إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام:

إحياء ذكر أهل البيت 

عليهم السلام:

أهميته و أساليبه

سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه الله
___________منقوله ___________________

صوت احساس وي عباس بي نتكلم ياوفاي عوف الماي جفك زمزم

ذكر الله يمنح الإمام الحسين

 الطمأنينة في عاشوراء

ففي يوم عاشوراء نرى أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان كلّما اشتدّت به البلايا ، ازداد سكينة وأشرق وجهه بهجة وبشاشة ، وما ذلك إلاّ لأنّ تلك الجلوات التوحيديّة كانت تزداد قوّةً وتمكّـنًا في نفسه شيئًا فشيئًا لتصل في آخر المطاف إلى نقطة النهاية والذروة ، أي إنّ تلك الجلوات التوحيديّة وتلك الظهورات والفيوضات والأنوار كانت تُضاعف من شوق النفس إلى مبدئها ، فيشعر الإمام بأنّه قد اقترب من ذلك الموعد الذي ضرب له ، فحاله كمن أعطي موعدًا وهي يترقّبه ،
 ويحدّث نفسه قائلاً : الموعد هو في الساعة الثانية بعد الظهر أو الثالثة ، ولا يفصلني عنها سوى أربع ساعات ، ولقد سرنا بحمد الله إلى هذه المرحلة وقد صبرنا وصمدنا إلى أن بلغنا هذا النقطة ، لقد شملنا اللطف الإلهي إلى الآن ... لذا كانت كلمات الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء تدور على أساس التوحيد  : « رِضىً بقَضَائِكَ تسْلِيمًا لأمْرِكَ لا معْبُودَ سِوَاك‏ »  فهذه الكلمات ليست بالتي تناسب ميدان القتال وأرض المعركة ، ولكنّك ترى أنّ نفس الإمام كلّما كانت تقترب من مرتبة العبوديّة ، وكلّما اقترب الأمر من بلوغ منتهاه ، فإنّ حالة الشوق والرغبة والابتهاج تزداد وتتضاعف ، خلافًا لسائر الناس حيث تجد أنّهم إذا واجهوا [ خبر موتهم ] فإنّهم يعيشون الاضطراب أن ماذا سيحدث وماذا سيصيبنا ؟!  نعم لا شكّ أنّ الناس متفاوتون في ذلك، والذين كانوا هناك أيضًا كانوا متفاوتين ، ولكن ما وردنا عن الإمام عليه السلام أنّه كان على تلك الحالة ، لماذا  ؟  لأنّ نفسه صارت مستقرّة في مقام الطمأنينة ،  ومتمحّضة في مقام السكينة ومقام الأمن ، تتنزّل عليها الجلوات التوحيديّة ، لذا فهو يزداد بهجة وبشاشة مع كلّ قدم يقترب فيها : يفقد حضرة عليّ الأكبر ، ثمّ يفقد أصحابه الواحد تلو الآخر ، فيجد نفسه قد تنفّست وسكنت ، كلّ ذلك في عين رعاية جانب عالم الكثرة والاهتمام به [ و في عين شعوره بالألم لفقدهم ] ورغم التعلّق بالمظاهر والظواهر ـ  والذي هو من لوازم مقام الإمامة ومقام الجمع  ـ  فإنّه من جهة أخرى يرى أنّه  : ما شاء الله ها قد تجاوزنا التعلّق بحضرة عليّ الأكبر ! لقد  مضينا عن هذه المرحلة وقد ساعدنا الله على تجاوزها !  لقد جعلني الله أعبر وأتجاوز . لقد تجاوزنا حضرة عليّ الأصغر ، وتجازنا عن حبيب بن مظاهر أيضًا ، وكذلك تخلّينا عن أبي الفضل العبّاس خير الإخوان الذي لا يمكنك أن تعثر على ما يوازي ذّرة من ظِفره ..  لقد تخلّينا عن هذا أيضًا ، كما تخلّينا عن إخواننا وعن الأصحاب الذين كنّا نزورهم كلّ يوم في المدينة أوكنّا نأنس بذكرهم ، فهناك عبارات عجيبة حول بعض هؤلاء الأصحاب لسيّد الشهداء  رغم أنّ بعضهم كان في الكوفة ، كحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة ، فقد كان الإمام في المدينة ، ولكن ما هو ذلك الارتباط القلبيّ الذي كان يربطه بهم، بحيث كانت شهادة حبيب بن مظاهر ثقيلةً عليه حتّى كأنّ ركنًا من أركان الإمام عليه السلام قد انهدّ حين فقده يوم عاشوراء  ؟!
إنّ هذه هي الأمور التي تمثّل لديهم شؤون الدنيا ، فهي علاقات إلهيّة دنيّويّة ، والحقيقة أنّ هؤلاء دنياهم خير من آخرتنا ، فكيف بآخرتهم التي لا نعرف عنها شيئًا  ؟! ويقول الأولياء العظام أنّه عندما سقط حضرة حبيب بن مظاهر على الأرض فقد بدت آثار افتقاده على سيّد الشهداء ، فأيّ ارتباط وتعلّق كان عنده حتّى كان أثره كذلك  ؟! أفتتصوّرون أنّ اجتماع هؤلاء الأصحاب في يوم عاشوراء كان مصادفةً ، بحيث جاء هذا من هنا وذاك من هناك والآخر من وراء الجبال ، وآخر من الغار وآخر من البحار اتّفاقاً  ؟! 
هل كان الأمر كذلك ؟!  كلاّ  ، بل كان كلّ واحد منهم قدوةً وأنموذجًا ، فاجتمعوا وساهموا في وجود هذه الواقعة . 

ما هي الدرجة التي وُعدها الإمام الحسين عليه السلام ؟

أجل ، لقد كانت سيماء الإمام الحسين عليه السلام كذلك بسبب تمحّض تلك الحالة واشتدادها وتمكّنها ، واقترابها من تلك الحقائق التي كان يستشمّها ويلتفت إليها ويسعى إليها ممّا لا نعرفه ولا ندركه نحن ، بل ولا نعلم هو في أيّ عالم كان يسير ، لقد كان يقترب ويدنو من عالمٍ لا يتناهى ، ومن فضاءٍ رحبٍ لا حدّ له، ذاك العالم الذي قد وُعد بالوصول إليه وما عليه إلا أن يطوي هذا الطريق لكي يصل إلى مبتغاه  : « إنّ لك لدرجة لا تنالها إلا بالشهادة »    فلا بدّ أن تمضي وتسير ، ولا بدّ أن تستشهد لتنال تلك الدرجة .
ولقد كان سيّد الشهداء عليه السلام إمامًا حتّى بدون الاستشهاد ، فمن هنا نعلم أنّ هناك درجات أخرى وراء الإمامة ، ففي الحين الذي كان فيه عليه السلام إمامًا ، مع ذلك قيل له : « إنّ لك لدرجة لن تنالها إلا بالشهادة »  فما هي تلك الدرجة ؟! إنّها الدليل على عدم تناهي الحقائق الربوبيّة وعدم وجود حدّ لها ، وهي تكشف أنّ هناك من الحقائق ما لا تخطر لنا على بال ، فما هو أقصى تصوّركم أنتم عن الإمام ؟! يعني لو تجاوزنا عن النظريات الساذجة المطروحة حول الإمام ، من أنّ مصدر معلوماته صحيفةٌ ودفترٌ محفوظٌ في صندوق ينظر فيه كلّ يوم، ويرى ما هي الوقائع التي ستقع كلّ يوم، أو أنّه يتعلّم منها الأحكام، وأشباه ذلك من الخزعبلات التي تطرح .. لو تجاوزنا ذلك وسألنا عمّا يمكننا نحن أن ندركه بفهمنا الناقص ما هو  ؟ 
إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام: ،
 ولكن على الأقل عرفنا أنّ هناك شيئًا ما في هذا المجال ، لقد أرادوا أن يخبرونا أنّ هناك أشياء ومقامات بحيث أنّا وإن لم ندرك ما هي غير أنّا عرفنا وجودها وعنوانها ، ونسأل الله أن يرزقنا معرفتها كما رزق أولياءه وعرّفهم الأئمة ... نعم، الأولياء وحدهم لا غيرهم ، فهم وحدهم من يعرف حقيقة الأمر ، أمّا ما نفهمه نحن فهو أنّ وجود كافّة الكائنات هو بنفس الإمام عليه السلام ، أي أنّ ما سوى الله إنّما يقف على قدميه ويسير ويتحرّك بواسطة نفس الإمام عليه السلام ، ولولا وجود هذا الحبل لسيطر العدم على الجميع ولا يبقى سوى الله تعالى ، أي تعود تلك الحقيقة التي يعبّر عنها بـ « كان الله ولم يكن معه شيء » فلا يبقى سوى الله بغير إفاضة وبغير ظهور الآثار ، هذا هو دور الإمام  وهذه هي حقيقة الإمام الجواد وحقيقة الإمام السجّاد والإمام الباقر والإمام المجتبى عليهم السلام، ولكن الله يقول للإمام الحسين عليه السلام من بين سائر هؤلاء الأئمّة عليهم السلام : 
« إنّ لك لدرجة...  »   ففي الوقت الذي هو فيه إمام وقبل أن يمضي إلى كربلاء يقول الله له ذلك ، والمقصود هو ما قاله له رسول الله صلّى الله عليه وآله في تلك الرؤيا قبل مسيره ، ولا فرق بين ما يراه هؤلاء في اليقظة وما يرونه في المنام من المكاشفات ، وقد أخبره رسول الله حينها بأنّك لا بدّ أن تسير إلى كربلاء فإنّ لك درجة لا تنالها إلا بالشهادة؛ فهذا يعني أنّ هناك درجة أعلى من الإمامة، فما هي تلك الدرجة التي تفوق درجة الإمامة ؟! فهل تريد شيئًا آخر بعد كونك إمامًا  ؟! فالإنسان الذي يمثّل الواسطة بين الخلق والله ماذا يريد أرفع من ذلك ؟! هل هناك أرفع من ذلك  ؟! يعني : إنّ ما فهمناه نحن لا يعبّر عن حقيقة مقام الإمام ولا عن جزء من ألفٍ منها ، وما عندنا من الفهم والإدراك ليس إلاّ إدراكاً إجمالياً فقط ، ووراء هذا الإجمال هناك شيء آخر هو نفس حقيقة الإمامة التي تمتلكها [ أنت أيها الإمام  ومع ذلك هناك ما هو أرفع !! ] ؛ لذا ورد في الروايات أنّه يوم عاشوراء جاء الخطاب عبر جبرائيل أو غيره أنْ : إذا شئت فإنّ مقام الإمامة يبقى لك ،  وما عندك من مقام يبقى لك  ، ولكن لا تعطى مقام الشفاعة الكبرى ، فقال الإمام  : لا ، أنا أريد مقام الشفاعة للأمّة إلى جانب الإمامة . هل التفتّم ؟
ومن هنا تتضّح لنا الكثير من المطالب التي كان أولياء الله يطلقونها في ثنايا كلماتهم ، نحو قولهم  : إنّي مستعدّ لأن أتخلّى عن المقام الذي بلغته من الفناء والبقاء مقابل أن تبقى هذه الكتب التي كتبتها ، فماذا يريدون أن يقولوا ؟ وأي شيء يريدون أن يبيّنوا من كلامهم هذا ؟ يعني كيف نفهم قوله  : إنّي مستعدّ للتخلي عن الفناء والبقاء وكافّة المتاعب التي تحمّلتها للوصول إلى هنا ، يعني يتخلّى عن ذلك ويقول لله : تفضّل فأنا بعد أن وصلت إلى الفناء والبقاء ، أعيد إليك هذا الفناء وهذا البقاء . والآن نحن نتلفّظ بهاتين الكلمتين ونقول : " فناء وبقاء "، ولكنّنا لا نعلم شيئاً عن هذه الحقائق .. الفناء وما أدراك ما الفناء ؟ تلك المرتبة التي قد لا تجدها قد أعطيت في كلّ مائة سنة إلاّ لإنسان واحد من بين كلّ الخلائق ، وهو يأتي ويقول عن هذا الفناء : أنا مستعدّ لأن أتخلّى عنه دون كتبي . فما هي الحقيقة التي يدركها ؟! إنّها تلك المرتبة التي يقول عنها الإمام الحسين عليه السلام  : إنّي مستعدّ للتخلّي عن الإمامة لو استلزم الأمر ذلك ولكن لا أتخلّى عن مقام الشفاعة ، أي الشفاعة للأمّة ، ومن أجل ذلك فأنا مستعدّ للتخلّي عن كلّ شيء.. كلّ شيء ! إذ معنى كلامه أنّه مستعدّ للتخلّي عن كلّ شيءٍ !!
يعني واقعاً نحن لا نفهم هذا الكلام .. لذا نوصي الإخوة بأن يدقّقوا في مطالب المرحوم العلامة عند استماعهم لتسجيلاته وقراءتهم لكتبه أو بعض الكتب الأخرى ، وأن لا يتجاوزوا العبارة بشكل سريع ، فإن بين العبارات مطالب هامّة ومسائل قيّمة ، تفيد بأن هناك أموراً ومطالب غير ما درسناه وتعلّمناه في دروسنا وأبحاثنا ، بُيّنت بنحو الإشارة والكناية ، وعندما يتأمّل الإنسان يحتار فيها أنْ :
 ما هي القضيّة  ؟ وما هي حقيقة الأمر هنا ؟ يعني في عبارةٍ من عباراته يقول  : إن الإمام الحسين عليه السلام ضحّى بولده عليٍّ الأكبر حتى يهدينا أنا وأنت ويأخذ بأيدينا !
إنّ هذا الكلام لم يصدر مني ومن أمثالي ، بل ذكره شخص كان من الناحية العلميّة أفضل من أقرانه ، ومن ناحية الفهم فواضح ، ومن ناحية المراتب في ذاك العالم ... وعلى كل حال إنّ كان هناك من لا يعلم ، فنحن نعلم بأنّه لم يكن شخصاً عاديًّا .. ثمّ إنّ علياً الأكبر كان تالي تلو الإمام عليه السلام ، يعني لو لم تصل الإمامة إلى الإمام السجاد لوصلت إلى عليٍّ الأكبر ؛ حيث كان مثل الإمام ، عند ذلك يأتي الإمام الحسين عليه السلام ويضحي بعلي الأكبر لكي يأخذ بيدي ويدك .. ماذا يعني هذا الكلام  ؟! فهل كان عليٌّ الأكبر إنساناً عادياً  ؟! أم هل كان عالماً عادياً كسائر العلماء ؟ لقد كان إماماً  ، غاية الأمر أنّه لم يحز عنوان الإمامة ، هكذا كان هذا الشخص !! يعني أنّه وصل إلى تلك الحيثيّة بحيث أنّه أصبح قادراً على إيصال الفيض إل جميع ما سوى الله تعالى ، غاية الأمر أنّ هذا الجنبة قد وصلت إلى أخيه ! فإن مثل هذا الشخصيّة يقول السيّد العلاّمة عنه : إنّ الإمام الحسين عليه السلام قد ضحى به لكي يأخذ بأيدينا !
و كذلك نقرأ في زيارة الأربعين مثل هذا حتّى عن الإمام نفسه ، حيث يقول : " وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبَادَكَ مِنَ الْجَهَالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَة " . أجل فقد ضحى عليه السلام بقلبه وحياته وأراق دمه في سبيلك ، كل ذلك حتى يهدي عباد الله ! فما دخل الإمام الحسين عليه السلام في هداية الناس ؟! لو كنّا نحن مكانه لقلنا : الناس عباد الله ! دعهم وليحصل لهم ما يحصل ! علينا أن نهتمّ بأنفسنا ـ  لا أقول نهتم بوضع دنيانا بل بآخرتنا ـ  ألا نقول ذلك ؟! بلى ، فنحن نقول : أنا لن أدفن في قبره ، ولن يوسّد هو في قبري ! وبالتالي علينا أن نعمل بتكليفنا وعلى الآخرين أن يعملوا طبقاً لتكليفهم. أحياناً يسعى الإنسان لهداية شخصٍ ما طالباً بذلك أن يؤجره الله ويمنحه من فضله في مقابل ذلك! لكن هذا ليس بالأمر الصعب ! إذ أنّك قد أعطيتَ شيئاً وأخذتَ مقابله ، فمثلاً أعطيتَ وقتك لشخص وحللت مشكلته وأخذتَ على ذلك ثواباً ، وبالتالي فيكون حسابك قد وُفّي إليك !
حسناً ! أمّا الإمام فلم يأخذ شيئاً مقابل ما قدّمه سوى هداية الناس  ! فما هي الحيثية الموجودة في الإمام حتى يتكلم بهذا الكلام ؟! لا يمكن توجيه هذا الكلام إلا بالقول بأنّ الإمام عليه السلام في تلك الحال كان عبارةً عن تمثّل لوجود الباري تعالى نفسه ، يعني أن الحيثية الموجودة في الله تعالى لهداية عباده وإفاضة الفيض عليهم ، هذه الحيثية موجودة في الإمام الحسين عليه السلام في تلك الحالة ، وعند ذلك لا يعود للإمام الحسين جنبة خَلْقِيّة ، بل هناك يكون لديه جنبة ربّية ! هناك جنبة نزول مقام الخالقية ومقام الرازقية ومقام الواهبية ومقام الإعطاء وجميع الصفات الأخرى ... فلا بدّ أنّ الإمام عليه السلام كان واجداً لهذه الحيثيّة في ذلك الموقف حتّى يقول هذا الكلام ويفعل هذا الفعل ، وحتّى يتجاوز عن عليّ الأكبر ،  ويتجاوز عن عبد الله الرضيع ، ويتجاوز عن أبي الفضل العباس .. وما لم يكن لديه هذه الحالة لا يمكنه أن يفعل ذلك ! وهذا في الواقع فوق الإمامة .
 [ و حينما نلاحظ تصرّفات وأقوال أولياء الله ] نرى أنّ أولياء الله بدورهم عندهم إدراك لهذا المقام أيضاً ؛ فمن يقول : أنا مستعدّ للتخلّي عن حالة الفناء وحالة البقاء التي حصلتُ عليها ، لكن لا يمكنني التخلّي عن الكتب التي كتبتها ! من الواضح أنه قد وصل إدراكه إلى حالة وصار لديه مدركات مثل تلك .. والسرّ في ذلك أنّ هذا الولي هو تلميذ هذا الإمام .. أجل هو تلميذ هذا الأستاذ ، وأمّا إذا قلنا بأنّ أستاذه لم يعلّمه هذا الأمر فلن يكون أستاذاً له ! هل التفتّم ؟ إذن لقد حصل على هذا الأمر من الإمام الحسين عليه السلام .
فإذا فهمنا ذلك ، علينا أن نعلم بأنّه إذا قمنا بعمل يوجب هداية وإرشاد شخص ، فما الذي نكون قد فعلناه في الواقع  ؟! وإذا  ـ  لا قدّر الله لا قدر الله ـ  قمنا بعمل يوجب إغواء وإضلال الناس وتخلّيهم عن الدين وابتعادهم ، فما الذي نكون قد فعلناه ؟! كما لو أنّ شاباً كان يصلّي ، فقمنا بعمل أدّى به إلى ترك الصلاة ! أو لوكان يحافظ على الصوم ، فإذا به يقول [ بسبب ما فعلناه ] : لا أريد الصوم من الآن فصاعداً ! لقد تركت لكم الصلاة والصوم . هل التفتّم ؟! عندئذٍ إلى أين ستصل القضية ؟
وهنا يقول رسول الله لعلي صلوات الله عليهما وآلهما : " يا علي ! لإِن يهدي الله على يديك نسمة خير مما طلعت عليه الشمس " ، يعني أنّ هداية شخصٍ واحد أفضل من كلّ ما خلق الله تعالى، لماذا ؟  لأنّك تصير عندئذٍ مظهرًا لاسم الهادي .

إحياء الذكر هو بالاستقامة على منهج أهل البيت، لا بالتأويل و التوجيه

هذا هو معنى الذكر، وهو المراد في قوله تعالى: ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ، وكذلك في كلام الإمام الصادق عليه السلام : " رحم الله من أحيا ذكرنا  " ، يعني أنّ الحقيقة التي نسعى وراءها والتي أتينا لأجلها ، وتحمّلنا بسببها المصائب والمحن في هذه الدنيا ، وحافظنا على استقامتنا رغم كلّ ما واجهناه ، وكذلك استقام شيعتنا التابعون لنا .    هذه المسيرة ينبغي أن تستمرّ وتبقى من خلال شيعتنا ، فعليهم أن يستمروا في بيان هذه المسائل والأمور ، ويستمروا في بيان الحقّ للناس ، لا العمل على التوجيه والتأويل ، عليهم أن يبينوا الحقّ لا أن يؤولوا الباطل ويوجّهوه!! 
ولا تتصوّروا بأنّ التوجيه أمر مهم أو صعب ، كلاّ ! فهناك الكثير من القادرين على ذلك بين الناس ، وبين الخطباء ، وبين الكتّاب ، وبين الأشخاص الذين يعملون على إظهار الأبيض أسوداً والأسود أبيضاً للناس ، وهذا ليس صعباً ، بل هو بحاجة إلى ذهن جوّال ولسان طلق فقط ، بالإضافة إلى حنك متحرّك ، وبعد ذلك تحدّث وتحدّث .. هذا غاية ما يحتاجه فقط   [ فإن أردت أن تكون من هؤلاء ] ليس عليك إلاّ أن تعدّ حنكك للتكلم ساعتين قبل أن تتحدّث ، ثم تأتي وتشرع بالحديث ! وهذا موجود متوفّر ، ولكن اعلم أنّ مثل هذا سيُلقى بعد ذلك في قعر جهنم ؛ فهو في ظلمة خالصة .. أولئك الذين كانوا يوجّهون الباطل للناس  ويؤوّلونه ، وهم موجودون سابقاً وحاضراً وفي المستقبل .. هؤلاء في ظلمة محضة .
و لكن هناك قسمٌ آخر وهو من يأتي في وسط هذه المعمعة لينظر ماذا قال الإمام الصادق عليه السلام ، ولا يحاول أن يخدع نفسه ، ولا أن يخفي رأسه في الرمال ، بل يأتي ويبيّن الواقع والحقيقة للناس ، والله تعالى يساعده .  هذا هو معنى 
" رحم الله من أحيا ذكرنا  " .
وإلاّ ، أفلم يكن مثل هؤلاء العلماء في زمن بني أميّة وبني العباس ، فكانوا ينزّلون الحكّام منزلة رسول الله ويجلسونهم مكانه ؟! ولو لم يجلسوهم مكانه ، لما أتى الناس فصلّوا خلف هؤلاء الحكّام الجائرين ! ولما حجّوا معهم ! ألم يكن مثل هؤلاء العلماء في زمن بني أمية وبني مروان وبني العباس ؟! بل كانوا ، وكانوا يعملون على توجيه المسائل والتصرّفات الخاطئة، وإذا وقعوا في مشكلة يقولون : لا تسأل عن هذه المسألة ! هذه ليست لنا ! لا تتكلّم في هذا الموضوع ! لماذا تتحدث بهذا الأمر ؟!
يا هذا ، ويحك لماذا تنهانا عن السؤال والتحقيق ؟ وماذا يعني قولك : هذا لا علاقة لنا به ، ولا تتكلّم في هذا الموضوع ؟! بل على الإنسان أن يسأل ويفهم ويحقّق في الأمر حتّى آخره !! فهل لدينا نحن الشيعة " لا تسأل عن هذه المسألة " أو "يُمنع السؤال عن هذا الموضوع" ؟! كلاّ  ، بل لدينا أن تطرح كل ما لديك من أسئلة ، فإن لم يكن عندي جواب  ، فسوف أقول 
:
 لا أدري  ! لا أعلم ! ولكنّنا لا نؤوّل ولا نوجّه .
كنت في مجلس في زمان المرحوم العلامة ، فقيل لي : لقد فعل والدك الأمر الفلانيّ في الموقف الفلاني [  و قد أخطأ في ذلك ] ! وعادتنا أنّه لو حصلت مثل هذه المسألة مع أحدنا لقمنا بضرب هذا المتكلّم مباشرة ، ولكنّني قلت له : حسناً سوف أحقّق في هذه المسألة ، فذهبت وتفحّصت عنها ، فرأيت أنّها كذب ، وما حصل هو سوء في الفهم ليس إلاّ ، فأتيت وبيّنت الحقيقة له دون أن يحصل أيّ تلاسن أو مشكلة في البين . لماذا ؟ لأنّ هذا هو الطريق الصحيح ! وإذا كان طريق صحيحاً فلماذا تخاف ؟ أمّا من يبدأ بالسباب والصراخ وافتعال المشاكل فهذا بسبب أنّ طريقه خاطئ ، وذاك الذي يعمل على التأويل والتوجيه والاتّهام والافتراء فليس في يده شيء !
لقد رأيتم كيف تعاملنا مع الأمور التي جرت لنا في هذه المدّة وما جرى بعد وفاة المرحوم العلاّمة ، 
لقد قلت : أنا على استعداد أن أجري محاورة ، لماذا ؟ لأننا لن نخسر شيئاً ! إذ ما الذي سنخسره ؟ لم ندّع شيئاً حتى نخسره ! أما من ادّعى فيخاف أن يخسر شيئاً ، ولذا هو يبدأ بالتوجيه والقول : ليس من الصلاح ذلك ، والآن ليس الوقت مناسبًا  ، فالجو بارد ولنصبر حتى يدفأ ، وما إلى ذلك من كلام ..
إذا قيل لنا : إن الكلام الذي ذكرتموه كان خطأ ! نقول  : نعم لقد أخطأنا ، ونحن نسحب هذا الكلام ، ونستبدله بالكلام الصحيح ! ماذا بعد ؟! لم نخسر شيئاً ! من يكون طريقه صحيحاً لا يخشى من شيء ، بالإضافة إلى أنّنا لا ندّعي العصمة لأنفسنا ، ومن يدّعي العصمة فليأت لنس
أله سؤالين ، وبعد ذلك يتبيّن هل هو معصوم أم لا ؟ صحيح ؟ هذا الإنسان يكون في راحة .

أيّام عاشوراء أيّام خاصّة و لها جوّ خاصّ ينبغي الاستفادة منه

في أيّام عاشوراء كان العظماء يذكرون بأنّه يحصل تغيير وتحوّل في الفضاء والجوّ العام في هذه الأيام . وهذا التحول ليس بواسطتي  ـ  أنا المتكلم  ـ  ولا بواسطتك أنت السامع ، بل إنّ الإمام الحسين عليه السلام ، شئت أم أبيت ، يعمل على إيجاد تحوّل في هذه الدنيا ، وهذا ليس مرتبطاً بنا ، ولا مرتبطاً بإيران ولا بالعراق ، فحتّى في أمريكا وأستراليا كذلك ، ولو كنّا في القمر أيام عاشوراء لظهر لنا تبدّل هناك أيضاً ، فأيام محرّم على القمر تختلف عن سائر الأيّام هناك ، وكذا خارج المنظومة الشمسية الأمر كذلك ، فهذه الأيام هي هي ، سواء في المنظومة الشمسية أم في خارجها .. هذا الفضاء يتغيّر وهذه الحالة تتبدّل ، والإنسان يفهم بأنّ هناك تبدّلاً ، والحيوانات والنباتات تتغير بذلك ، بل جميع العالم يتأثّر أيضاً . وهنا ، ينبغي على مبلّغي الدين أن يستفيدوا من هذا التغير والتحوّل الذي يحصل ، يعني أن يستفيد المبلّغ الديني من الفضاء ومن الأحوال التي تتغيّر ويستغلّ هذه الفرصة .

***********************


***********************

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم