تدرج الانسان في السلوك الإلهي

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد


تدرج الانسان في السلوك الإلهي


قال الامام علي " عليه السلام : " فلينظر ناظر : أسائر هو أم راجع " .
هذا الحديث يبين لنا أن هناك حركه أصليه لابد من  مداومتها وهذه الحركه قهريه نتيجة الفطره التي أودعها الله عز وجل في الانسان : " ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى " .
لكن الانسان بعد نزوله من عالم الأمر والملكوت الى عالم الخلق والناسوت قد أعمى فطرته أو كلها وإستبدل الهدايه التكوينيه بالانقياد الى نفسه .
لذلك  لوح لنا  أمير المؤمنين " عليه السلام " أن المرء إما أن يكون سائراً أو راجعاً .
أعلم أن حالات المرء ثلاث وهي : التقدم ( السير ) والرجوع والتوقف , والسير والرجوع كلاهما حركه والتوقف سكون .
الاصل في الانسان أن يكون متحركاً وأن تكون حركته إيجابيه , لأن الحركه قد تكون إيجابيه وهي التقدم أو سلبيه وهي الرجوع قال تعالى : " يا أيها الانسان أنك كادح الى ربك فملاقيه " , رجوع الانسان أو توقفه يكون خلاف الاصل وخلاف الآيه الكريمه , والرجوع يكون عما فرضه الله تعالى  وإن كان العن من التوقف ولكنهما بحكم واحد لانهما ليس سيراً وكدحاً وتقدماً ولعله لاجل هذا لم يذكر الأمير " عليه السلام " حالة التوقف لأنها متحده مع الرجوع .
والنتيجه لابد للانسان أن يعرف أنه يسير في طريق الحصول وممنوع عليه أن يتراجع أو يقف , وللسير  آراء ونظريات لا تخلو من الفائده من معرفتها لكي يعين الانسان على معرفة منهجه في السير  وهناك نظريات مطروحه في سلوك الطريق الإلهي :
أولاً : نظرية العرفاء :
وهي قائمه على قضيه أساسيه وهي معرفة النفس والسير في منازلها الى أن تظهر الوحده المطلقه في مرايا آياته حتى يتوحد بأنواع التوحيد الثلاثه وهي  :
التوحيد الأفعالي : بأن يشاهد جميع الأفعال الحسنه فانيه في فعله تعالى وهو المعبر عنه بمقام الرضا .
التوحيد الصفاتي : ويكون بمشاهدة جميع الصفات الكماليه فانيه في صفاته تعالى .
التوحيد الذاتي : وذلك بأن يدرك أن جميع الذوات فانيه , وذاته تعالى باقيه .
نظرية العرفاء هذه من أدق الطرق وأصعبها وهي تجري على نحوين مرتبين أيضاً نظري وعملي :
أما النظري : فهو معرفة إن الوجود حقيقه واحده ومعرفة إطلاقها وتعين مظاهرها بحيث يمكن أن تتبلور وحدة الوجود في موجود واحد يكون بيده زمام أفاضة الوجود على جميع الموجودات .
وأما العملي : فهو الشروع في اليقظه والانتهاء الى التوحيد .
ثانياً : نظرية الحكماء : وهذه النظريه قائمه على أن كمال الانسان في عقله العملي والنظري , أن العقل لا يتعدد وإنما المتعدد هو المعقول فهو الذي يكون نظرياً أو عملياً وسمي العقل كذلك بأسم لازمه .
أما  كمال  العقل النظري : فيكون بتأثر علمي بما فوقه بأن يصل العقل الى مرتبه العقل المستفاد بحسب تسلسل العقول .
وأما كمال العقل العملي : فيكون بالتأثير عملاً فما دونه بأن يبلغ مقام الفناء بعد التخليه والتجليه .
ثالثاً : نظرية علماء الاخلاق من اصحاب الحديث : وهذه النظريه تعتمد على الرويات في تطبيع الاخلاق ومنهجيتها وعمدة تلك الاحاديث هو حديث جنود العقل  والجهل , وكمال الانسان وسير حركته هو اتصاف الانسان بجنود العقل وعدم اتصافه بجنود الجهل
واصحاب هذه النظريه يرون إن جنود العقل لا تجتمع إلا لنبي أو وصي  أو مؤمن إمتحن الله قلبه للايمان .
اعلم أن كل فعل يحتاج الى مقومات ومقتضيات لإتمامها كما تحتاج الى رفع الموانع التي تعتريها , والسائر على الطريق على مفترق توفير المقومات للسير ومعوقاته , فهو أشبه بشخص موجود في نقطه أمامه خمسة درجات وخلفه خمسة دركات , تمثل الدرجات الأماميه مقومات السير والدركات الخلفيه معقوات السير , فإن تراجع أو بقي على مكانه خالف الشرع والعقل بعد أن تثبت ضرورية الانسان الى ربه وإن قدم إراداته وإعتقاداته على درجات الصعود وصل الى مبتغاه .
ومقومات السير خمسه وهي :
1 - معرفة الهدف الحق والطرق اليه وكيفية السير :
وهذه كلها من لوازم الحركه ونعني بالهدف هو الوصول الى مرتبة الانسان الكامل ومظهرية الأسماء الحسنى وتمثيلها الذي هو فرع المعرفه الإلهيه , ولا يتوهم أحد أن العرفان هو الهدف وإنما هو طريق الوصول الى الهدف , كذلك العباده ليست هي الهدف بل هي طريق لتحصيل القرب من الحق تعالى والهدف الأسمى هو الوصول الى  ساحة قدس الحق .
2 - الهجره من الرجس والرجز المعنوي والمادي :
وجه الله تعالى الأمر الى حبيبه الانسان الكامل " صل الله عليه واله " بالهجرتين ودعا اليهما قال تعالى : " يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر " وقال تعالى : " ومن يخرج من بيته مهاجر الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله " والهجره مهمه في المقام لأنها تقتضي ترك كل ما سوى الله لكي يسهل طريقه .
3 - السرعه :
وهي تعني طي المراحل , بل أن المقصود منها هو العزم القوي لكي يستطيع السائر تجاوز العقبات التي تكون في الطريق , وإنما  عبرنا عنها بالسرعه يستطيع السائر تجاوز العقبات التي تكون في الطريق , وإنما عبرنا عنها بالسرعه لأننا نعني بها مراحل السير وعدم الاكتراث الى ما يعتري السالك لأن المسير الاعتيادي يمكن أن يقف ويتلكأ في حالة وجود العقبه , وستكون السرعه هي نفس السير قال تعالى : " وسارعوا  الى مغفره من ربكم " .
4 - السبق بعد السرعه :
وهي ظاهرة في قوله تعالى " فاستبقوا الخيرات " , وفائدتها هو الزياده في السرعه لأن الطريق طويل قد يشعر السالك فيه بالملل , خاصه إذا لم تتجل أنوار الحق أمامه وتبرق في نفسه , فمن دون الإستباق قد يظل السائر في مكانه والإستباق يتحقق بالتفاني في التقرب الى الله عز وجل والإزدياد من نثر الروح في طريق المحبوب .
5 - الإمامه :
وهي من مختصات السفر الثاني من الأسفار الأربعه وآخر درجات السير والنتيجه الكليه لجميع الأسفار الأربعه قال تعالى : " إني جاعلك للناس أماماً " , وهي مرتبة الدوران الحقي في الخلق المتجسد بحركه الأنبياء والأئمه " عليهم السلام " والعلماء العاملين والعرفاء الشامخين وتحصيل مقام الإمامه وهذا ممكن ي شخص .
والإمامه هنا هي التمثيل الإلهي وهي أعم من إمامة المعصومين " عليهم السلام " وإلا أغلق الباب في السير والسلوك عند خاتم الأوصياء بقية الله الأعظم " أرواحنا لتراب مقدمه الفداء " , وقد تجسد لنا الوصول الى هذا المقام في كثير من الأولياء من غير المعصومين وفي عصرنا صار أوضح مصاديقه الامام الخميني " قدس الله نفسه الزكيه " والامام السيستاني " حفظه الله ورعاه " وببلوغ هذه المرتبه ( الامامه ) يتحقق السير والصعود .
أما معقوات السير فهي مقابله لدرجات الصعود وهي :
1 - الجهاله المقابله للعقل لا المقابله للعلم :
لأن العلم قد يكون موجوداً ولكن من دون موازنة العقل قال أمير المؤمنين " عليه السلام " : " رب عالم قد قتله جهله , وعلمه معه لا ينفعه " وهذه من آفات الجهل البسيط بعدم  التعلم وآفات الجهل المركب بالابتلاء بما يصيب العلماء من العجب والرياء والاعجاب بالنفس وغيرها , فمثل هذا لا يعرف الطريق أو قد يعرف طريقاً غير الطريق المستقيم .
2 - الهجره : ( أي الهجره من الحق ) :
وتعني أن يهجر الاسلام وتعاليمه كلاً أو بعضاً , وهجر القرآن ومعارضة وإنكار جميع الأئمه أو بعضهم أو التشكيك في ولايتهم التكوينيه وتمثيلهم لأسماء الله الحسنى وارتكاب المخالفات الشرعيه أو التدنيس بالدنيا ومتعلقاتها الرذيله , ومثل هذه الهجره هي التي تظهر عند أهل السلوك المنحرف وبذا ينكشف زيف إدعائهم من أنهم على الطريق .
3 - السرعه ( في الهجره الكاذبه ) :
وتعني التردي والايغال في الانحراف والاجتهاد في طلب الدنيا والاستعجال في السعي الى تحصيلها وبدرجة أكبر قال تعالى : " وتأكلون التراث أكلاً لما " .
4 - السبق الكاذب :
وهو توهم إدراك الحق ومتعلقاته وبلوغ المرام قال تعالى : " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون " .
5 - الامامه الكاذبه :
  لأن الساكن مخالف للفطره وهذا سيكون راجعاً بالقهر , أما المتحرك بالحركه السلبيه فهو خلاف الشرع وهو راجع إخيارياً
وهو بلوغ أسفل مراتب الانحراف والاقتراب من الابليسيه والاتحاد معها والوصول الى مرتبة الاحراق بكونهم وقود النار : " فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجاره " وهؤلاء الأئمه قال فيهم القرآن العظيم : " فقاتلوا أئمة الكفر " وقال تعالى : " وجعلناهم أئمه يدعون الى النار " .
وذه هي دركات الهوي , والكائن عليها  وإن كان متحركاً ولكنه بالحركه السلبيه , ولا يخفى أن الساكن والمتحرك بالحركه السلبيه كلاهما  يعاقبان , لأن الساكن مخالف للفطره وهذا سيكون راجعاً بالقهر , أما المتحرك بالحركه السلبيه فهو خلاف الشرع وهو راجع إختيارياً .
وما أئمة الكفر والضلال منذ خلق آدم  والى يومنا هذا إلا مصاديق الرجوع بكلا صورتيه فإنتبه يرحمك الله .
والحمد لله رب العالمين



***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم