بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
وضوء أهل الشريعه وأهل الطريقه وأهل الحقيقه
الطهاره مطلقاً :
الطهاره في اللغه النظافه ، وفي الشرع إسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة ، واليها أشار الحق تعالى في كتابه العزيز بقوله :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .
وضوء أهل الشريعه
الوضوء الواجب على قسمين : أفعال ، وكيفيات .
أما الأفعال فواجباته خمسه :
- النيه ، وغسل الوجه ، وغسل اليدين ، ومسح الرأس ، ومسح الرجلين .
وأما الكيفيات فواجباته عشره :
مقارنة النيه لحال الوضوء ، واستمرار حكمها الى الفراغ ، وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس الى محادر شعر الذقن طولاً وما دارت عليه الابهام والوسطى عرضاً ، وغسل اليدين من المرفق الى أطراف الاصابع وألا يستقبل الشعر في غسلهما ، والمسح بمقدم الرأس مقدار ما يقع عليه إسم المسح ، ومسح الرجلين من رؤوس الاصابع الى الكعبين .
والترتيب هو أن يبدأ بغسل الوجه ، ثم باليد اليمنى ، ثم اليسرى ، ثم بمسح الرأس ، ثم الرجلين .
والموالات هي أن يوالي بين غسل الاعضاء ولا يؤخر بعضها عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدم ، وبمسح الرأس والرجلين ببقية نداوة الوضوء من غير استيناف ماء جديد .
هذا على طريقة أهل البيت " عليهم السلام " .
وأما وضوء أهل الطريقه
فالطهاره عندهم هي طهارة النفس والعقل بعد القيام بالطهار المذكوره ، وهي عباره عن طهارة النفس من رذائل الأخلاق وخسائسها ، وطهارة العقل من دنس الافكار الرديه والشبه المؤديه الى الضلال والإضلال ، وطهارة السر من النظر الى الاغيار ، وطهارة الاعضاء من الافعال الغير المرضيه عقلاً وشرعاً .
وأما أفعال هذه الطهاره المعبر عنها بالضوء :
فالنيه فيه وهي أن ينوي المكلف بقلبه وسره أنه لا يفعل فعلاً يخالف الله تعالى بوجه من الوجوه ، ويكون جميع عباداته لله خالصه دون غيره لقوله تعالى : " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " .
- وغسل الوجه وهو أن يغسل وجه قلبه عن حدث التعلق بالدنيا وما فيها ، فان الدنيا جيفه وطالبها كلاب ، فالطالب والمطلوب نجسان ، ولهذا قال " عليه السلام " :
" حب الدنيا رأس كل خطيئه وترك الدنيا رأس كل عباده " .
وقال علي " عليه السلام " : " يا دنيا غري غيري فإني طلقتك ثلاثاً لا رجعه فيها " . روى السيد الشريف الرضي في نهج البلاغه الحكمه 77 وقال : " ومن خبر ضرار بن حمزه الضبائي عند دخوله على معاويه ، ومسالته له عن أمير المؤمنين وقال : فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول : يا دنيا يا دنيا إليك عني ، أبي تعرضتِ ؟ أم إلي تشوقتِ ؟ لا حان حينك !! هيهات ! غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعه فيها ! فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه من قلة الزاد ، وطول الطريق ، وبعد السفر ، وعظيم المورد !! " .
- وغسل اليدين وهو غسلهما وطهارتهما عما في قبضتهما من النقد والجنس والدنيا والآخره ، فإن طهارتهما حقيقيه ليس إلا بترك مما في تصرفهما وحكمهما .
- ومسح الرأس وهو أن يمسح رأسه الحقيقي المسمى بالعقل أو النفس ، أي يطلع عليهما حتى يعرف أنه بقي عندهما شيء من محبة الدنيا وما يتعلق بها من المال والجاه .
- ومسح الرجلين وهو أن يمنعهما عن المشي بغير رضا الله وطاعته ظاهراً وباطناً ، والمراد بالرجلين في الظاهر معلوم ، وأما في الباطن هما عبارتان عن القوه النظريه والعمليه عند البعض ، وعن القوه الشهويه والغضبيه عند الآخرين ، والى مثل هذا الوضوء المضاف الى الوضوء الأول أشار النبي " صل الله عليه واله " :
" الوضوء على الوضوء نور على نور " . وروي في خبر آخر عن رسول الله " صل الله عليه واله " : " أن الوضوء على الوضوء نور على نور ، ومن جدد وضوءه من غير حدث آخر جدد الله عز وجل توبته من غير استغفار " .
أعني صفاء الظاهر مع صفاء الباطن على الوجه المذكور فهو نور على نور ، أي نور البصيره على نور الشرع سبب صفاء الظاهر والباطن وموجب ثبات السالك على الطريق المستقيم في الدنيا والآخره لقوله تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخره " .
وضوء أهل الحقيقه
الوضوء عندهم المعبر عنه بالطهاره عبارة عن طهارة السر عن مشاهدة الغير مطلقاً .
- والنيه فيها وهي أن ينوي السالك في سره أنه لا يشاهد في الوجود غيره ولا يتوجه إلا اليه ، لأن كل من توجه في الباطن الى غيره فهو مشرك بالشرك الخفي المشار اليه في قوله تعالى : " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " .
ولقوله : " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " .
والمشرك نجس لقوله : " إنما المشركون نجس " .
فطهارته لا تكون إلا بهذه النيه التي هي عباره عن التوحيد الحقيقي النافي للشرك مطلقاً ، لأنه معلوم وبل مقرر أن الخلاص من الشرك جلياً كان أو خفياً لا يمكن إلا بالتوحيد ألوهياً كان أو وجودياً .
وغسل الوجه فيها عباره عن طهارة الوجه الحقيقي ونظافة سره عن دنس التوجه الى الغير ، بحيث لا يشاهد غير وجهه الكريم المشار اليه في قوله تعالى :
" أينما تولوا فثم وجه الله " ولا يعرف غير ذاته المحيط المؤمى اليه في قوله تعالى : " والله بكل شيء محيط " وعن هذا التوجه أخبر من لسان إبراهيم " عليه السلام " بقوله : " إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفاً وما أنا من المشركين " .
- وغسل اليدين عباره عن عدم الالتفات الى ما في يديه من متاع الدنيا والآخره ، من الدنيا كالمال والجاه والاهل والولد ، ومن الآخره كالعلم والزهد والطاعه وما يحصل منها كالثواب والجنه والحور والقصور ، لأن رؤية الطاعه والعباده واستحقاق التعظيم بهما عند أهل الله معصيه وفيه قيل : " سيئة تسوئك خير من حسنه تعجبك " .
وفيه قيل : " خير الاعمال ذنب أحدث توبه ، وشر الاعمال طاعه أورثت عجباً " .
واليه أشار النبي " صل الله عليه واله : " الدنيا حرام على أهل الآخره ، والآخره حرام على أهل الدنيا ، وهما حرامان على أهل الله " .
- ومسح الرأس عباره عن تنزيه سره وتقديس باطنه الذي هو الرأس الحقيقي عن دنس الإنانيه وحدث الغيريه الحاجب والحاجز بينه وبين محبوبه لقول بعض العارفين :
بيني وبينك أنََي ينازعني ..... فارفع بفضلك إنًي من البين
- ومسح الرجلين عباره عن تنزيه قوتي العمليه والعلميه عن السير إلا بالله ولله وفي الله ، لأنهما كالقدمين والرجلين في الظاهر لأنه بهما يسعى في طلب الحق وبهما يصل اليه وعند التحقيق : " فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى " .
إشاره اليهما أعني إذا وصلت الينا بواستهما فدع لهما فإنك بعد هذا ما أنت محتاج اليهما ، ومعلوم عند الوصول يجب طرح كل ما في الوجود سيما القوى والحواس وما اشتمل عليهما ظاهراً وباطناً .
وعند البعض المراد بالنعلين الدنيا والآخره ، وعند البعض عالم الظاهر والباطن ، وعند البعض النفس والبدن ، والكل صحيح وفي مثل هذا الحال وهذا المقام ورد الحديث القدسي :
" لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله ، فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق وبي يبطش وبي يمشي " .
أشاره الى السير بالله الذي هو مقام التكميل .
وهنا أبحاث وأسرار ويطول ذكرها يكفي الفطن اللبيب هذا المقدار ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
والحمد لله رب العالمين
***********************
***********************
إرسال تعليق
التعليق على الموضوع :