صلاة أهل الطريقه


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد


صلاة أهل الطريقه 


الصلاة عند أهل الطريقه : هي القربه الى الحق والفناء في صفاته .
فالصلاة عندهم قربه الى الحق تعالى وورد عن النبي " صل الله عليه واله " : " الصلاة قربان كل مؤمن " .
والمراد بهذ القرب القرب المعنوي دون الصوري المعبر عنه عند القوم بقرب المكانه دون المكان , وقد ورد أيضاً : " إن الصلاة خدمه وقربه ووصله " .
فالخدمه هي الشريعه , والقربه هي الطريقه , والوصله هي الحقيقه .
وقيل : " الشريعه أن تعبده , والطريقه أن تحضره , والحقيقه أن تشهده " .
فالقربه بالحق موقوف على سجوده الحقيقي الذي هو الصلاة  المعبر عنه بالفناء .
أما من الاوصاف في  أوصاف الحق وهو مخصوص بأهل الطريقه .
وأما من الذات في ذات الحق وهو مخصوص بأهل الحقيقيه , واليه أشار الحق تعالى في قوله : " واسجد واقترب " .
أعني تفني ذاتك ووجودك في ذات الحق ووجوده , تبقى به أبداً دائماً , وهذا مقام أهل الحقيقه .
إعلم : على الجمله أن الصلاة صوره صورها  رب الارباب كما صور الحيوان بصوره مثلاً :
روحها النيه والاخلاص وحضور القلب . وبدنها الأعمال  , وأعضائها  كماليه الابعاض .
فالاخلاص والنيه فيها تجري مجرى الروح , والقيام والقعود تجري مجرى البدن , والركوع والسجود تجري مجرى الرأس واليد والرجل , وإكمال الركوع والسجود بالطمأنينه وتحسين الهيئه تجري مجرى حسن الاعضاء وحسن أشكالها وألوانها , والأذكار والتسبيحات المودعه فيها تجري مجرى آلات الحس المودعه في الرأس والأعضاء كالأذن والعين وغيرها , ومعرفة معانى الأذكار وحضور القلب عندها مجرى قوى الحس كقوة البصر وقوة السمع والشم والذوق في معادنها .
وأعلم : أن تقربك في الصلاة كتقرب بعض  خدم السلطان باهداء وصيفه الى السلطان , فيجب عليك أن تعرف حينئذ أن فقد النيه والإخلاص في الصلاة كفقد الروح من الوصيفه والمهدي للجيفه ( الوصيفه ) الميته مستهزىء بالسلطان فيستحق سفك الدم .
وفقد الركوع والسجود يجري مجرى فقد الاعضاء , وفقد الأركان يجري مجرى فقد العينين وجذع الأنف والأذنين , وعدم حضور القلب وغفلته عن معرفة معاني القراءه والأذكار كفقد البصر والسمع مع بقاء جرم الحديقه والأذن .
ولا يخفى عليك أن من أهدى وصيفه بهذه الصفه كيف يكون حاله عند السلطان .
ثم أعلم : إن الصلاة الناقصه غير صالحه للتقرب بها الى الله عز وجل ونيل كرامته , وإن أوشك أن يرد ذلك على الامام المهدي " عجل الله فرجه " ويزجر .
أن أصل الصلاة للتعظيم والإحترام للسلطان الحقيقي , وإهمال آداب الصلاة يناقض التعظيم والإحترام .
فكيف تقبل وكيف تحصل  لصاحبها القرب والكرامه , فالواجب عليك وعلى كل مصل بالصفه المذكوره أن يحفظ روح الصلاة ويراعيها , وهو الاخلاص وحضور القلب في جملة الصلاة وإتصاف القلب في الحال بمعانيها فلا يسجد ولا يركع إلا وقلبه خاشع متواضع على موافقه ظاهره , فإن المراد خضوع القلب لا خضوع القالب , ولا يقول : الله أكبر وفي قلبه شيء أكبر من الله تعالى , ولا يقول : وجهت وجهي إلا وقلبه متوجه بكل وجهه الى الله عز وجل ومعرض عن غيره , ولا يقول : إياك نعبد وإياك نستعين إلا وهو مستشعر ضعفه وعجزه , وأنه ليس اليه ولا الى غيره من الأمر شيء كما قال لنبيه " صل الله عليه واله " : " ليس لك من الأمر شيء " , وكذلك في جميع الأذكار والأفعال : " يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد " ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) .
أن صلاة أهل الطريقه هي التوجه الى القلب الحقيقي وأذا تحقق هذا  وتقرر فاعلم أن صلاتهم بعد قيامهم بالصلاة المخصوصه بأهل الشريعه على كمال أركانها وأفعالها هي توجهم أولاً بقبلتهم الى القبله الحقيقيه والكعبه المعنويه التي هي القلب الحقيقي المعبر عنه ببيت الله الحرام لقوله تعالى : " لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن " . ولقول نبيه " صل الله عليه واله " :  قلب المؤمن بيت الله " .
بالنيه الخالصه والإخلاص التام والحضور الكامل لقوله " عليه السلام " : " لا صلاة إلا بحضور القلب " ولقوله عز وجل : " ألا لله الدين الخالص " ولقوله الجامع لهذا المعنى كله : " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي لله رب العالمين " .
ثم يكبر تكبيرة الإحرام ويحرم على نفسه جميع ما يخالف أمره ويتجاوز رضاه من الأقوال والأفعال .
ثم يشرع في القراءه وهي ( الحمد لله رب العالمين ) وذلك هو القيام بشكر  نعمه وأياديه بالثناء الجميل عليه , والقيام بوظايف عبادته على إختلاف أنواعها والإقرار بالوحدانيه في مقام الجمعيه غير منحرف الى طرفي الافراط والتفريط .
ثم في الاستعانه واقرار بالعبوديه وهي قوله : ( أياك نعبد وأياك نستعين ) .
فإن ذلك إشاره الى التوحيد الفعلي والوصفي بأضافة الأفعال والأوصاف اليه في المرتبتين , لأن ( أياك نعبد ) أشاره الى التوحيد الفعلي و ( أياك نستعين ) الى التوحيد الوصفي , ولهذا جاء عقبيهما : ( اهدنا الصراط المستقيم  * صراط الذين أنعمت عليهم ) لأنه أضافة الهدايه وإضافة النعمه على الأنبياء والأولياء بل على الكل إليه , وهذا هو كمال التوحيد الحقيقي , ومعناه عند المحققين : ثبتنا على هذا الذي نحن عليه من الإستقامه على ( الصراط المستقيم ) , لأن هذا صراط  الذين أنعمت عليهم من الأنبياء والرسل , وأكد في تحقيق الصراط بالمستقيم ليخرج عنه ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) لأن ذلك صراط غير مستقيم وقيل : إنه ورد في اليهود والنصارى .
وهو صادق على كل منحرف من الصراط المستقيم الذي هو الحد الأوسط بين طرفي الإفراط والتفريط من أصول الأخلاق الحقيقيه التي هي الحكمه والعفه والشجاعه والعداله .
ولفظ ( إهدنا ) لو لم يكن بمعنى ثبتنا على هذا الذي نحن فيه لكان عبثاً وبل مهملاً , لأن الأنبياء والأولياء بالإتفاق كانوا على الصراط المستقيم , وكذلك تابعيهم من المؤمنين والمسلمين لقوله تعالى : ( واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم ) .
فلو كان ( إهدنا ) حينئذ بمعنى طلب الهدايه الى الصراط المستقيم لكان يلزم الفساد المذكور , ويؤدي الى تحصيل الحاصل , وطلب ما عندهم من الهدايه , وهذا غير جائز عنهم فلم يبقى إلا أن يكون المعنى المذكور .
وللحديث بقيه اذا وفقنا لذلك .
والحمد لله رب العالمين





***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم