الانابه الى الله / المحاضره السابعه

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد

الانابه

 اعلم يا اخي  ان الطب الروحاني أسوه بالطب الجسماني .

والقاعده  في معالجة الامراض الجسمانيه  هو معرفة نوع المرض اولآ . ثم الاسباب والعلامات . ثم يحدد نوع العلاج .
كذلك في العلاج الروحاني يحدد نوع المرض -  نقصد بالمرض هنا الافعال التي تصدر منه من القبائح والذمائم  - نتيجة اتصافه باحدى او اكثر من الصفات الاخلاقيه الذميمه . والعلاج فيها اما كلي او جزئي يختص بمرض دون مرض . بمعنى نوع المرض وما يقابله من الصفات الحميده التي حث عليها الشرع الشريف .
الامراض  النفسانيه هي انحرافات الاخلاق عن الاعتدال . وان اسبابها اما نفسيه حاصله في النفس في بداية فطرتها او حادثه من نتيجة مزاولتها للاعمال الرديه . او جسمانيه وهي الامراض  التي تتولد وتتعمق نتيجة ممارسة الجسم لبعض الافعال الذميمه مما تتولد نتيجها ملكات رديه في النفس  . اعلم ان السر  في ذلك ان النفس لما كانت متعلقه بالبدن بعلاقه ارتباطيه . لذلك يتاثر كل منهما بالاخر وكل كيفيه تحدث في احدهما تسري في الاخر . ان  النفس اذا عشقت او غضبت يصاحبها  اضطراب البدن وارتعاشه .
قال الله تعالى :
{ وانيبوا الى  ربكم  }
اعلم يا خي :  نحتاج الى توفيق والاسباب التي توفقنا الى التوفيق حتى نستطيع من خلالها الانتباه لانفسنا . ومن خلال الانتباه نستطيع تحديد نوع المرض او الامراض الروحيه التي نعاني منها باختلاف نوعها من واحد الى الثاني . من هذه الاسباب التى تؤهلنا لذلك هي:

  الانابه :

اعلم ان الفرق بين التوبه والانابه .  ان التوبه هي رجوع عن المخالفه - الذنب - الى الموافقه . والانابه هي الرجوع الى الله تعالى فهو اعلى . يعني الرجوع الى الحق اصلاحآ كما رجعت اليه اعتذارآ , والرجوع اليه وفاءآ كما رجعت اليه عهدآ , والرجوع اليه حالآ كما رجعت اليه اجابه .
وهذا يعني ان رجوعك الى الحق تعالى عند الانابه في اصلاح العمل والطاعه , لان رجوعك اليه في التوبه كان للاعتذار عن الذنب والمعصيه . ورجوعك اليه بالانابه هنا في الوفاء بعقد التوبه كما كان رجوعك اليه في التوبه بعقد التوبه  .
التوبه هي العقد والانابه هو الوفاء بذلك العقد ورجوعك اليه هنا بان تشهد صحة حالك بصدق مقالك له في التوبه , حيث تعترف بذنبك وتعقد العزيمه على التوبه اجابه لقوله تعالى { توبوا } .
بالخروج من التعبات : بالاستغفار من الذنوب التي بينك وبين الله والتضرع اليه برد المظالم والتزام القصاص او الديه او الاستعفاء والاستحلال في الذنوب التي بينك وبين الناس .
والتوجع للعثرات : بالتندم والبكاء لخطاياك وتألم الباطن لخطايا اخيك اشفاقآ عليه وترحمآ له , وان كانت جنايه عليك مع قبول عذره وعدم التأذي بزلته ومقابلة اسائته بالحسنه .
استدراك الفائتات : بقضاء الواجبات من الصيام والصلوات والزكوات .
كما عليك يا اخي الخلاص من لذة الذنب باتالم من تذكره كما كنت تتلذذ به وبالتفكر فيه .
واترك استهانة اهل الغفله  فلا تستحقرهم خوفآ عليهم وترجوا لنفسك الخلاص من العقاب وحصول الثواب بل يجب ان تعكس وتخاف على نفسك النقمه وترجوا لهم الرحمه وتعذرهم دون نفسك .
وعليك ان تستقصي تعريف آفات خدمتك لله وللاخوان وعللها , وامراض النفس وعيوبها في الخدمه حتى تتخلص من حظوظ النفس .
وان تستقيم بالرجوع الى الله تعالى بالأياس من عملك وانما يكون من الله ونفي الفعل والتاثير من الغير لقوله تعالى { والله خلقكم وما تعلمون } وقوله تعالى { هو الذي  يسيركم في البر والبحر } واذا كان العمل لله ورأيته منه عاينت اضطرارك وافتقارك اليه وآيست من عملك . فلاحت لك بوارق لطفه فان العبد اذا انسلخ عن افعاله برؤية الفعل من الله واصبح مضطرآ اليه نوره بلوامع اللطف وبوارق التجليات وذلك سنة الله في عباده .
اعرف اخي ما في قلبك وكانك تقول ماذا افعل ولدي الوسوسه والتي هي مبعث للمعاصي والذنوب وحب الدنيا وشهواتها .
اخي : قد تواجه صعوبه كبير تعيق وصولك الى التوبه والانابه  الا وهو الوسواس الذي نعاني منه جميعآ .
وعلاج الوسواس ان كنت بواعثه الشرور والمعاصي فعلاجه في ان يتذكر سوء عاقبة العصيان و وخامة عاقبته في الدنيا والاخره , ويتذكر عظيم حق الله وجسيم ثوابه وعقابه , ويتذكر الصبر عما تدعوا اليه هذه الوسواس اسهل من الصبر على نار لو قذفت شراره منها الى الارض احرقت نبتها وجمادها , فاذا تذكر هذه الامور وعرف حقيقتها بنور المعرفه والايمان  حبس عنه الشيطان وقطع وسواسه لانه لا يستطيع ان ينكر عليه هذه الامور فيخيب ويرجع خائبآ فان التهاب نيران البراهين بمنزلة رجوم الشياطين فاذا قوبلت بها وساوسهم فرت وهربت .
وان كانت تلك الوساوس مختلجه بالبال بلا اراده واختيار من دون ان تكون مبادىء الافعال فقطعها بالكليه في غاية الصعوبه والاشكال . وقد اعترف اطباء النفوس بانها المرض العضال ويتعسر دفعه لقول النبي - صل الله عليه واله - { من صلى ركعتين لم تتحدث نفسه فيهما بسيء غفر له له ما تقدم من ذنبه وما تاخر } .
والسر في ذلك  ان للشيطان  جندين : جندآ يطير وجندآ يسير , والواهمه جنده الطيار , والشهوه جنده السيار , لان غالبآ خلقتا من النار التي خلق منها الشيطان فاقتضت تسلطه عليهما وتبعيتهما له .
لما كانت النار بذاتها مقتضيه للحركه , اذ لا تتصور نار مشتعله لا تتحرك , بل ان من طبيعتها الحركه , فشأن الشيطان والقوتين ان يتحركا ولا يسكنا والشيطان لما خلق من النار الصرفه من  دون امتزاج شيء آخر بها فهو دائم الحركه والتحريك للقوتين بالوسوسه والهيجان , والقوتان لما امتزج بالغالب مادتهما - اعني النار - مع شيء من الطين لم تكونا بمثابة ما خلق من صرف النار في الحركه الا انهما استعدتا لقبول الحركه منه , فلا يزال الشيطان ينفخ فيهما ويحركهما بالوسوسه والهيجان ويطير ويجول فيهما ,
الشهوه لكون الناريه فيها اقل فسكونها ممكن فيحتمل ان يكف الشيطان عن الانسان فيها , فيسكن بالكليه عن الهيجان واما الواهمه فلا يمكن ان يقطع تسلطه عنها , فيمتنع قطع وسواسه عن الانسان . فلا يتخلص منه احد الا من اصبح  وهمومه هم واحد فيكون قلبه مشتغلآ بالله وحده فلا يجد الملعون مجالآ فيه , ومثله من المخلصين الداخلين في الاشتثناء عن سلطنة هذا اللعين . فلا تظن انه يخلو منه قلب فارغ بل هو سيال يجري من ابن آدم مجرى الدم , وسيلانه مثل الهواء في القدح , فانك ان اردت ان  تخلي القدح من الهواء ما عليك الا ادخال الماء في القدح فبقدر ما يدخل الماء فيه يخلو عن الهواء , فكذلك القلب اذا كان مشغولآ بفكر مهم في الدين يمكن ان يخلو من جولان هذا اللعين كما قال الله تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانآ فهو له قرين } .
فظهر ان وسواس الخناس لا يزال يجاذب قلب الانسان من كل جانب ولا يمكن علاجه الا بقطع العلاق كلها ظاهرها وباطنها والفرار الى الله وجعل الهموم همآ واحدآ هو الله . وهذا غير كاف ما لم يكن مجال في الفكر وسير الباطن في ملكوت السماوت والارض وعجائب صنع الله , فان استيلاء ذلك على القلب واشتغاله به يدفع مجاذبة الشيطان و وسواسه ,
وان لم يكن له سير بالباطن فلا ينجيه الا الاوراد المترتبه في كل لحظه من الصلوات والاذكار والادعيه وقراءة القرآن . وبعد كل ذلك يحتاج الى حضور القلب في اداء ذلك كله .

الهي أنر مرآة القلب بنور الاخلاص واجل عن صفحة القلب صدأ الشرك , وأهد هؤلاء المسالكين في بيداء الحيره والضلال الى جادة السعاده والفلاح الواسعه .


والحمد لله رب العالمين


***********************


***********************

2 تعليقات

التعليق على الموضوع :

  1. الامراض النفسيه هي الانخراط في موجات الانحراف الاشعوري سببه فراغات روحيه تستطيع من خلال تلك الفراغات الدخول اليها بسهوله وايجاد انتشار وسواسي كبير قد تمركز داخل الروح البشريه مما جعلها تعيش حاله من الا وعي .
    احسنت مهذبي ومعلمي

    ردحذف
  2. بوركتي
    شكرا لكي
    عمو رابط الموقع احفظيه في جهازك متى ما احببتي الدخول الى الموقع ما عليك الا النقر على الرابط
    https://alkapi886.blogspot.com/

    ردحذف
أحدث أقدم