بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
في العلاقه بين التقوى والإيمان ، ذكر الإمام المفسر السبزواري في ( مواهب الرحمن في تفسير القرآن ) في تفسير قوله تعالى :
{ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتّقين } أنّه ليس المراد بالمتقين خصوص من بلغ المرتبه القصوى في إيمانه وتقواه ، لأن القرآن نافع وهاد لجميع المراتب ، بل لجميع النّاس ، ولا تختص هدايه القرآن بالمتقين فقط ، لأن الوصف لا يدل على المفهوم خصوصاً مع التصريح بالعموم في آيات كثيره ، وأكّد أنّ التقوى فوق الإيمان بدرجه لقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم } وعن الرضا " عليه السلام " ( الإيمان فوق الإسلام بدرجه ، والتقوى فوق الإيمان بدرجه ، واليقين فوق التقوى بدرجه ، وما قسم في النّاس شيء أقل من اليقين ) .
ويعضد ذلك اللغه ، والعرف أيضاً ، فإن أهل التقوى عند النّاس أخص من المؤمنين ، وقد جعل الإيمان موضوعا للتقوى في جملة من الآيات الكريمه منها قوله تعالى : { ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبة من عند الله خير } وقوله تعالى : { واتّقوا الله الذّي أنتم به مؤمنون } وقال تعالى : { يا أيّها الذّين آمنوا اتّقوا الله } .
وفي بحث كلامي للإمام المفسر تناول فيه موضوع التقوى ذكر أنّ كلمة التقوى وردت في القرآن والسنّه ، بل في الكتب السماويّه كثيراً ، وحثّت عليها الشرائع الإلهيّه ،
والتقوى صفه أو حاله نفسانيّه تعرض على الإنسان الملتزم الدين ، وقد تزول عنه بحسب العوامل النفسيّه والمكائد الشيطانيّه ، فهي من الأمور الإضافيه تختلف بحسب درجات الإيمان والثقه بالمبدأ عزّ وجلّ .
وهي في اللغه : جعل النفس في وقايه ممّا يخاف ، بل جعل نفس الخوف تقوى من باب تسمية مقتضي الشيء باسم مقتضاه .
وقد عرف في الشرع بتعاريف متعدّده ، ولعلّ أسلمها : حفظ النفس عمّا يؤثم ، وذلك بترك المحظور ، ويتحقّق باجتناب بعض المباحات ، أي التنزّه عن الحلال مخافة الوقوع في الحرام ، لما روي : ( الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه ) وغيره من الروايات ، قال تعالى : { فمن اتّقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
وقيل : إنّها صفه راسخه في النفس توجب الاجتناب عن المأثم والمشتبهات ، وهذا التعريف يرجع الى الأول ، وإنّما الاختلاف في التعبير .
وقيل : هي الامتناع عن الرديء باجتناب ما يدعوا اليه الهوى ، وهذا أعمّ ممّا تقدّم .
وكيف كان فإنّه لا يمكن تحقيق التقوى إلأ بترك المشتبهات ، فضلاً عن المحرّمات ، فعن الصادق " عليه السلام " في قوله تعالى : { اهدنا الصّراط المستقيم } : أرشدنا للزوم الطريق المؤدي الى محبّتك ، والمبلغ الى جنّتك ، من أن نتبع أهواءنا فنعطب ، ونأخذ بآرائنا فنهلك ، ( فإنّ من اتّبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت أن الناس تعظّمه وتصفه ، فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني ، لأنظر مقداره ومحلّه ، فرأيته في موضع قد أحدقوا به جماعه من غثاء العامّه ، فوقفت منتبذاً عنهم متغشّاً بلثام ، انظر اليه وإليهم فما زال يراوغهم حتّى خالف طريقهم وفارقهم ، ولم يقر ، فتفرّقت جماعة العامّه عنه لحوائجهم ، وتبعته أقتفي أثره ، فلم يلبث أن مرّ بخباز فتغفّله فأخذ من دكانه رغيفاً مسارقه ، فتعجّبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعلّه معامله ، ثمّ مرّ بعده بصاحب رمّان ، فما زال به حتّى تغفّله فأخذ من عنده رمانتين مسارقه ، فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي : لعلّه معامله ، ثم أقول : وما حاجته إذاً الى المسارقه ، ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرّ بمريض فوضع الرغيفين والرمّانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتّى استقرّ في بقعه من صحراء ، فقلت له : يا عبد الله لقد لحقت بك وأحببت لقاءك فلقيتك ، لكنّي رأيت منك ما شغل قلبي ، وإنّي سائلك عنه ليزول به شغل قلبي ، قال : ما هو ؟ قلت : رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ثمّ بصاحب الرمّان فسرقت منه رمّانتين ، فقال لي : قبل كلّ شيء حدّثني من أنت ؟
قلت رجل من ولد آدم من أمّة محمد " صل الله عليه واله " قال : حدّثني ممّن أنت ؟ قلت : رجل من أهل بيت رسول الله " صل الله عليه واله " قال : أين بلدك ؟ قلت : المدينه قال : لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب قلت : بلى قال لي : فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرّفت به ، وتركك علم جدّك وأبيك ، لأنّه لا ينكر ما يجب أن يحمد ويمدح فاعله ، قلت : وما هو ؟ قال القرآن كتاب الله قلت : وما الذي جهلت ؟ قال : قوله الله عزّ وجلّ : { من جاء بالحسنه فله عشر أمثالها } وقال تعالى : { ومن جاء بالسّيّئه فلا يجزي إلأ مثلها } وإنّي لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذي أربع سيئات ، فلما تصدّقت بكلّ واحد منها كانت أربعين حسنه، انقص من أربعين حسنه أربع سيئات بقي ست وثلاثون ، قلت ثكلتك أمّك أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ : { إنّما يتقبّل الله من المتّقين } إنّك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ، ولما دفعتهما الى غيرها من غير رضا صاحبها كنت إنّما أضفت أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنه الى أربع سيئات ، فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته )
ويفد من هذه الروايه أنّ القبول مطلقاً يدور مدار التقوى ، ولولاها فالأعمال مجرّد صور لم يكن لها لبّ . نعم لكلّ منهما مراتب ودرجات .
والتقوى هي المسلك المهمّ للوصول الى ساحة قربه ، ولاستقرار حبّه تعالى في القلب ، وقد ذكر علماء السير والسلوك أنّ مقامات الرقي هي مراتب التقوى ، وقسّموها على ثلاث أقسام :
الأول : تقوى العوامّ .
الثاني : تقوى الخواصّ .
الثالث : تقوى أخصّ الخواصّ .
والمراد من التقوى في الآيه المباركه : { إنّما يتقبّل الله من المتّقين } هو مجرد التقرب اليه عزّ وجلّ مع تقريره به ، لا التقوى المصطلح لتناسب بدء التشريع ، وتلائم بثّ النسل ، ولم تكمل الحجّه بتمام جهاتها ، ولكن للتقرب اليه تعالى مراتب ودرجات ولم يرد مثل هذا التعبير القرآني إلأ في هذه الآيه فقط .
والحمد لله رب العالمين
اللهم صل على محمد وال محمد
التقوى
في العلاقه بين التقوى والإيمان ، ذكر الإمام المفسر السبزواري في ( مواهب الرحمن في تفسير القرآن ) في تفسير قوله تعالى :
{ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتّقين } أنّه ليس المراد بالمتقين خصوص من بلغ المرتبه القصوى في إيمانه وتقواه ، لأن القرآن نافع وهاد لجميع المراتب ، بل لجميع النّاس ، ولا تختص هدايه القرآن بالمتقين فقط ، لأن الوصف لا يدل على المفهوم خصوصاً مع التصريح بالعموم في آيات كثيره ، وأكّد أنّ التقوى فوق الإيمان بدرجه لقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم } وعن الرضا " عليه السلام " ( الإيمان فوق الإسلام بدرجه ، والتقوى فوق الإيمان بدرجه ، واليقين فوق التقوى بدرجه ، وما قسم في النّاس شيء أقل من اليقين ) .
ويعضد ذلك اللغه ، والعرف أيضاً ، فإن أهل التقوى عند النّاس أخص من المؤمنين ، وقد جعل الإيمان موضوعا للتقوى في جملة من الآيات الكريمه منها قوله تعالى : { ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبة من عند الله خير } وقوله تعالى : { واتّقوا الله الذّي أنتم به مؤمنون } وقال تعالى : { يا أيّها الذّين آمنوا اتّقوا الله } .
وفي بحث كلامي للإمام المفسر تناول فيه موضوع التقوى ذكر أنّ كلمة التقوى وردت في القرآن والسنّه ، بل في الكتب السماويّه كثيراً ، وحثّت عليها الشرائع الإلهيّه ،
والتقوى صفه أو حاله نفسانيّه تعرض على الإنسان الملتزم الدين ، وقد تزول عنه بحسب العوامل النفسيّه والمكائد الشيطانيّه ، فهي من الأمور الإضافيه تختلف بحسب درجات الإيمان والثقه بالمبدأ عزّ وجلّ .
وهي في اللغه : جعل النفس في وقايه ممّا يخاف ، بل جعل نفس الخوف تقوى من باب تسمية مقتضي الشيء باسم مقتضاه .
وقد عرف في الشرع بتعاريف متعدّده ، ولعلّ أسلمها : حفظ النفس عمّا يؤثم ، وذلك بترك المحظور ، ويتحقّق باجتناب بعض المباحات ، أي التنزّه عن الحلال مخافة الوقوع في الحرام ، لما روي : ( الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه ) وغيره من الروايات ، قال تعالى : { فمن اتّقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
وقيل : إنّها صفه راسخه في النفس توجب الاجتناب عن المأثم والمشتبهات ، وهذا التعريف يرجع الى الأول ، وإنّما الاختلاف في التعبير .
وقيل : هي الامتناع عن الرديء باجتناب ما يدعوا اليه الهوى ، وهذا أعمّ ممّا تقدّم .
وكيف كان فإنّه لا يمكن تحقيق التقوى إلأ بترك المشتبهات ، فضلاً عن المحرّمات ، فعن الصادق " عليه السلام " في قوله تعالى : { اهدنا الصّراط المستقيم } : أرشدنا للزوم الطريق المؤدي الى محبّتك ، والمبلغ الى جنّتك ، من أن نتبع أهواءنا فنعطب ، ونأخذ بآرائنا فنهلك ، ( فإنّ من اتّبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت أن الناس تعظّمه وتصفه ، فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني ، لأنظر مقداره ومحلّه ، فرأيته في موضع قد أحدقوا به جماعه من غثاء العامّه ، فوقفت منتبذاً عنهم متغشّاً بلثام ، انظر اليه وإليهم فما زال يراوغهم حتّى خالف طريقهم وفارقهم ، ولم يقر ، فتفرّقت جماعة العامّه عنه لحوائجهم ، وتبعته أقتفي أثره ، فلم يلبث أن مرّ بخباز فتغفّله فأخذ من دكانه رغيفاً مسارقه ، فتعجّبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعلّه معامله ، ثمّ مرّ بعده بصاحب رمّان ، فما زال به حتّى تغفّله فأخذ من عنده رمانتين مسارقه ، فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي : لعلّه معامله ، ثم أقول : وما حاجته إذاً الى المسارقه ، ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرّ بمريض فوضع الرغيفين والرمّانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتّى استقرّ في بقعه من صحراء ، فقلت له : يا عبد الله لقد لحقت بك وأحببت لقاءك فلقيتك ، لكنّي رأيت منك ما شغل قلبي ، وإنّي سائلك عنه ليزول به شغل قلبي ، قال : ما هو ؟ قلت : رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ثمّ بصاحب الرمّان فسرقت منه رمّانتين ، فقال لي : قبل كلّ شيء حدّثني من أنت ؟
قلت رجل من ولد آدم من أمّة محمد " صل الله عليه واله " قال : حدّثني ممّن أنت ؟ قلت : رجل من أهل بيت رسول الله " صل الله عليه واله " قال : أين بلدك ؟ قلت : المدينه قال : لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب قلت : بلى قال لي : فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرّفت به ، وتركك علم جدّك وأبيك ، لأنّه لا ينكر ما يجب أن يحمد ويمدح فاعله ، قلت : وما هو ؟ قال القرآن كتاب الله قلت : وما الذي جهلت ؟ قال : قوله الله عزّ وجلّ : { من جاء بالحسنه فله عشر أمثالها } وقال تعالى : { ومن جاء بالسّيّئه فلا يجزي إلأ مثلها } وإنّي لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذي أربع سيئات ، فلما تصدّقت بكلّ واحد منها كانت أربعين حسنه، انقص من أربعين حسنه أربع سيئات بقي ست وثلاثون ، قلت ثكلتك أمّك أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ : { إنّما يتقبّل الله من المتّقين } إنّك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ، ولما دفعتهما الى غيرها من غير رضا صاحبها كنت إنّما أضفت أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنه الى أربع سيئات ، فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته )
ويفد من هذه الروايه أنّ القبول مطلقاً يدور مدار التقوى ، ولولاها فالأعمال مجرّد صور لم يكن لها لبّ . نعم لكلّ منهما مراتب ودرجات .
والتقوى هي المسلك المهمّ للوصول الى ساحة قربه ، ولاستقرار حبّه تعالى في القلب ، وقد ذكر علماء السير والسلوك أنّ مقامات الرقي هي مراتب التقوى ، وقسّموها على ثلاث أقسام :
الأول : تقوى العوامّ .
الثاني : تقوى الخواصّ .
الثالث : تقوى أخصّ الخواصّ .
والمراد من التقوى في الآيه المباركه : { إنّما يتقبّل الله من المتّقين } هو مجرد التقرب اليه عزّ وجلّ مع تقريره به ، لا التقوى المصطلح لتناسب بدء التشريع ، وتلائم بثّ النسل ، ولم تكمل الحجّه بتمام جهاتها ، ولكن للتقرب اليه تعالى مراتب ودرجات ولم يرد مثل هذا التعبير القرآني إلأ في هذه الآيه فقط .
والحمد لله رب العالمين

إرسال تعليق
التعليق على الموضوع :