صوم أهل الشريعه والطريقه والحقيقه

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد 


صوم أهل الشريعه والطريقه والحقيقه 

صوم أهل الشريعه :

الصوم عندهم عباره عن الإمساك عن أشياء مخصوصه بزمان مخصوص ، ومن صحة الصوم النيه ، فإن كان الصوم متعيناً بزمان مخصوص على كل حال مثل شهر رمضان والنذر المعين فيكفي فيه نية القربه ( مطلق النيه ) دون نية تعين ،  وإن لم يكن متعيناً احتاج الى نية التعيين ، وذلك كل صوم عدا شهر رمضان نفلاً كان أو واجباً .
ونية القربه يجوز أن تكون متقدمه ، ونية التعيين لابد من إن  يكون مقارنه ( وقتها ) فإن فاتت  ( نسياناً ) الى أن يصبح جاز تجديدها الى زوال الشمس فإذا زالت فقد فات وقتها ، فإن كان صوم شهر رمضان صام ذلك اليوم وقضى بدله .
ولهذا الصوم أقسام وشرائط وأحكام  ، ونختصر منها على بيان ما يلزم منه القضاء والكفاره ، وعلى ما يلزم القضاء دون الكفاره :
فما يوجب القضاء  والكفاره تسعة أشياء :
الأكل ، والشرب  ، والجماع في الفرج ، وإنزال الماء الدافق عامدأ ، والكذب  على الله وعلى رسوله والأئمه " عليهم الصلاة والسلام " متعمداً ، والإرتماس في الماء عند البعض ، وأيضاً الغبار الغليظ متعمداً ، مثل غبار الدقيق أو غبار النفض وما جرى مجراه ، والمقام على الجنابه متعمداً حتى يطلع الفجر ، ومعاودة النوم بعد انتباهتين حتى يطلع الفجر .
والكفاره عتق رقبه ، أو صيام شهرين متتابعين  ، أو إطعام ستين مسكيناً ، مخيراً في ذلك .
وأما ما يوجب القضاء دون الكفاره فثمانية أشياء :
الإقدام على الأكل والشرب ، أو الجماع قبل أن يرصد الفجر مع القدره عليه ويكون طالعاً وترك القبول عمن قال : إن الفجر  قد طلع ولإقدام على تناول ما ذكرناه ويكون الفجر قد طلع ، وتقليد الغير في دخول الليل مع القدره على مراعاته والإقدام على الإفطار ولم يدخل ، وكذلك الإفطار لعارض يعرض في السماء من ظلمه ثم تبين أن الليل لم يدخل  (قولنا الإقدام على الإفطار لعارض  ،  أقول : 
الظاهر أنه لا يجب يجب القضاء عليه كما  لا تجب  الكفاره بالأولويه ، لصحيح  زراره قال :  قال أبو جعفر الصادق " عليه السلام " : " وقت المغرب إذا غاب القرص  ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت ، أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئاً " . ومعاودة النوم بعد انتباهه واحده قبل أن يغتسل من جنابه ولم ينتبه حتى  يطلع الفجر ، ودخول الماء  الى الحلق لمن تبرد بتناوله دون  المضمضه للصلاة ، هذا صوم أهل الشريعه على طريق أهل البيت " عليهم السلام " .

وأما صوم أهل الطريقه :

فالصوم عندهم بعد قيامهم بالصوم المذكور عباره عن إمساكهم عن كل ما يخالف رضا الله وأوامره ونواهيه قولاً كان أو فعلاً .
قيمة الصوم عند الله سبحانه وتعالى : 
إن رسول الله " صل الله واله " قال مروياً عن الله تعالى إنه قال : " لكل حسنه بعشر أمثالها الى سبع مائة ضعف إلا الصوم ، فإنه لي وأنا  أجزي به " وقال النبي " صل الله عليه واله " : " لكل شيء باب وباب العباده الصوم " .
وخصوصية الصوم بهذه الخصال وذكره يهذا التعظيم والإجلال عند النظر الصحيح ليس إلا لأمرين :
أحدهما : أنه يرجع الى الكف من المحارم ومنع النفس من الشهوات ، والى أنه عمل  سري لا يطلع عليه  غير  الله ، دون الصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات ، فإنه يمكن إطلاع الغير  عليها ، ويمكن دخول الرياء والعجب فيها ، اللذان هما سببان عظيمان لإبطال العبادات وإحباط الطاعات لقوله تعالى : 
" فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً " .
أما الإمساك عندهم فعلى قسمين : قسم يتعلق بالظاهر وقسم يتعلق بالباطن .
الإمساك الظاهر هو أمساك اللسان عن فضول الكلام وعن كل ما يخالف رضا الله تعالى وإرادته من الأوامر والنواهي ، قال النبي " صل الله عليه واله " :
" من صمت نجا " والحكمه في ذلك أن صمت الظاهر من القول باللسان سبب لنطق الباطن والقول بالجنان ، ولهذا إذا سكتت مريم " عليها السلام " من القول باللسان نطق عيسى " عليه السلام " في المهد بالبيان ، ودعوى خلافة الرحمن ، فافهم جداً فإنه دقيق .
فأما الامساك الثاني فإمساك البصر عن مشاهدة المحرمات والمنهيات مطلقاً ، وعن المحللات والمباحات إلا بقدر الضروره ، لأن الورع والتقوى ليس في الإجتناب والإحتراز عن المحرمات والمنهيات فقط ، بل عن المحللات والمباحات إلا بقدر الحاجه والضروره والى هذا المعنى أشار  الحق في قوله : 
" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " لأن غض الأبصار  لازم لحفظ الفروج في الأغلب ، لأن من لم يشاهد الشيء لم  تطلب نفسه منه ولا يكون له ميل اليه .
أما الإمساك الثالث فإمساك السمع عن استماع ما حرم الله تعالى عليه وعلى  المكلفين مطلقاً ، كالغيبه للمسلم واستماع التغني بالحرام ، واستماع كلام أهل الضلال والفسقه من أهل البدع الذي يكون سبب انحرافه عن طريق الحق والدين القويم والصراط لقوله تعالى فيه : " وإذا رأيت الذين يخضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخضوا في حديث غيره " .
وأما الإمساك الرابع : إمساك الحواس عن ما يهيج الشهوه ، فإمساك الشم عن رائحه خبيثه أو طيبه ، أما الخبيثه فلأنها توجب النفر والكراهه ( الكراهيه ) في الطبع ، بل يؤذي منها أعظم الجوارح وأشرفها  كالكبد والدماغ والقلب . 
وأما الطيبه فلأنها مهيجه الى الشهوات محرمه كانت أو محلله ، كالمسك والعبير والعنبر وأمثال ذلك ، وقد ورد أن النبي " صل الله عليه واله " كان يكره الثوم والبصل  ويحب الورد والنرجس وأمثالها كما قال " صل الله عليه واله " : " حبب الي من دنياكم ثلاث : الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة " .
وأما الإمساك الخامس ، فإمساك الذوق من أن يذوق  شيئاً يجذبه الى الشهوات أو الى إزالة العقل كالمسكرات المعلومه وغيرها كمال اليتيم والربا لقوله تعالى في الاول : "  ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " ، ولقوله في الثاني : " الذين يأكلون الربا  لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " .
إشاره الى الاعتدال في المأكول والمشروب المتعلقان بالذوق لئلا يصل الى حال الافراط والتفريط المذمومان مطلقاً المعبر عنهما باليمين والشمال لقوله  " عليه السلام " : " اليمين والشمال مضلتان والطريق المستقيم هي الوسطى " .
وأما الإمساك السادس : إستعمال الأعضاء فيما خلقت لأجله ، فإمساك اللمس عن لمس شيء يجذبه الى المحرمات المذمومه أو الى المحللات المفرطه الخارجه عن حد الاعتدال لقوله تعالى فيه وفي غيره من الحواس : "  وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم  ولا أبصاركم ولا جلودكم " حتى إذا : " قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء " ولقوله  : " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " .
ونظراً الى هذه الحواس التي هي رعايا الشخص وأعوانه وأفعاله وأقواله وتحصيل كمالاته قال النبي " صل الله عليه واله " : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " .
يعني كلكم راع وحاكم وسلطان بالنسبه الى رعاياكم التي هي حواسكم  وقواكم ، وكلكم غداً تكونون من الذين تسئل عنهم وعن استعمالهم ، فإن استعملتموهم في الذي خلقوا لأجله فإنتم معدودون في أهل العدل والقسط ، ومرجعكم الى الجنه والرحمه ، وإن استعملتموهم في غير الذي خلقوا لأجله فأنتم في أهل الظلم والجور  والعدوان . 
وقد أمر الحق تعالى لتنظيف هذه الحواس واستعمالها في موضعها أمر بالطهاره المذكوره من الوضوء  والغسل والتيمم ولقوله فيه : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى الكعبين وأن كنتم جنباً الى آخر الآيه الشريفه " .
لئلا يغفل  العبد عن هذه ويقوم بوظائف الطهاره بحسب الشرع الظاهر ، وبحسب باطن الشرع في الباطن كما ورد عن بعض الأئمه " عليهم السلام " في تفسير قوله تعالى : " وأن المساجد لله فلا تدعوا  مع الله أحداً " .
إنه تعالى أراد بالمساجد المساجد السبعه من الأعضاء الظاهره كالجبهه ، واليدين ، والركبتين ، والرجلين ، ومعناه أن هذه المساجد هي ملكه  وخلقه وعبيده ، فلا تصرفوها في غير مرضاته  وغير ما خلقوا لأجله .

في بيان إمساك الحواس الخمسه الباطنه 

بالنسبه الى الحواس الخمسه الباطنه : 
فالإمساك الأول : إمساك القوه المفكره عن الفكر في الأمور الغير النافعه ، أو العائده الى صلاح معاده ومرجعه ، لأن القوه المفكره ما خلقت إلا لأجل سير الانسان بها من المبادي الى المقاصد المسماة عند المتكلمين فالقوه المفكره صرفها فيما خلق لأجله أولى وأنفع ، لأنها لو صرفت في غيره يلزم اتصاف صاحبها بالظلم .
وأما الإمساك الثاني : فالإمساك عن صرف القوه الحافظه إلا فيما خلقت لأجله ، وهو حفظ المعارف الإلهيه والعلوم العقليه وما شاكل ذلك .
وأم الإمساك الثالث : فالإمساك عن صرف القوه المتخيله إلا فيما خلقت لأجله وهو تصور صور الشخص  ، والقوه المتخيله تعرض كل ساعه على صاحبها الاشخاص الكثيره والصور المتنوعه ، ويمنعها عن تخيل فيما خلق لأجله لأن هذا شغله .
وأما الإمساك الرابع : فإمساك  القوه الوهميه عن عرض عداوة طائفه ، كل ساعه على النفس وعرض محبة طائفه أخرى كذلك ، فإن ذلك يمنع النفس عن الاستقامه على الطريق المستقيم والتوجه الى الدين القويم الذي هو التوحيد الحقيقي المانع عن أمثال ذلك .

وأما صوم أهل الحقيقه 

بعد قيامهم بالصومين المذكورين فهو عباره عن إمساك العارف عن مشاهدة غير الحق تعالى مطلقاً بحكم قولهم : " ليس في الوجود سوى الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فالكل هو وبه ومنه واليه " .
عندهم أهل العرفان أن كل من لم يمسك نفسه عن مشاهدة الغير مطلقاً فهو مشرك ، والمشرك لا يصح صومه ولا صلاته ، لأن الاصل في الصوم الطهاره الباطنيه من رجس الشرك وخبث رؤية الغير بماء التوحيد ونور الايمان . وقد أشار الى الشرك الخفي قول النبي " صل الله عليه واله " : " دبيب الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمله السوداء على الصخره الصماء في الليله الظلماء " .
وفي الشرك الجلي والخفي معاً ، وكذلك في التوحيد الألوهي والوجودي معاً  ورد : " إن  توحيد ساعه واحده يفني كفر سبعين سنه ، وكفر ساعه واحده يفني إسلام سبعين سنه " لأن اجتماعهما من المستحيلات عقلاً ونقلاً كما قيل : " النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان " .
والفرق بين صوم أهل الطريقه  وصوم أهل الحقيقه :
أن الأول سبب لتهذيب الأخلاق والأتصاف بصفات الحق لقوله : " تخلقوا بأخلاق الله " .
والثاني سبب لفناء العبد وبقاءه بالحق في مقام التوحيد الصرف المعبر عنه بالفناء في التوحيد .
والحمد لله رب العالمين 



***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم