النبوه والولايه

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد


النبوه والولايه

الانسان الذي هو خليفة الله في أرضه ، والمقصود من خلقه ، إما نبي أو ولي .
والنبي : إما رسول أو غيره .
والولي : إما إمام أو غيره .
وإنما ينقسم بهذه الأقسام بسبب اختلاف طرق تحصيله للعلم ، فإن حصول العلوم - التي ليست بضروريه في باطن الانسان - إنما يكون بوجوه مختلفه .
فتاره يكون بالاكتساب والتعلم ، ويسمى استبصاراً  واعتباراً ، وهو طريق أهل النظر من العلماء والحكماء .
وتاره تهجم عليه كأنه ألقي اليه من حيث لا يدري ، سواء كان عقيب طلب وشوق أو لا ، وسواء كان مع الاطلاع على السبب المفيد له أو لا ، فإنه قد يكون بمشاهدة الملك الملهم للحقائق من قبل الله وسماع حديثه ، وقد يكون بمجرد السماع من غير رؤيه ، وقد يكون بنفثه في الروع من غير سماع  فينكت في القلب نكتاً ، أو يلهم إلهاماً وربما يكون الهجوم في النوم كما يكون في اليقظه .
والمشاهده يختص بها الأنبياء والرسل " صلوات الله عليهم " والحديث يكون لأوصيائهم أيضاً .
ثم النبي يوحى إليه بالعمل ، والرسول يوحى إليه بالعمل والتبليغ .
والولي يحدثه الملك ، أو يلهم إلهاماً بالعمل ، والامام يحدثه الملك بالعمل والتبليغ .
فكل رسول نبي ولا عكس ، وكل رسول أو نبي أو أمام فهو ولي ومحدث ولا عكس ، وكل رسول أمام ولا عكس ، ولا نبي إلأ وولايته أقدم على نبوته ، ولا رسول إلأ ونبوته أقدم على رسالته ، ولا أمام إلأ وولايته أقدم على أمامته .
والولايه باطن النبوه ، والإمامه والنبوه باطن الرساله ، وباطن كل شيء أشرف وأعظم من ظاهره ، لأن الظاهر محتاج الى الباطن ، والباطن مستغن عن الظاهر ، ولأن الباطن أقرب الى الحق فكل مرتبه من المراتب المذكوره أعظم من لاحقتها وأشرف .
وأيضاً فإن كلاً من النبوه والولايه صادره عن الله تعالى ، ومتعلقه بالله ، وكلاً من الرساله والإمامه صادره عن الله ومتعلقه بعباد الله ، فيكون الأوليان أفضل .
وأيضاً كل من الرساله والإمامه متعلق بمصلحة الوقت ، والنبوه والولايه لا تعلق لهما بوقت دون وقت ، ومع ذلك كله فليس يجب أن يكون الولي أعظم من النبي ولا من الرسول ولا من الإمام ، ولا النبي أعظم من الرسول ، بل الأمر في الكل بالعكس في ولي يتبع نبياً أو رسولاً أو أماماً ، أو نبي يتبع رسولاً ، لأن لكل من النبي والإمام مرتبتين ، وللرساله ثلاث مراتب ، وللولي مرتبه واحده .
فمن قال : إن الولي فوق النبي فإنما يعني بذلك في شخص واحد ، بمعنى أن النبي من حيث إنه ولي أشرف منه من حيث إنه نبي ورسول .
وكذا الإمام من حيث إنه ولي أشرف منه من حيث إنه أمام ،
كيف يكون الولي أفضل من النبي مطلقاً ، ولا ولي إلأ وهو تابع لنبي أو إمام ، والتابع لا يدرك المتبوع أبداً ، فيما هو تابع له فيه ، إذ لو أدركه لم يكن تابعاً  ؟
نعم قد يكون ولي أفضل من نبي ، إذا  لم يكن تابعاً له ، كما كان أمير المؤمنين " عليه السلام " أعظم من جميع الأنبياء والأولياء بعد نبيناً " صل الله عليه واله " وكذا أولاده المعصومون " عليهم السلام " .
اعلم : لكل من النبوه والولايه اعتباران ، اعتبار الإطلاق واعتبار التقييد ، أي العام والخاص .
والنبوه المطلقه : هي النبوه الحقيقيه الحاصله في الأزل الباقيه الى الأبد ، وهو اطلاع النبي المخصوص بها على استعداد جميع الموجودات بحسب ذواتها وماهياتها ، وإعطاء كل ذي حق حقه الذي يطلبه بلسان استعداده من حيث الإنباء الذاتي والتعليم الحقيقي الأزلي .
وصاحب هذا المقام هو الموسوم بالخليفه الأعظم ، وقطب الأقطاب ، والإنسان الكامل ، وآدم الحقيقي ، المعبر عنه ب ( القلم الأعلى ) و ( العقل الأول ) و ( الروح الأعظم ) واليه الإشاره بقوله " صل الله عليه واله " : ( أول ما خلق الله نوري ) و ( كنت نبياً وآدم بين الماء والطين ) ونحو ذلك  ، واليه  استندت كل العلوم والأعمال ، واليه تنتهي جميع المراتب والمقامات نبياً كان أو ولياً ، رسولاً كان أو وصياً .
وباطن  هذه النبوه هي الولايه المطلقه ، وهي عباره عن حصول مجموع هذه الكمالات بحسب الباطن في الأزل وإبقائها الى الأبد ، ويرجع الى فناء العبد في الحق وبقائه به واليه الاشاره بقوله " صل الله عليه واله " ( أنا وعلي من نور واحد ، وخلق الله روحي وروح علي بن ابي طالب قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ، وبعث علي مع كل نبي سراً ، ومعي جهراً ) .
ويقول أمير المؤمنين " عليه السلام " ( كنت ولياً وآدم بين الماء والطين ) .
وقوله ( أنا وجه الله ، وأنا جنب الله ، وأنا يد الله ، وأنا القلم الأعلى ، وأنا اللوح المحفوض ) الى آخر ما قاله في خطبة البيان وغيرها.
والنبوه المقيده : هي الإخبار عن الحقائق الإلهيه ، أي معرفة ذات الله وأسمائه وصفاته وأحكامه ، فإن ضمّ معه تبليغ الأحكام والتأدب بالاخلاق والتعليم بالحكمه والقيام بالسياسه ، فهي النبوه التشريعيه وتختص بالرساله /، وقس عليها الولايه المقيده .
فكل من النبوه والولايه من حيث هي صفه إلهيه مطلقه ، ومن حيث استنادها الى الأنبياء والأولياء مقيده ، والمقيد مقوم بالمطلق ، والمطلق ظاهر في المقيد ، فنبوة الأنبياء كلهم جزئيات النبوه المطلقه ، وكذلك ولاية الأولياء جزئيات الولايه المطلقه .
وخاتم النبوه المطلقه نبينا " صل الله عليه واله " وخاتم الولايه المطلقه هو مولانا أمير المؤمنين " صلوات الله عليه " فإإنهما كنفس واحده .
والنبوه المقيده أنّما كملت وبلغت غايتها بالتدريج ، فأصلها تمهد بآدم " عليه السلام "  ولم تزل تنمو وتكمل حتى بلغ كمالها الى نبينا " صل الله عليه واله " ، ولهذا كان خاتم النبيين واليه الاشاره بما روي عنه " صل الله عليه واله " أنه قال : ( مثل النبوه مثل دار معموره لم يبق فيها إلأ موضع لبنه ، وكنت أنا تلك اللبنه ) .
وكذلك الولايه المقيده إنّما تدرجت الى الكمال حتى بلغت غايتها الى المهدي الموعود ظهوره الذي هو صاحب الأمر في هذا العصر وبقية الله اليوم في بلاده وعباده " صلوات الله وسلامه عليه " وعلى آبائه المعصومين .
والحمد لله رب العالمين 

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم