زيارة الاربعين . بالاربعينية ثورة شيعية مشي مشي باسم الكربلائي
الإحراممن ميقات العشق
كنت أفكّر يوماً في هذا الموضوع وهو غسل جابر وإحرامه ، فلقد جاء في الروايات بأنَّه لو لم يكن لدى من ينوي الذهاب لأداء فريضة الحج لباس إحرام ، فيمكنه الإحرام بلباسه الذي يرتديه ، غير أنَّ عليه أن يقلِبه عند اللبس ، فعليه أن يقلب المعطف ويضعه على كتفيه بحيث تكون الأكمام متدلية إلى الأسفل .
فهل كان جابر قد سمع من رسول الله أو أمير المؤمنين بأنَّ على مَنْ يعزم على زيارة قبر سيَّد الشهداء أو قبر أحد الأئمّة أن يغتسل ويُحرم أم أنَّه قد تفطّن لهذا الأمر بنفسه ؟ فالفقيه هو ذلك الفرد الذي يتمكّن من تفريع الفروع عن أصولها . فكأنَّ روح الإسلام قد استقرّت في كيان جابر ، وكأنَّه قد تذُّوق حقيقة الإسلام وتعرَّف على سرّ قوانينه ؛ فهو يعلم بأنَّ للإحرام والغسل والزيارة والطواف الذي تمّ تشريعه لأداء فريضة حجّ بيت الله سرٌّ وحقيقةٌ ، وحقيقة بيت الله هو مقام ولاية سيِّد الشهداء عليه السلام. وبالتالي لمّـا كان جسده الشريف قد استقرّ في هذه الأرض ، فهنا يكون بيت الله وهنا يكون محلّ دفن حقيقة مقام الولاية . فتلك الكعبة هي الكعبة الظاهرية ، وهنا يكون الباطن ؛ فينبغي الغسل والإحرام هنا من باب أولى . فهنا يتّضح مفهوم ما جاء في الرواية التي تذكر بأنَّه لا بدّ من أن يكون للفقيه مَلَكة قُدسيّة ؛ فالملَكة القُدسيّة هي ذلك النور الذي يكون في قلب الفقيه فيستطيع بواسطته أن يطبّق الأحكام الكلّية على مصاديقها ، و يتمكّن من تشخيص ومعرفة تلك المصاديق بشكل جيّد . ولقد كان جابر يمتلك مثل هذا النور بالشكل الذي مكّنه من تشخيص لزوم الغسل والإحرام ما دام عازماً على زيارة قبر ابن بنت نبيّ الله ؛ لذا فقد اغتسل غسل الطواف وغسل الزيارة وأحرم متوجّهاً نحو بيت الله الحقيقي . « حتى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه ، فألمسته ، فخر على القبر مغشيا عليه ، فرششت عليه شيئاً من الماء ، فلما أفاق قال : " يا حسين " ثلاثاً . ثم قال : حبيبٌ لا يُجيب حبيبه . ثم قال [ معتذراً عن الحسين ] : وأنَّى لك بالجواب وقد شُحطت أوداجك على أثباجك وفُرّق بين بدنك ورأسك فأشهد أنَّك ابن خاتم النبيين وابن سيِّد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكساء وابن سيِّد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء ، ومالك لا تكون هكذا وقد غذّتك كفّ سيِّد المرسلين ورُبِّيت في حجر المتقين ورُضعت من ثدي الإيمان وفُطمت بالإسلام ، فطبت حيّا وطبت ميِّتا ، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبةٍ لفراقك ولا شاكَّة في الخيرة لك فعليك سلام الله ورضوانه ، وأشهد أنَّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا . ثم جال ببصره حول القبر وقال : السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين وأناخت بِرحله ، أشهد أنَّكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين ، والذي بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالحق نبيّاً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه » معنى قول جابر : لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه
كم هو كلامٌ عجيبٌ ذلك الذي قاله جابر ، فهو يقول لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه ، أي إنَّنا قد شاركناكم في قتلكم وأسر أهل بيتكم وذبح أطفالكم وعطشكم وجميع المصائب التي نزلت عليكم .
« قال عطية : فقلت له : يا جابر كيف ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسيف ، والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأُوتمت أولادهم وأُرملت أزواجهم ؟! فقال لي : يا عطية سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« من أحبَّ قوماً حُشر معهم ومن أحبَّ عمل قومٍ أُشرك في عملهم » ( يعني يحصل له اتحاد ومعيّة مع حقيقة وأصل أولئك القوم ) والذي بعث محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم بالحقّ إنَّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين عليه السلام وأصحابه . خُذْني نحو أبيات كوفان .
قال عطيّة : فلمّا صرنا في بعض الطريق قال : يا عطيّة ، هل أُوصيك ؟ وما أظنّ أنّني بعد هذه السفرة مُلاقيك !
أحبِبْ مُحِبَّ آلِ محمّدٍ ما أحبَّهم ، وأبغِضْ مُبغِضَ آل محمّدٍ ما أبغضهم وإن كان صوّاماً قوّاماً ، وارفقْ بمُحبّ محمّدٍ وآل محمّدٍ فإنّه إن تَزِلَّ له قَدمٌ بكثرة ذنوبه تَثبُتْ له أخرى بمحبّتهم ، فإنّ مُحبَّهم يعود إلى الجنّة ، ومبغضهم يعود إلى النار »
كان هذا هو آخر حديث لجابر مع عطية . ولقد كان جابر عارفاً بروح الدين بشكله الصحيح . فانظروا كيف يبيّن معيّته مع سيِّد الشهداء . فهو يقول : أنا منكم فعلاً ، ولقد قاتلت معك وضربت بالسيف بين يديك ، ولقد تحمّلت مرارة العطش وذُبح ابني وقُتل أخوتي ؛ كما إنَّني ذُبحت أيضاً . كيف حدث كلّ ذلك ؟ لأنَّ نيتي كانت بهذا الشكل . إلهي بحق محمّدٍ وآل محمّد هب لنا نوراً لكي نتعرّف به على روح الدين ونُدرك حقيقته ؛ وهب لقلوبنا اليقين لكي نعرفك أكثر وأكثر . واشرح صدورنا بنور الإسلام ؛ وثبِّت أقدامنا على صِراطك المستقيم . واجعلنا نتمتع في هذا الصراط بما منحتنا من تلك المواهب . واجعل نهج حياتنا على نهج ومسير سيِّد الشهداء عليه السلام وأولاده وأصحابه . ولا تخرجنا من الدنيا حتّى ترضى عنّا . وارزقنا شفاعتهم في الدنيا والآخرة . وعجِّل فرج إمام الزمان . اللهمَّ صلِّ عَلى محمَّد وآلِ محمَّد |
***********************
***********************
إرسال تعليق
التعليق على الموضوع :