أوقات الفراغ

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد


أوقات الفراغ

نسأل أولاً هذا السؤال :
هل هناك شيء إسمه وقت الفراغ ؟؟!!
نستطيع أن نقول : لا , لأنّ الانسان حينما يفرغ من عمل ما , فإنّه سينشغل بعمل آخر ربما أقل أهميه , وربما أكثر أهميه , فحتى اللعب هو لون من الوان العمل غير المنتج , وقد يكون منتجاً في مردوده النفسي على اللاعب .
وعلى أية حال , فإن الاسلام يعطي للانسان الساعه التي يروح فيها عن نفسه وعن أهله ويمارس فيها ملذاته , بل يعطي لهذه الساعه قيمه  وأهميه كبيره لأنها المعينه على ساعات العمل والعباده .
لكن الفراغ الذي نتحدث عنه هو ليس هذا , وإنما هو الوقت الضائع المضيع , أي الوقت الذي يتهاون فيه الشاب أو الشابه في مسؤوليتهما الحياتيه والرساليه , فيعيشان حاله من الوقت العابث السلبي العاطل غير النافع .
وغالباً ما يقع الفراغ حينما نبعثر أوقاتنا ونتركها رهن الفوضى , وعندما نجهل قيمة الوقت في أنه يمكن أن يكون فرصه لطلب العلم ,
أو فرصه لتعلم مهاره جديده , أو فرصه لتصحيح مفاهيم خاطئه , أو فرصه لنفع عباد الله , أو فرصه لقضاء حاجة  مؤمن , أو فرصه للاطلاع على قضايا عالمنا الاسلامي , أو فرصه لتنمية ما اكتسبناه من معارف سابقه , أو فرصه للتعرف على أخ في الله جديد , أو فرصه لتوطيد علاقه قديمه مع صديق , وهكذا . حتى لقد اعتبرالوقت غير المستمثر خارج نطاق العمر , ذلك أن العمر الحقيقي  هو عمر المزرعه الذي ورد في الحديث : ( فهل من عاقل من لديه أرض واسعه وصالحه للزراعه ويتركها بوراً ؟! )
يقول أحد العلماء : إنني أقرأ كثيراً فإذا ما تعبت من القراءه فإنني أستريح بالقراءه , وقد فسر ذلك بقوله : أنني أميل لقراءة الكتب العلميه الدسمه , لكنني حين أتعب من قراءها ألتجأ الى قراءة الكتب الادبيه أو التاريخيه لأخفف من تعب القراءه العلميه .
أنظر الى من حولك ... ألا تحترم ذاك الذي يقف  في انتظار دوره أمام دكان , أو بانتظار الحافله , أو عند الطبيب وتراه حاملاً كتابه يقرأ فيه ؟! .
ألا تحترم من يستذكر في أثناء طريقه قصيده  حفظها , أو سوره من القرآن لا يريد أن ينساها , أو يردد بعض الاذكار التي تزيد من ارتباطه بالله سبحانه وتعالى ؟! .
ألا تكن الاحترام والتقدير لمن يحمل في جيبه دفتراً صغيراً يدون فيه حكمه قرأها في صحيفه , أو معلومه حصل عليها بالصدفه , أو رقماً مهماً عثر عليه هنا وهناك يعينه في الاستشهاد به والتدليل على ما يقوله , أو يسجل فكره طرأت على ذهنه ويحاذر أن تفوته أو ينساها ؟
إن أجهزة الهاتف التي تلحق بها مسجله لاستلام الرسائل الصوتيه , ومفكرات الحائط التي توضع عند أبواب بعض المنازل  يسجل عليها الزائر ملاحظاته حينما لا يجد صاحب المنزل , دليل على اهتمام صاحبها بما يجري في غيابه .
وإن الذي يطالع الصحف يومياً ويتابع نشرات الاخبار يومياً , ويزور هذا الموقع على شبكة المعلومات ( الانترنيت ) أو ليتعرف على ما يجري من حوله في عالم متغير , هو أنسان حريص على أن لا يلقي وقته كورقه مهمله في سلة المهملات , أنه يشعر بالانقطاع عن العالم إذا لم يواكب حركة العالم , ولو حصل وانقطعت متابعته لشعر بالغربه أو بالوحشه أو بفقدان شيء ثمين .
لقد اكتشف أبناء إحدى القرى الامريكيه إمرأه أمّيه تعلمت القراءه والكتابه في وقت متأخر وبدون معلم , وحينما سئلت قالت : لقد شعرت بوقت ثمين جداً ضاع منّي فحاولت تعويضه , ولذا كنت أسترق السمع والنظر الى ابنتي الصغيره وكنت ألتهم معها كل دروسها !
لذا ينبغي أن تسقط العبارات التاليه من قاموس حياتنا :
- لم يعد في العمر متسع ... لقد شخت وتعذّر القيام بذلك .
- ما فائدة العمل الآن .... لقد ضاعت فرص كثيره  .... أن الحظ يعاكسني دائماً .
- لقد سبقني الى ذلك كثيرون .. لم يعد لي مكان .
- جربت وفشلت لا داعي لتكرار التجربه .. الخ .
علينا أن نستبدل تلك العبارات بالعباره التاليه : هناك دائماً وقت للعمل قبل الموت .
أمّا مقولة ( تعويض الوقت الضائع ) فهي غير دقيقه , فالوقت الضائع لا يعوض , والأداء غير القضاء , والتمني أن يعود الشباب بعدما ترحل أيامه أمنيه كاذبه يرددها الشعراء ولا إمكانيه لتحققها في الواقع , وما فات مات , ولكن يمكن للشاب أو الشابه أن يتفاديا المزيد من التقصير , والمزيد من التضييع بأن يعضّا بأسنانهما على المتبقي من الاوقات فلا يدعانها نهب اللهو والعبث والارسترخاء العاطل .
لقد ثبت بالتجربه أن الكسل والبطاله والفراغ عوامل داعيه للانحراف والفساد , وفي ذلك يقول الشاعر :
إن الشباب والفراغ والجدة   ....  مفسدة للمرء أيّ مفسده
وينبغي بعد ذلك أن نفرق بين فراغ لا فائده فيه , وتفرغ للمراجعه والنقد الذاتي  والخلوه مع النفس , أو أخذ إجازه لتجديد النشاط , فهذا من العمل وليس من الفراغ , وهو شيء محبب ومطلوب لأنه من الأوقات التي تدرّ على الأوقات الأخرى خيراً كثيراً .
والحمد لله رب العالمين



***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم