هل تطلب العون من الله فقط ؟ إنّ الشيء الذي لا يؤخذ بعين الاعتبار في الاعمال هو الله ، وأنت إذا ذهبت الى زيارة بيت الله فهل أن مقصدك ومقصودك هو الله ، أم يكون مقصودك هو صاحب البيت ؟ وهل قلبك مترنّم بقول الشاعر :
وما حبّ الديار شغفن قلبي ــــــــــــــــــــــــــــــ ولكن حبّ من سكن الديارا
أباحث أنت عن الله ؟ أتطلب آثار جمال الله وجلاله ؟
ألأجل سيد المظلومين تقيم العزاء ألأجله " عليه السلام " تلطم على رأسك وصدرك أم لأجل الوصول آمالك وأمانيك ؟
أهي بطنك التي تدفعك لإقامة مجالس العزاء ، وشهوة الظهور هي تدفعك للذهاب الى صلاة الجماعه ، وهوى النفس هو الذي يجرّك للمناسك والعباده ؟
فيا أيها الأخ كن حذراً تجاه مكائد النّفس والشيطان ، وأعلم أنّه لن يدعك أيها المسكين بأن تؤدي عملاً واحداً بإخلاص .
أيها المسكين تظن أنّك اصبحت من المحبين والمحبوبين وأنت الجاهل بأحوال المحبّين والمخبتين ! يا سّىء الحظ الذي لم يطلع على قلوب المحبّين والمخبتين وعلى لهب شوقها تجاه الحقّ سبحانه ، أيها المسكين الغافل عن حرقة المخلصين ونور أعمالهم ! أو تظن أنّ أعمالهم أيضاً مثل أعمالي وأعمالك ؟ أو تتوهّم أنّ ميزة صلاة أمير المؤمنين " عليه السلام " عن صلاتنا أنه " عليه السلام " كان يمدّ { الضالّين } أكثر أو أن قراءته أصح أو أنّ سجوده أطول وأذكاره وأواراده أكثر ؟ أو أنّ ميزة ذلك الرجل العظيم في أنّه كان يصلّي عدّة مئات من الركعات ليلياً ؟ أو تظن أن مناجاة سيد الساجدين علي بن الحسين هي مثل مناجاتي ومناجاتك ؟ وأنه كان يتحرّق ويتضرّع ويتلّظى بتلك الصوره من أجل الحور العين والكمثري والرمّان من نعم الجنّه ؟
أقسم به صلوات الله وسلامه عليه { وإنّه لقسم عظيم } لو أن المحبّين والمخبتين كان بعضهم ظهيراً للبعض الآخر وأرادوا أن يتفوّهوا بكلمة { لا إله إلأ الله } مره واحده بمثل ما كان يقولها أمير المؤمنين " عليه السلام " لما استطاعوا ، فكم أكون تعيساً وشقياً أن لا أكون على خطى علي " عليه السلام " وأنا من العارفين لمقام ولاية علي " عليه السلام " ؟
أقسم بمقام علي بن ابي طالب " عليه السلام " لو أنّ الملائكه المقرّبين والأنبياء المرسلين - عدا الرسول الخاتم الذي يكون مولى علي وغيره - أرادوا أن يكبّروا مرّه تكبيراً على غرار ما كان يكبّر علي " عليه السلام " لما استطاعوا ، وأمّا الوقوف على قلوبهم فلا يعرف أحد شيئاً إلأ حملة تلك القلوب وأصحابها ! .
ألهي بك نعوذ نحن المساكين من شرّ الشياطين والنفس الأماره بالسوء ، اللّهم فاحفظنا من مكائدهما بحق محمّد وآله .
والحمد لله ربّ العالمين
اللهم صل على محمد وآل محمد
الجزء الخامس
قال الله تعالى :
{ وبشّر المخبتين }
الاخبات : هو السكون الى من انجذب إليه بقوّة الشوق ، قال الله تعالى : { وأخبتوا الى ربّهم } أي سكنوا إليه ،الإخبات من أوائل مقام الطمأنيته ، وهو ورود المأمن من الرجوع والتردّد ، أي ورود السائر موضع الأمن من الرجوع الى موطن النفس والتفرّق ، ومن التردّد في المقصد والسير بالأنس الذي وجده من نور التجلّي والوارد الغيبي والخطاب الخفي .
وهو على ثلاث درجات :
الدرجه الأولى :
أن تستغرق العصمه الشهوه : باستيلاء نور الحقّ على النفس ، فينوّرها ويقمع شهوتها بالكليّه ، فذلك النور قد أفادها هيئةً نوريّه معارضه لظلمة الشهوه ، تلك الهيئه هي العصمه المستغرقه للشهوه الغامره لها قمعاً .
وتستدرك الإراده الغفله : الإراده تعلّق القلب بالحقّ وإجابة داعيه طوعاً ، وهي تستدعي الحضور مع الحقّ المعارض للغفله ، وذلك هو استدراكها للغفله المقتضيه للاستنامه الى الدنيا ولذّاتها حتّى تزيلها وتنفيها .
ويستوي الطلب السلوه : استهوى طلب الهويّ في الأرض والوقوع في الهوه ، أي الحفره أي يغلب طلب الحق وشدّة الشوق إليه عنه ويبعدها ويحطّها في الهوّه وينفيها بالقهر والقوه .
الدرجه الثانيه :
إرادته سبب : أي تقوى الإراده وتزداد بحيث لا ينقضها سبب ولا يعارضها عارض يقتضي الرجوع عن جناب الحقّ .
ولا يوحش قلبه عارض : أي ولا يبطل أنسه بالحقّ أمر عارض يشغله بالغير عن الحقّ فيوحش قلبه منه .
ولا تقطع الطريق عليه فتنه : أي لا تثبطه في السير الى الله تعالى فتنه - من تعلّق المال والولد وزينة الدنيا - فتقطع الطريق عليه لقوّتها بجاذب نور التجلّي المقوّي لها .
الدرجه الثالثه :
أن يستوي عنده المدح والذمّ : لعدم التفاته الى الخلق ونظره اليهم بنظر الفناء ، وعروجه عن حظّ النفس بشهود الحقّ .
وتدوم لائمته لنفسه : عند ظهورها في التلوين - لا على التفريط - لأن من بلغ هذه الدرجه من الشهود هو أعلى رتبه من أن يكون مفرّطاً ، بل يلومها بغضاً لها وكراهه لصحبتها .
ويعم عن نقصان الخلق عن درجته : وإن كان أعلى درجه منهم لأنه ينظرإليهم بنور الله تعالى ، فيراهم يعملون ما يعملون بالله ، كما قيل : أهل الرحمه شغلوا بالباطل . فلكلّ أحد رتبه أقامه الله تعالى فيها كما أقامه في درجته .
ولكي نكون من المخبتين ومن الذين جذّبتهم قوة الشوق الى الحقّ تعالى ، واستيلاء نور الحقّ على انفسهم فيجب علينا أنّ نعلم أن حب النّفس أساس العجب .
وأعلم يا أخي أنّ رذيلة العجب تنشأ من حبّ النفس لأنّ الإنسان مفطور على حبّ الذّات ، فيكون أساس جميع الأخطاء والمعاصي الإنسانيه والرذائل الأخلاقيه ، ولهذا فإنّ الإنسان يرى أعماله الصغيره كبيره ، وبذلك يرى نفسه من الصالحين ومن خاصة الله ويرى نفسه مستحقاً للثناء ومستوجباً للمدح على تلك الأعمال الحقيره التافه ، بل ويحدث أحياناً أن تلوح لنظره قبائح أعماله حسنه وإذا ما رأى من غيره أعمالاً أفضل وأعظم من أعماله فلا يعيرها أهميه ، ويصف أعمال الناس الصالحه بالقبح ، وأعماله السيّئه القبيحه بالحسنه ، يسيء الظنّ بخلق الله ولكنه يحسن الظنّ بنفسه ، وبسبب حبّه لنفسه يرى بعمله الصغير الممزوج بالآف القذارات المبعده عن الله أن الله مدين له وأنه يستوجب منه الرحمه .
فلنفكر الآن قليلاً في أعمالنا الصالحه ولنحكّم العقل قليلاً في الأفعال العباديه الصادره عنّا ، ولننظر إليها بعين الإنصاف لنرى هل أننا نستحق بها المدح والثناء والثواب والرحمه ، أو أننا جديرون باللوم والعتاب والغضب والنقمه ؟
وإذا ما أحرقنا الله بسبب هذه الأعمال التي نراها حسنه بنار القهر والغضب ألا يكون ذلك عدلاً ؟
ألسنا كاذبين حينما نقول : إننا نصلّي تقرّباً الى الله تعالى ؟
ألأجل التقرّب الى الله هذه الصلاة أو لأجل التقرّب لنساء الجنّه وإشباع الشهوه ؟
أقولها صراحه أن جميع عباداتنا هذه لهي من كبائر الذنوب عند العرفاء بالله وأولياء الله .
أيها المسكين ! أنت في حضرة الله جلّ جلاله وفي محضر الملائه المقرّبين تعمل خلاف رضا الله تعالى ، والعباده التي هي معراج القرب من الله تؤدّيها لأجل النفس الأمّاره بالسوء ولأجل الشيطان ، وعندها لا تستحي أن تكذب في العباده عدّة أكاذيب في حضرة الربّ والملائكه المقرّبين وتفتري عدّة افتراءات وتمنّ وتعجب وتتدلل أيضاً ولا تخجل بعد كل ذلك ! بماذا تختلف عبادتي هذه وعبادتك عن معصية أهل العصيان وأشدّها الرياء ؟ فالرياء شرك وقبحه ناشيء من أنّك لم تؤد العباده لأجل الله ، جميع عباداتنا شرك محض ولا أثر فيها للخلوص والإخلاص ، بل حتّى أنّ رضا الله لا يشترك في الدافع الى إنجاز هذه العباده فهي لأجل الشهوات وأعمار البطن والفرج فحسب .
إيها العزيز : إنّ الصلاة التي تكون لأجل المرأه سواء في الدنيا أم في الجنّه لا تكون لله ، الصلاة التي تكون من أجل الحصول على آمال الدنيا أو آمال الآخره لا علاقه لها بالله فلماذا إذاً تتدلّل الى هذا الحد وتنظر الى عباد الله بعين الاحتقار وتحسب نفسك من خواص الله تعالى ؟ أيها المسكين ! أنت بهذه الصلاة مستحق للعذاب ومستوجب لسلسله طولها سبعون ذراعاً ، فلماذا أذاً تحسب نفسك دائناً لله ، وتهيّىء لنفسك بهذا التدلّل والعجب عذاباً آخر ؟ أعمل الأعمال التي أمرت بها ،
وأعلم أنّها ليست لأجل الله ، واعلم أنّ الله يدخلك الجنّه بتفضّله وترحّمه ، وأنّ الله تعالى خفّف عن عباده لضعفهم بالتجاوز عن نوع من الشرك وأسدل عليه بغفرانه ورحمته حجاب ستره ، فحاذر أن يتمزّق هذا الحجاب ولبيق حجاب غفران الله على هذه السيّئات التي أسميناها عباده ، فاذا حدث لا سمح الله أن انطوت صفحتك هذه ورحلت من هذه الدنيا وجاءت صفحة العدل فإنّ عفونة عباداتنا عندئذ لن تقلّ عن عفونة المعاصي والموبقات التي يرتكبها أهل المعصيه ، في حديث ينقله ثقة الإسلام الكليني في كتاب الكافي بسنده الى الإمام الصادق " عليه السلام " وهنا ننقل قسماً منه من هذا الحديث تبرّكاً وتيمّناً : عن أبي عبد الله " عليه السلام " قال الله عزّ وجلّ لداود " عليه السلام " : { يا داود بشّر المذنبين وأنذر الصّدّيقين ، قال : كيف أبشّر المذنبين وأنذر الصّدّيقين ؟ قال : يا داود بشّر المذنبين أنّي أقبل التّوبه وأعفو عن الذّنب وأنذر الصّدّيقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنّه ليس عبد أنصبه للحساب إلاّ هلك } . لأنه مستحقّ للعذاب وفق العداله فإنّ ثواب عبادات العبد لا تعادل شكر واحده من نعمائه .
فإذا علمت أنّ الصّدّيقين على الرغم من أنّهم مطهّرون من الذنب والمعصيه ، جميعاً هالكون في الحساب فماذا نقول أنا وأنتم ؟
هذا كله عندما تكون أعمالي وأعمالكم خالصه من الرياء الدنيوي ومن الموبقات والمحرّمات وقلّما يحصل لنا خلوص عمل من الرياء والنفاق .
ألا يجب عليك بعد كل عباده أن تتوب من تلك الأكاذيب التي قلتها في حضرة الله تعالى وممّا نسبته الى نفسك دون دليل ، ألا ترى أنّ عليك أن تتوب من قولك وأنت تقف أمام الله قبل الدخول في الصلاة : { إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والآرض حنيفاً وما أنا من المشركين } { أنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين } فهل وجوهكم متوجّه الى فاطر السماوات والأرض؟ هل أنتم مسلمون وخالصون من الشرك ؟ هل صلاتكم وعباداتكم وحياتكم ومماتكم لله ؟ ألا يبعث على الخجل بعد هذا أن تقولوا في الصلاة : { الحمد لله ربّ العالمين } فهل حقّاً تقرّون بأنّ المحامد كلّها لله ؟ في حين أنّكم تقرّون في الوقت نفسه بالربوبيه لغيره تعالى في هذا العالم ، أفلا يحتاج ذلك الى التوبه والخجل ؟
وحينما تقول : { إيّاك نعبد وإيّاك نستعين } فهل تراك تعبد الله أم تعبد بطنك وفرجك ؟ هل أنت تطلب الله أو الحور العين ؟ هل تطلب العون من الله فقط ؟ إنّ الشيء الذي لا يؤخذ بعين الاعتبار في الاعمال هو الله ، وأنت إذا ذهبت الى زيارة بيت الله فهل أن مقصدك ومقصودك هو الله ، أم يكون مقصودك هو صاحب البيت ؟ وهل قلبك مترنّم بقول الشاعر :
وما حبّ الديار شغفن قلبي ــــــــــــــــــــــــــــــ ولكن حبّ من سكن الديارا
أباحث أنت عن الله ؟ أتطلب آثار جمال الله وجلاله ؟
ألأجل سيد المظلومين تقيم العزاء ألأجله " عليه السلام " تلطم على رأسك وصدرك أم لأجل الوصول آمالك وأمانيك ؟
أهي بطنك التي تدفعك لإقامة مجالس العزاء ، وشهوة الظهور هي تدفعك للذهاب الى صلاة الجماعه ، وهوى النفس هو الذي يجرّك للمناسك والعباده ؟
فيا أيها الأخ كن حذراً تجاه مكائد النّفس والشيطان ، وأعلم أنّه لن يدعك أيها المسكين بأن تؤدي عملاً واحداً بإخلاص .
أيها المسكين تظن أنّك اصبحت من المحبين والمحبوبين وأنت الجاهل بأحوال المحبّين والمخبتين ! يا سّىء الحظ الذي لم يطلع على قلوب المحبّين والمخبتين وعلى لهب شوقها تجاه الحقّ سبحانه ، أيها المسكين الغافل عن حرقة المخلصين ونور أعمالهم ! أو تظن أنّ أعمالهم أيضاً مثل أعمالي وأعمالك ؟ أو تتوهّم أنّ ميزة صلاة أمير المؤمنين " عليه السلام " عن صلاتنا أنه " عليه السلام " كان يمدّ { الضالّين } أكثر أو أن قراءته أصح أو أنّ سجوده أطول وأذكاره وأواراده أكثر ؟ أو أنّ ميزة ذلك الرجل العظيم في أنّه كان يصلّي عدّة مئات من الركعات ليلياً ؟ أو تظن أن مناجاة سيد الساجدين علي بن الحسين هي مثل مناجاتي ومناجاتك ؟ وأنه كان يتحرّق ويتضرّع ويتلّظى بتلك الصوره من أجل الحور العين والكمثري والرمّان من نعم الجنّه ؟
أقسم به صلوات الله وسلامه عليه { وإنّه لقسم عظيم } لو أن المحبّين والمخبتين كان بعضهم ظهيراً للبعض الآخر وأرادوا أن يتفوّهوا بكلمة { لا إله إلأ الله } مره واحده بمثل ما كان يقولها أمير المؤمنين " عليه السلام " لما استطاعوا ، فكم أكون تعيساً وشقياً أن لا أكون على خطى علي " عليه السلام " وأنا من العارفين لمقام ولاية علي " عليه السلام " ؟
أقسم بمقام علي بن ابي طالب " عليه السلام " لو أنّ الملائكه المقرّبين والأنبياء المرسلين - عدا الرسول الخاتم الذي يكون مولى علي وغيره - أرادوا أن يكبّروا مرّه تكبيراً على غرار ما كان يكبّر علي " عليه السلام " لما استطاعوا ، وأمّا الوقوف على قلوبهم فلا يعرف أحد شيئاً إلأ حملة تلك القلوب وأصحابها ! .
ألهي بك نعوذ نحن المساكين من شرّ الشياطين والنفس الأماره بالسوء ، اللّهم فاحفظنا من مكائدهما بحق محمّد وآله .
والحمد لله ربّ العالمين
***********************
***********************
إرسال تعليق
التعليق على الموضوع :