التوحيد في منهج أهل البيت ( ع )

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد


التوحيد في منهج أهل البيت
عليهم السلام


قال الامالم علي " عليه السلام :
[ أوّل الدّين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ]
[ لا يقبل الله عملاً بلا معرفه ، ولا معرفه إلأ بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفه على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفه له ، ألا إنّ الايمان بعضه من بعض ]

التوحيد قاعدة الاسلام وأساس الفهم والتفكير ومحور العلم والعمل . فهو المنطلق والقاعده للتشريع والقيم والأخلاق ومنهج التفكير .
إنّ مفهوم التوحيد يسلك أساساً في بناء الحضاره الاسلاميه المتميزه بصبغتها التوحيديه :
( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغه ونحن له عابدون ) .
الصبغه التوحيديه التي تميّزها عن الحضارات الجاهليه . وتعطيعها الصفات الرساليه المحدّده . وهي التي تمنح سلوك المسلم وتفكيره  النمط المتميّز في الحياة .
إنّ القرآن الكريم والسنّه المطهّره هما مصدر الفكر والتفكير العقائدي وقد أوضحا لنا كامل عقيدة التوحيد . وبيّنا لنا وجود الله الخالق العظيم . وحدّدا صفاته الكماليه . وثبّتا له التنزيه المطلق . فكتملت أسس هذه العقيده وأصولها التوحيديه . فآمن بها المسلمون الأوائل كما سمعوها من رسول الله " صل الله عليه واله " وقرأوها في كتاب الله المجيد .
انتشر الاسلام وتوسّعت الفتوحات الاسلاميه . ودخلت شعوب وأمم ذات حضارات وفلسفات جاهليه كالفرس والهنود والصينيين .
كما دخل في الاسلام ناس من أتباع الديانات المسيحيه واليهيوديه المحرّفه . والمتأثّرين بالفلسفه واللأهوت المسيحي واليهودي . يضاف الى ذلك ما نقل من أفكار وفلسفات يونانيه وغيرها . فنشأ الجدل والشك ودخلت الخرافات والمفاهيم الغريبه على عقيدة التوحيد  عن طريق هذا التسرّب الحضاري  الهدّام . وأضطربت عقيدة التوحيد عند صنف من المشتغلين في بحث العقيده ومسأئلها والفلسفه وفروعها . كمسألة الجبر والتفويض في الشلوك الانساني . وكمسألة الغلو والتجسيم . وتفسير الإسراء والمعراج .... الخ .
فتبلبلبت الأفكار ونشأت المذاهب والفرق والاتجاهات العقائديه الضّاله والمنحرفه عن عقيدة التوحيد .
فخاض أئمة أهل البيت " عليهم السلام " والعلماء والمفكّرون الاسلاميون صراعاً حضارياً وفكرياً عنيفاً . ترك أثره الواضح ال يومنا هذا - على الرغم من انقراض بعض الفرق والتيارات الضّاله - ترك هذا الصراع أثره السلبي والايجابي معاً على الفكر العقائدي .
وعلى اتجاه التفكير وتفسير مسائل العقيده .
وفي هذا الصراع كان أئمة أهل البيت " عليهم السلام " بما أوتوا من نقاء في الفهم وإحاطه بعلوم الشريعه ومعرفة الله سبحانه . واستيعاب شامل لكتاب الله وسنّة رسوله . كان لهم ولمدرستهم العلميه والعقائديه الدور البارز في صدّ الشبهات واسقاط التيارات الضالّه والمنحرفه والدفاع عن مفهوم التوحيد بنقائه وأصالته . وما زالت بين أيدينا مناظرات أئمة أهل البيت " عليهم السلام " وأحاديثهم وتفسيرهم للآيات التي تتحدّث عن التوحيد وتزيح غوامض التفكير . وتجري الفهم الاسلامي الأصيل على أصوله وترفع محاولات الشطط وسوء الاستفاده من الآيات وتفسير ظواهرها  وفق هوى النفس ومسبقات التفكير الضال المنحرف . أو الفهم الحائر المضطرب . فتبلورت وفق منهجهم في فهم كتاب الله . ومعرفتهم الله سبحانه . الوحده الفكريه المتماسكه لعقيدة التوحيد .
ومن يدرس علوم العقيده . عقيدة التوحيد . ويتعمّق في فهم وحدة البناء العقائدي وتفريعاته ومسائله وفق منهج ومدرسة أهل البيت " عليهم السلام " ونظرتهم . يدرك ذلك العمق والنقاء . وكيف أنّ البناء العقائدي والحضاري بأسره يدور مدار عقيدة التوحيد . وأنّ عقيدة التوحيد تقوم على أساس { إثبات الكمال المطلق لله سبحانه ، وتنزيهه عن كل نقص ، ونفي الشريك والتشبيه والمثيل والضدّ عنه } .
وقد ثبّت الامام علي " عليه السلام " أسس هذا الاتجاه التوحيدي بقوله :
{ التوحيد أن لا تتوهّمه ، والعدل أن لا تتّهمه } .
وقد وردت أحاتديث ومناظرات وتصريحات ثبّت فيها أئمة أهل البيت " عليهم السلام " عقيدة التوحيد . وردّوا شبهات المنطلين والزنادقه . كالديصاني وابن أبي العوجاء وابن المقفّع . والملحدين والغلاة والمجسّمه والمفوّضيه والجبريه وأمثالهم .
وفيما يأتي نستعرض جانباً من هذه المبادىء التوحيديه التي تعبّر عن عقيدة القرآن . وترسم أسس العلم والتفكير التوحيدي بنقائه وأصالته .
عن الامام الصادق " عليه السلام " أنّ أمير المؤمنين علي بن ابي طالب قال :
{ اعرفوا الله بالله ، والرسول بالرساله ، وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان } .
وروى الفتح بن يزيد عن الامام علي بن موسى الرضا " عليه السلام " قال :
{ سألته عن أدنى المعرفه فقال : الإقرار بأنّه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير ، وانّه قديم مثبت موجود غير فقيد ، وانّه ليس كمثله شيء } .
وسأل نافع بن الأزرق الامام أبا جعفر محمد الباقر " عليه السلام " فقال :
{ أخبرني عن الله متى كان ؟ فقال : متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ،  سبحانه من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتخذ صاحبه ولا ولداً } .
وروى الصادق أن حبرا من الأحبار جاء للامام علي " عليه السلام " يسأله فقال :
{ يا أمير المؤمنين متى كان ربّك ؟ قال : ويلك انّما يقال : متى كان لم لم يكن ، فأمّا ما كان فلا يقال متى كان ، كان قبل القبل بلا قبل ، وبعد البعد بلا بعد ، ولا منتهى غايه لتنتهي غايته ، فقال له : أنبي أنت ؟ فقال : لأمّك الهبل أنّما أنا عبد من عبيد رسول الله " صل الله عليه واله " } .
وعن الباقر " عليه السلام " :
{ إياكم والتفكر في الله ، ولكن إذا أردتم أن تنظروا الى عظمته فانظروا الى عظيم خلقه } .
وأوصى الامام الصادق " عليه السلام " أحد أصحابه ( محمد بن مسلم ) بقوله :
{ يا محمد إنّ الناس لا يزال بهم المنطق حتى يتكلموا في الله ، فإذا سمعتم ذلك فقولوا : لا إله إلا الله الواحد الذي ليس كمثله شيء } .
وعن الامام الباقر " عليه السلام " :
{ تكلّموا في كل شيء ، ولا تتكلّموا في ذات الله } .
وقد شرح الامام علي " عليه السلام " لأحد سائليه عندما سأله : أين الله قبل أن يخلق الخلق . فرد عليه نافياً حاجة الله سبحانه الى المكان . مؤكداً تنزيه الباري جلّ شأنه عن ذلك . كما هو منزّه عن الحاجه الى الزمان .
سأله سائل :
{ أين كان ربّنا قبل أن يخلق سماءً وأرضاً ؟ فقال : أين سؤال عن مكان . وكان الله ولا مكان } .
وسئل عن رؤية الله سبحانه . فنزّهه عن الرؤيه وقال للسائل حين سأله :
{ يا أمير المؤمنين   هل رأيت ربّك حين عبدته ؟ قال : ويلك ما كنت أعبد ربّاً لم أره ، وكيف رأيته ؟ قال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهده الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان } .
وروى محمد بن حكيم قال :
{ كتب أبو الحسن موسى بن جعفر " عليه السلام " الى أبي : إنّ الله أعلى وأجلّ وأعظم من أن يبّلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف نفسه ، وكفّوا عمّا سوى ذلك } .
وعن المفضل قال :
{ سألت أبا الحسن عن شيء من الصفه فقال : لا تجاوز ما في القرآن } .
وعن عبد الرحمن بن عتيك القصير قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين الى أبي عبد الله الصادق " عليه السلام " :
{ إنّ قوماً بالعراق يصفون الله بالصوره وبالتخطيط ، فان رأيت جعلني الله فداك أن تكتب اليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد ؟
فكتب اليّ : سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب اليه من قبلك ، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، تعالى عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله بخلقه ، المفترون على الله ، فاعلم رحمك الله أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزّ وجلّ ، فانّف عن الله البطلان والتشبيه فلا نفي ولا تشبيه ، هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون ولا تعدوا القرآن فتضلّوا بعد البيان  } .
وفي توحيد الذات وتنزيهه عن مشابهة الخلق قال حمزه بن محمد : كتبت الى أبي الحسن الكاظم أسأله عن التجسيم والصوره فكتب :
{ سبحان من ليس كمثله شيء ، لا جسم ولا صوره } .
وهكذا تقرأ التوحيد الخالص والتنزيه المطلق لله سبحانه في مدرسة أهل البيت " عليهم السلام " ، نهجهم المعبّر عن روح القرآن ومضمونه ، وما جاءت به آياته .وبذا ثبّتوا عقيدة التوحيد ، وردّوا الأباطيل والشبهات والأضاليل التي ابتلي بها التفكير الاسلامي في تلك الفتره من حياة الأمّه . كما يقوم هذا البيان ردّاً حاسماً على الضّالّين والمنحرفين من الغلاة والمفوضه والمجسمه ومن قالوا بالحلول - حلول الله في بعض خلقه - أو بالاتحاد - اتحاد الله مع خلقه - .
وايضاحاً لمن اشبهت عليه الأمور فراح يخلط بين مذهب أهل البيت الحق المنزّه عن خرافات الغلاة والمفوضه ومن قالوا بالحلول ممّن ادّعوا الانتساب الى أهل البيت " عليهم السلام " وبين أتباع تلك الفرق الضاله.
وكثيراً ما يلحأ المخربون والمفرقون لصفوف هذه الأمه الى التضليل والخلط والتشويه بغية الدسّ والافتراء واستغفال البسطاء  ومن لا علم لهم لتفريق الأمه وشقّ وحدتها وخدمة أعدائها .
والحمد لله رب العالمين




***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم