معرفة الله

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد 





معرفة  الله


قال تعالى : ( سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) .
بعد التمعن في تلك الآيه الكريمه نجد الله سبحانه وتعالى يحثنا على البحث والتفكير بآياته في الأفاق وفي أنفسنا لكي نتبين من تلك الآيات اولاً معرفته وثانياً صفاته وأفعاله .
ما يهمنا في هذا البحث هو النظر والتمعن في أنفسنا عسى أن نصيب بعض الحقيقه والله العالم :
أعلم :  أستدللنا بنا عليه تعالى من خلال طلب الدليل من أنفسنا عليه ، فما وصفناه بوصف إلا وجدنا ذلك الوصف فينا ، إذ لو لم يكن فينا ولم نتصف به لم يمكنا أن نصفه . قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) .
وأن  ما نسبناه أليه هو كل ما نسبناه إلينا كالحياة والعلم والإراده والقدره والسمع والكلام وغير ذلك ، والتراجم هم الأنبياء " عليهم السلام " فإنهم أخبروا بهذا المعنى في قوله تعالى : ( وما تشآون إلا أن يشاء الله ) ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) .
في الحديث القدسي : ( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) .
 فوصف نفسه بنا فإذا شهدناه بوصف شهدنا  نفوسنا بذلك الوصف ، إذ لو يكن ذلك الوصف فينا ما شهدناه به ، وإذا شهدنا بوصف شهد نفسه بذلك الوصف ، فإن ذلك الوصف وصفه تجلى به لنا بحسب استعدادنا وإلا من أين حصل لنا ذلك ونحن عدم محض ومن ثم يعلم أن وجودنا وجوده تعين بصورتنا .
أن وصفنا الحق بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق وليس إلا افتقارنا إليه وغناه عنى ، فإن الوجود المشخص مطلق الوجود مع قيد ، فذلك القيد هو افتقارنا اليه وغناه عنى .
أن اوليته بالغنى الذاتي وعدم الاحتياج في وجوده الى الغير وقيل فيه الآخر لا بمعنى أنه آخر كل ممكن إذ الممكنات غير متناهيه فلا آخر لها .
أي : لو كانت اوليته بأن يكون وجوداً مقيداً واحداً من الموجودات المقيده فابتدأ منه المقيدات لزم أن يكون آخريته بأن يكون آخراً للمقيدات لكنه لا آخر لها ولو كان لها آخريه ينتهي  به الوجود  ،  فآخريته برجوع الأمر كله اليه  بعد نسبته إلينا ، فكذلك أوليته بابتداء الكل منه بنسبته الينا ، فالنسب والإضافات ممكنه والحقيقه من حيث هي هي واجبه ، وذلك معنى قولهم : التوحيد إسقاط الاضافات ولا إله إلا هو ( كل شيء هالك إلا وجهه ) .
أنه تعالى لما أرانا آيات أسمائه وصفاته في العالم جعل فينا ما نعرف به ذلك فشركنا مع العالم في صفاته لنعرف بما فينا ما فيه ، وما أمكن العالم قبول جميع أسماء الحق وصفاته ، لأن الفارق بينه وبين الحق الوجوب الذاتي والإمكان وما يلزمهما من الغنى والفقر لازم بعضها وهو الذي لا يختص بالوجوب كالوجود والظهور والبطون ، وأما البعض الآخر فلا يقبل إلا آثارها التي يليق بفقره ونقصه ، وجمع فينا  بأحدية الجمع الأمرين ، فلذلك قسمها قسمين وجعل القسم الأول مشتركاً بين الكل أي بين الحق تعالى وبيننا وبين العالم .
لكنه فرق بين العالم ووصف الحق بأن جعل العالم عالمين عالم غيب وعالم شهاده ، ولم يفرق وصف الحق ووصفنا ، فاضاف الغيب والشهاده إلينا بحكم أحدية جمعنا المخصوص ولم يفرق بين وصف الحق ووصفنا فاضاف الغيب والشهاده إلينا بحكم أحدية جمعنا المخصوص فنحن على معناه وصورته دون العالم .
أن مساواته العالم في حقائقه ومفرداته يختص بالجامعيه الأحديه دونه ، وبهذه الجامعيه التي اتحدث بها مفردات العالم كاتحاد العناصر بالتركيب واتحاد كيفياتها بالمزاج واتحاد صورته بقوى العالم المسماة بالتسويه ليستعد لقبول روحه المنفوخ فيه فاستحق به الخلافه لأن الخليفه يجب أن يناسب المستخلف ليعرف بصافته وأسمائه وينفذ حكمه في المستخلف فيه ، ويناسب المستخلف فيه ليعرفه بصفاته وأسمائه فيجري كل حكم على ما ستحقه من مفرداته ، فيناسب بروحه وأحدية جمعية الحق وشارك بصورته  وأجزاء وجوده ومفردات العالم فهو  عبد الله رب العالمين وصورته التي هي من العالم شهادته وروحه غيب وربوبيته من جهة غيبه .
لأنه من حيث الصوره داخل في العالم ، ومن حيث معناه خليفة الله وسلطان للعالم . فالظلمانيه أجساد العالم والنورانيه أرواحه ، وليس العالم إلا هذه الاجسام الكثيفه والارواح اللطيفه فهو حجاب على نفسه .
فما صحت الخلافه إلا للأنسان الكامل فأنشأ صورته الظاهره من حقائق العالم وصوره ، وأنشأ صورته الباطنيه على صورته تعالى .
ووصف نفسه بأنه ظاهر وباطن فأوجد العالم عالم غيب وشهاده لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا .
أن استحقاق آدم للخلافه إنما يكون بالصورتين أنشأ صورته الظاهره ، حيث جمع فيه الحقائق الكونيه ، فلم يبق من صور العالم وقواه شيء إلا وفيه نظير ، فإنه سميع بصير عالم فيكون متصفاً بالصفات الإلهيه مسمى بأسمائه . لذلك  قال فيه : ( كنت سمعه وبصره ) أي صورة العالم وصورة الحق . أي وكما أن الحق في آدم بصورته كذلك في كل موجود . أي عينه باستعداده الأزلي ، فإنه مظهر الذات مع  جميع الصفات بخلاف سائر الأشياء وإلا لكان الكل مظهراً له بقدر قبوله .
فآدم هو النفس الواحده اي حقيقة الانسان من حيث هو وهو روح العالم ، التي خلق منها هذا النوع الانساني أي أفراد النوع وإلا فالنفس الواحده هي حقيقة النوع بدليل قوله تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده ) فإن الخطاب للافراد المخلوقه من النفس الواحده .
أي خلق من الروح الكلي التي هي النفس الواحده زوجها ، وهي النفس الكليه الرجال والنساء المبثوثه منها بقوله تعالى : ( وبث فيها رجالاً كثيراً ونساء ) هي أشخاص النوع .
بعد أن علمتوا ذلك عليكم أن تتخذوا وقايه لأنفسكم تتقون بها ربكم ، ولما كان الرب هو الظاهر والباطن كانت ربوبيته لظواهركم من أسمه الظاهر بإمداد الحفظ والرزق وجميع ما يتعلق بالرحمه الرحمانيه من الاسماء ، وربوبيته لبواطنكم من أسمه الباطن بإمداد العلم والحكمه وجميع ما يتعلق بالرحمه الرحيميه من الاسماء .
فعليكم بالاستمداد بالربوبيه وتهيؤ الاستعداد القابله من الوجهين .
وذلك بالتأدب بين يديه بآداب الحضره فاتخذوا وقايه لأنفسكم مما ظهر منكم تتقون بها ربكم الظاهر أن يمنع ألطافه الظاهره من الرزق والحفظ وأمثالها ، وينتقم منكم في سوء أدبكم بنسبة الشرور والمعاصي اليه فتحرموا مدد الحفظ والرزق . نتيجة الحرمان من ألطافه الربوبيه الظاهره لفساد المربوبيه  بظهور صفات النفس .
واتخذوا وقايه لأنفسكم مما بطن منكم تتقون بها ربكم الباطن أن يمنع الطافه الباطنه من الرحمه الرحيميه بسوء أدبكم بنسبة الكمالات المعنويه والمعارف والحكم الى أنفسكم فتحجبوا بصفاتكم وظهورها عن قبول أنوار صفاته ، وتحرموا إمداد الفيض العلوي والألطاف الباطنه لفساد استعداد المربوبيه بحسب الباطن . 
والحمد لله رب العالمين 





***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم