الدور السياسي لاهل البيت عليهم السلام - الجزء الثاني -

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد




الدور السياسي لأهل البيت 
عليهم السلام


2 - المقاطعه :
ــــــــــــــــــــــ

أما الأسلوب الثاني من أساليب العمل السياسي الذي لجأ إليه أهل البيت " عليهم السلام " كلما تغشّى الظلم والانحراف في الفهم والتطبيق ، فقد اتخذوا بالاضافه الى التوجيه وتعميق الوعي والحس السياسي ، اتخذوا أسلوب المقاطعه وقد قرأنا الحديث الشريف :
( من مشى مع ظالم ليعينه وهويعلم أنه ظالم ، فقد خرج من الاسلام ) .
وقرأنا :
( العامل بالظّلم ، والمعين عليه ، والرّاضي به ، شركاء ثلاثتهم ) .
وهكذا تأتي الدعوه صريحه الى مقاطعة الظالمين وعدم معاونتهم ، فقد ورد في حديث آخر :
( إذا كان يوم القيامه نادى مناد أين الظلمه وأعوانهم ، من لاق لهم دواة  ، أو ربط لهم كيساً ، أو مدّ لهم قلم ، فاحشروهم معهم ) .
نذكر نموذجاً لهذه المقاطعه هو موقف أئمة أهل البيت " عليهم السلام " من الحكّام الأمويين والعباسيين في عهد الامام علي بن الحسين السّجاد ثمّ الامام محمد الباقر وجعفر الصادق وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد الجواد والامام الهادي والامام الحسن العسكري" عليهم السلام " .
وهكذا كانت هذه الفتره مقاطعة وعدم استجابه للحكام أو أي تعاون معهم ، وقد عانى أهل البيت " عليهم السلام " من الحكام الأذى والمطارده والمراقبه والسجن والتشريد والضغط والارهاب  .
ولنضرب مثلاً لتلك المقاطعه ، موقف الامام الصادق : عليه السلام " من الخليفه العباسي أبي جعفر المنصور الذي عرف بقسوته وسفكه للدماء وظلمه لذرية الامام علي " عليه السلام " ،
فقد ذكر المؤرخون أنّ المنصور كتب الى الامام الصادق " عليه السلام " كتاباً يطلب منه مصاحبته ، ويحاول جعله من علماء  السلطه ، فرفض الامام " عليه السلام " رغم الارهاب وقساوة الظروف ، وردّ على المنصور ردّاً حاسماً .
جاء في كتاب المنصور :
( ولم لا تغشانا كما يغشانا الناس ؟ فكتب اليه الامام الصادق " عليه السلام " : ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخره ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمه فنهنّئك ، ولا نراها نقمه فنعزّيك ، فكتب اليه المنصور : تصحبنا لتنصحنا ، فأجاب الامام الصادق " عليه السلام " : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخره لا يصحبك )  .
وهكذا كان ردّ الامام وموقفه من الحاكم الذي لا يطبّق أحكام الشريعه  ولا يلتزم بمبادئها .
وعلى هذا النهج ، نهج مقاطعة الحكام الذين يمارسون الظلم ، ولا يطبقون أحكام الشريعه ، سار فقهاء أهل البيت " عليهم السلام " فأفتوا بحرمة معونة الظالم ، أو تولّي الوظائف له ، فقد ثبّت الفقهاء جميعهم ذلك في كتب الفقه - باب المكاسب المحرّمه - .
وحرم الفقهاء قبول الوظائف للظالم أو الانضمام الى أيّ مجال  من مجالات السلطه إلأ إذا كان الهدف خدمة الاسلام من خلال الموقع ، ودفع الظلم عن الآخرين  ، وعدم معونة الظالم بشكل يفوق ما يحققّه من يتولّى منصباً من اصلاح ومنفعه .

3 - الثوره وإسناد الثوّار واستعمال القوه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مبدأ الثوره ضدّ الظالم ، وعدم اقرار الظلم مبدأ اسلامي يقرّره واجب الأمر بالمعروف والنهي عن النكر ، ويلزم المسلمين به ، فقد ورد عن رسول الله " صل الله عليه واله " : ( سيد الشهداء حمزه ورجل قام الى سلطان جائر ، فأمره ونهاه فقتله ) .
ومن يتابع سيرة أهل البيت " عليهم السلام " السياسه وكفاحهم ومعارضتهم يجدهم خط معارضه ، ودعاة اصلاح وكفاح ، وقادة مسيرة السياسه ،
فقد رفض أهل البيت " عليهم السلام " مبدأ الوراثه في الحكم الذي فرض على الأمّه الاسلاميه أيام معاويه بن أبي سفيان ، وتسلّط
ابنه يزيد على رقاب المسلمين الذي لم يكن مؤهلاً للخلافه ، وفاقداً لكل شرط من شروطها ، فجرّها الى الفساد والانحراف مما جعل الامام الحسين السبط  بن علي بن أبي طالب " عليهم السلام " يعلن الثوره ، ويتوجه من المدينه الى العراق بعد أن استقرّ في مكه نحو أربعة أشهر ، وهناك في كربلاء في أرض العراق  كانت المعركه وانطلاق الثوره وشلّال الدم المقدّس ، وشهادة السبط الحسين
 " عليه السلام " فهزّ ضمير الأمّه وحرّك ركودها بدمه الطاهر ودم أهل بيته وصحبه الأبرار ، الذي فاق عددهم على السبعين شهيداً،
لقد كانت هذه الثوره أوّل ثورة في الاسلام ضدّ الحاكم الظالم ، وخلع البيعه المزيفه ، والاعلان عن اسقاط الحكم الفاسد المخالف لمبادىء الاسلام ، مقابل دعوات الخنوع والاستسلام ، وتخدير الرأي العام من قبل علماء قصور الحكام الذين كانوا يرفعون شعار الالتزام بالبيعه للظالم ، والوفاء بالعهد له مهما يفعل ، متناسين قول رسول الله " صل الله عليه واله " :
( ليس لمستعص يمين ) .  وقوله " صل الله عليه واله " : ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسّكم النّار ) .
أمّا السبط الشهيد الحسين بن علي " عليهم السلام "  فقد رفع شعار الثوره واستشهد في العاشر من محرم عام ( 61 ) هجريه  في كربلاء العراق ، ومزّق كل تلك الشعارات وأسقط هذه النظريات المضلله ، فعلا صوت الدم والشهاده فوق صوت الطمع والخنوع .
وقد حدّد الامام الحسين الشهيد " عليه السلام " للأمًه منهاج ثورته ودوافعها بقوله :
( لم أخرج أشراً ، ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدّي رسول الله " صل الله عليه واله " ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي ) .
ثمّ حدّد للأمّه صفة الامام والقائد الذي يقود المسلمين ، ووجوب الثوره وتغيير الحاكم إذا انحرف عن هذه المبادىء وأصر على موقفه.
قال " عليه السلام " في رساله لأهل الكوفه :  ( فلعمري ما الامام إلأ الحاكم القائم بالقسط ، الداين بدين الحق ، الحابس نفسه على ذات الله ) .
وكتب الى زعماء البصره كتاباً جاء فيه :
( وأنا أدعوكم الى كتاب الله وسنّة نبيّه " صل الله عليه واله " فإنّ السنّه قد أميتت ، وإنّ البدعه قد أحييت ، وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد ، والسلام عليكم ورحمة الله ) .
وهكذا ثبّت الامام الحسين " عليه السلام " مشروعية الثوره على الحاكم الظالم ، وأعلن مبدأ الكفاح والجهاد المقدّس .
وفي سيرة أهل البيت " عليه السلام " السياسيه نقرأ إسنادهم للثورات العلويه التي استمرّ أكثر من قرنين من الزمان في طول البلاد الاسلاميه وعرضها بعد ثورة الحسين " عليه السلام " المباركه .
فكانت ثورة زيد بن الامام زين العابدين علي بن الحسين " عليه السلام " حفيد الامام الحسين الشهيد " عليه السلام " سنة ( 121 ) هجريه ، وكانت الثوره في عهد الامام الصادق " عليه السلام " فأيّد ثورته وفجع بشهادته .
فعن فضيل الرّسّان قال : ( دخلت على أبي عبد الله بعد ما قتل زيد بن علي فأدخلت بيتاً جوف بيت ، فقال لي : يا فضيل قتل عمّي زيد؟  قلت : جعلت فداك قال : رحمه الله أما انّه كان مؤمناً وكان عارفاً وكان عالماً وكان صدوقاً ، أما انّه لو ظفر لوفى ، أما انّه لو ملك لعرف كيف يضعها ) .
وهكذا كان التأييد للثوره والثوّار ، وكان التفاهم بين أئمة أهل البيت " عليهم السلام " والثوّار العلويين .
ومن الأمثله الرائعه لهذا النمط من العمل السياسي هو موقف الامام الكاظم " عليه السلام " من الحسين بن علي صاحب ثورة فخ الشهيره في شهر ذي القعده عام ( 169 ) هجريه في المدينه المنوره .
فإنّ التصريحات والوثائق التاريخيه تشير الى تأييد الامام لمبدأ الثوره على الحكم الظالم ، ووقوفه الى جانب الثوار وتمازجه معهم ، رغم انّه كان يرى فشل تلك الثوره نظراً لعدم توفرّ الظروف الطبيعيه الكافيه لنجاحها ، لذلك خاطب قائد الثوره حين رآه عازماً على الثوره بقوله : (  انّك مقتول فأحدّ الضراب ، فانّ القوم فسّاق يظهرون إيماناً ، ويضمرون نفاقاً وشركاً ، وانّا لله وإنّا اليه راجعون ، وعند الله أحتسبكم من عصبه ) .
وحين استشهد الحسين وأصحابه وجىء بالرؤوس الى المتسلطين من رجال الحكم العباسي - الى موسى والعباس - وقيل للامام هذا رأس الحسين ؟ قال : ( إنّا لله وإنّا اليه راجعون ، مضى مسلماً صالحاً ، صوّاماً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله ) .  ولقد كان الحسين يدعوا الناس بقوله : ( أدعوكم الى الرضى من آل محمد " صل الله عليه واله " وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنّة نبيّه " صل الله عليه واله " ، والعدل في الرعيّه ) .
فدعوة الثائر العلوي صريحه الى الشخص المرضي والمؤهل للخلافه من آل محمد " صل الله عليه واله " وربّما عنى بذلك الامام الكاظم " عليه السلام " نفسه ،
 كما كان موقف زيد وتصريح الامام الصادق بالترحّم عليه ، وانّه كان يسعى الأمور في موضعها كان ينوي تسليمها للامام جعفر بن محمد " عليه السلام " .
ان الخليفه العباسي أدرك تأييد الامام لثوره الحسين صاحب معركة فخ ، نقل العلامه المجلسي موقف الخليفه العباسي بقوله :
( وأخذ من الطالبيّين وجعل ينال منهم - الى أن ذكر موسى بن جعفر " عليه السلام " - فنال منه ، قال : والله ما خرج حسين إلأ عن أمره ، ولا أتّبع إلأ محبّته  لأنّه صاحب الوصيّه في أهل هذا البيت ، قتلني الله إن أبقيت عليه ) .
وقد أعلن الامام الجواد " عليه السلام " موقفه من الثوره والثوّار ، وهو حفيد الامام الكاظم " عليه السلام " بقوله :
( لم يكن لنا بعد الطّف مصرع أعظم من فخ ) .
وهكذا قرأنا أمثله من الثوره ، وتأييد الثوار من قبل أهل البيت " عليهم السلام " بحيث أصبح ذلك منهجاً وأسلوباً من أساليب العمل السياسي الذي اكتسب بثوراتهم وتأييدهم الشرعيه .
والحمد لله رب العالمين

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم