بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
وصية السيد علي بن طاووس ( رحمه الله )
نبذه عن حياة الموصي :هو السيد علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس ( قده) ولد في الحله عام ٥٨٩ هجريه وتوفي في بغداد عام ٦٦٤ هجريه .
كان رحمه الله من العلماء العاملين الكاملين الزاهدين . وقد عرف عنه بانه من اهل المكاشفات والمقامات والكرامات . حتى قال الشيخ النوري عنه بانه (( ما اتفقت كلمة الاصحاب على اختلاف مشاربهم وطرقتهم على صدور الكرامات عن أحد ممن تقدمه او تأخر عنه غيره )) . واول المصرحين بذلك هو الشيخ الاجل سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي المجمع على توثيقه وعلمه وجلالته . وهو والد العلامه الحلي الذي ينقل عنه ان والده روى له بعض كرامت السيد (( وكان رضي الدين علي صاحب كرامات حكى لي بعضها وروى لي والدي البعض الاخر )) .
وهذه الكرامات لها أقسام عديده :
منها اطلاع الله تبارك وتعالى له على اسرار العبادات والغيب وكشف بواطنها له ، وتعريفه بحقائق الاشياء وجعله يشاهدها كما هي ، ويمكن للمطالع المتدبر الذي يفتح قلبه لمواعظ السيد ابن طاووس ان يحصل على الكثير من اشارات وتنبيهات هذه المعارف الالهيه الخاصه بين طيات مصنفاته القيمه وتعليقاته على النصوص التي ينقلها فيها .
ومنها اختصاصه بمعرفة مباشره لما لا يتسنى لغيره معرفته الا بتوسط الاسباب ، نظير معرفته اوائل الشهور العربيه قال - رحمه الله - ( واعلم ان الله جل جلاله تفضل علينا باسرار ربانيه ، وانوار محمديه ومبار علويه منها تعريفنا بأوايل الشهور وان لم نشاهد هلالها وليس ذلك بطريق الاحكام النجوميه ولا الاستخارات المرويه ، وانما ذلك كما قلنا بالامور الوجدانيه الضروريه ، وانما نذكر من دلائل شهر رمضان او علاماته او امارته لمن لم يتفضل الله جل جلال عليه بما تفضل به علينا من هباته وكراماته ، وان لم يلزم العمل بها في ظاهر الشريعه النبويه ) .
ومن الامور الكاشف عن سمو مقامه استجابة دعائه الفوريه التي أقر بها الموافقون والمخالفون , كما يصرح بذلك العلامه الخوانساري ضمن حديثه عن مقامات السيد حيث يقول : ( ومنها كونه من جملة العبده الزهده المستجابي الدعوه بنص الموافقين لنا والمخالفين ) .
ومن الامور الكاشفه عن علو مقام السيد وشدة خضوعه للاراده الالهيه , الالطاف الالهاميه التي كان يحيط بها ربه الكريم فيوجهه الى ما ينبغي عليه ان يفعله ليحصل على رضا ربه ويزداد منه قربآ وتتعمق عبوديته له اخلاصآ .
ونماذج هذه الامور والالطاف الالهاميه كثيره في سيرة هذا العالم الرباني يمكن التعرف على الكثير منها في مصنفاته وبخاصه مقدماتها .
ومنها الامور غير العاديه بل الاعجازيه التي كان يعامله بها تنبيهآ له الى وظائف ينبغي له ان يقوم بها, نظير الحادثه الاعجازيه التي وقعت له في قضية قدوم العبد الصالح ( عبد المحسن ) عليه وهو يحمل رساله له من الامام المهدي الحجه بن الحسن - عجل الله فرجه الشريف - فبعد ان استلم الرساله منه واوصاه ان يكتم الامر عرض عليه شيئآ فامتنع عبد المحسن مستغنيآ , وبات عنده في مسكنه بالحله , وعندما قام السيد لصلاة الليل وقدم له غلامه الابريق حدثت حادثه غريبه ننقلها ملخصآ مما كتبه السيد .
يقول - رحمه الله - : { فمددت يدي ولزمت عروته لافرغ على كفي فامسك ماسك فم الابريق واداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهاره الصلاة , فقلت : لعل الماء نجس فاراد الله ان يصونني عنه , فان لله جل جلاله علي عوائد كثيره , احدها مثل هذا واعرفها , فناديت : الي - فتح - اسم الغلام فقلت من اين ملات الابريق ؟ قال : من المسيبه , فقلت : هذا لعله نجس فأقلبه واشطفه , فمضى وقلبه وانا اسمع صوت الابريق وشطفه وملاه من الشط وجاء به فلزمت عروته وشرعت اقلب منه على كفي , فامسك ماسك فم الابريق واداره عني ومنعني منه ,فعدت صبرت ودعوت بدعوات وعاودت الابريق لجرى مثل ذلك , فعرفت ان هذا منع لي من صلاة الليل في تلك الليله , قلت في خاطري : لعل الله يريد ان يجري حكمآ وابتلاء غدآ , ولا يريد ان ادعوا الليله بالسلامه من ذلك , وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك , فنمت وانا جالس واذا برجل يقول لي : { هذا - يعني عبد المحسن - الذي جاء بالرساله كان ينبغي ان تمشي بين يديه } فاستيقظت ووقع في خاطري ان قد قصرت في احترامه واكرامه فتبت الى الله جل جلاله , واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك , وشرعت في الطهاره فلم يمسك احد الابريق وتركت على عادتي , فتطهرت وصليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت صلاة الليل , وفهمت انني ما قمت بحق هذه الرساله فنزلت الى الشيخ عبد المحسن وتلقيته واكرمته , ومشيت بين يديه كما أمرت في المنام الى ظاهر الدار واوصيته بالكتمان والحمد لله } .
الوصيه :
وهي من اهم الوصايا الشامله للامور العقائديه والاخلاقيه والسلوكيه وعنها يقول المحدث الكبير الشيخ النوري صاحب كتاب المستدرك : { هذا الكتاب مما ينبغي ا يكتب بالنور على الاحداق لا بالحبر على الاوراق , فان فيه مع صغر الحجم من الفوائد العظيمه والمطالب الجليله في كيفية تحصيل الاعتقاد الجازم الراسخ في القلب بوجود الصانع المقدس جل جلاله وبرسوله وحججه -صلوات الله عليهم اجمعين - النبويه ومقتبس من المشكاة العلويه ما لا يشتمله كتاب ولا يحتويه خطاب } .
وها نحن نذكر بعض فقرات الوصيه بطريقه موضوعيه تعين السالك الى الله تعالى , ومن ذلك :
1 - تحديد الهدف وهو الصول الى الكمال :
قال رحمه الله لولده : واعلم يا ولدي محمد حفظك الله جل جلاله عن الخذلان , وصانك بخلع الاحسان والامان , ان اهل الكهف كانوا مماليك لا يفقهون , وسحرة فرعون كانوا سكارى بالكفر ما يعتقد ناظرهم انهم يفيقون , فتداركهم الله جل جلاله برحمه من رحماته الجميله , فامسوا عارفين به مخلصين من اهل المقامات الجليله .
وقد عرف كل خبير ان امرأة فرعون ومريم بنت عمران وأم موسى عليه السلام , نساء ذوات ضعف عن الكشف تولاهن الله جل جلاله بيد اللطف والعطف , حتى فارقت زوجة فرعون ملك زوجها ودولته وحقرته وهونت عقوبته .
وبلغت مريم الى كرامات وسعادات حتى ان النبي المعظم في وقتها زكريا عليه السلام يدخل عليها في المحراب فيجد عندها طعامآ ياتيها من سلطان يوم الحساب بغير حساب , ويفهم من صورة الحال ان زكريا ما كان ياتيه مثل ذلك الطعام لانه عليه السلام قال :
{ أنى لك هذا } على سبيل التعجب والاستفهام , وهو أقرب منها الى صفات الكمال .
وهذه ام موسى يوحي الله تعالى اليها بغير واسطه من الرجال حتى يهون عليها رمي ولدها وواحدها ومهجة فؤادها في البحر والاهوال .
فلا تقصر همتك يا ولدي محمد عن غايه بلغ اليها حال النساء الضعيفات , واطلب ذلك ممن قال جل جلاله : { أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } .
سنكمل ان شاء البقيه في القسم الثاني
والحمد لله رب العالمين
***********************
***********************
إرسال تعليق
التعليق على الموضوع :