الانسان من عالم الامر والملكوت

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد





التصديق بأن  الانسان من عالم الآمر والملكوت



قال تعالى : (  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) . 
وقال أيضاً : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) .

تعالوا اعزائي لنستعرض هل الانسان وجوده ملكوتي ام ارضي . الكثير منا يجهل هذه الحقيقه  . 
وقبل توضيح المطلب نحتاج الى تقديم الكلام حول العوالم ونذكرها مرتبه من الادنى الى الأعلى , ولكل عالم جذبه خاصه به : 

1 - عالم الناسوت ( عالم الماده ) : وهو عالم الدنيا الذي نعيش فيه .
2 - عالم المثال ( عالم الظلال , عالم الأشباح . عالم الأرواح , عالم الملكوت ) : وهو العالم المعبّر عنه أيضاً بعالم ( ألست ) إشاره الى قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) . والذي يوجد فيه الناس جميعاً لكن بأرواحهم فقد ( بدون ماده ) .
3 - عالم العقل ( عالم النور , عالم الأنوار , عالم الجبروت , عالم الوجود المطلق ) : وهو عالم الأنوار الأربعة عشر للأئمه المعصومين " عليهم السلام " .
وهنا نريد أن نثبت أنّ الانسان موجود مجرد , ومع الاقتصار على أقل البراهين العقليه .
1 - دليل التجرد الملكوتي : قالوا --  في  المنطق أنّ الكلي موطنه الذهن , وينطبق على الأفراد الكثيره التي تسمى جزئيات ذلك الكلي .
إنّ كل موجود خارجي يلحظ تاره هويته وأخرى بلحاظ ماهيته , أمّا هويته فهي وجوده الشخصي الخارجي وهو واضح .
وأمّا ماهيته فهي حقيقته الذهنيه التي ذاتياتها الجنس والفصل .
وهذه الحقائق سابقه وجوداً على الوجودات الخارجيه وهو الظاهر من قوله تعالى : ( وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامه إنّا كنّا عن هذا غافلين ) . حيث لا ماده , بل عالم المجردات .
وهذا ينفي إشكال أنّ الكلي يجب ان يكون منتزعاً من مجموع جزيئيات , لأنّ هذا الكلام إنّما يجري في عالم الماده والخارج , أما في عالم المجردات فلا , إذن هذه الدنيا عباره عن محطه لابد أن نعبرها بسرعه وبسلام لنرجع الى ما كنا عليه من تجرد , كما قال النبي " صل الله عليه واله " : ( ما خلقتم للفناء , بل خلقتم للبقاء ) .
 إذن الانسان مجرد وليس بمادي , ولابد أن ننفي كل التشخصات الماديه عنه تمهيداً للانتقال من الجزئي الى الكلي . 
2 - دليل التجرد العقلي : العقل يدرك الكليات , ولا حد لادراكه ( بالنسبه للمعلومات التي يمكن أن تعلم ) والمعلومات التي يدركها غير متناهيه , فالعقل يستطيع أن يدركها , فإذا كان الفعل الصادر من الانسان غير متناهي فليزم أن يكون الانسان غير متناهي أيضاً لوحدة السنخيه , كما أنّ الفعل الصادر من الله سبحانه غير متناه لأنه تعالى غير متناه .
فالإنسان موجود مجرد لأنه يتعقل المجردات , إذ كل مجرد وكل مجرد عالم . 
وقد ورد عن النبي الاكرم " صل الله عليه واله " : ( أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه ) .
وعن أمير المؤمنين " عليه السلام " : ( من عرف نفسه قد عرف نفسه ) . 
وهاتان الروايتان تدلان على إمكان المعرفه بل وقوعها , لأنّ النصوص الشرعيه قد أثبتتها , هذا وأنّ معرفة النفس المجرده المستتبعه لمعرفة الباري تعالى أمر مشكك دلّ عليه ( أفعل ) التفضيل في الروايه الاولى , كما تعرف بأنّ المعلوم نجرد وكذا العالم وهو دليل سوف نتمسك به على ملكوتية وجود الانسان وتجرده . 
ولا بأس بأيراد ما ورد في شرح هذه الكلمات : فقالوا :
أ - نفس الشيء ذاته وهي التي يشير اليها كل واحد بقوله : أنا , يعني من عرف نفسه بالإمكان والحدوث والعجز والإحتياج فقد عرف ربه بالوجوب والقدم , والقدره الكامله والإحتياج اليه , فمعرفة النفس دليل كاف في معرفة الله تعالى , فمن لم يعرف نفسه ولم يستدل بها على الصانع مع أنّها أقوى الأدله وأقربها فكيف يعرف ربه بدليل آخر ؟
ب - قال بعض العلماء : الروح لطيفه لاهوتيه في صفه ناسوتيه , داله من عشرة أوجه على وحدانيه ربّانيه :
1 - لما حركت الهيكل ودبرته , علمنا أنّه للعالم من محرك ومدبر .
2 - دلت وحدتها على وحدته .
3 - دل تحريكها للجسد على قدرته .
4 - دلّ اطلاعها على ما الجسد على علمه .
5 - دل استواؤها الى الاعضاء على استوائه الى خلقه .
6 - دل تقدمها عليه وبقاؤها بعده على أزله وأبده .
7 - دل عدم العلم بكيفيتها على عدم الإحاطه به .
8 - دل عدم العلم بمحلها من الجسد على عدم أينيته .
9 - دل عدم مسها على امتناع مسه .
10 - دل عدم إبصارها على استحالة رؤيته .
ج - قال بعض الاكابر : إنّ قول أمير المؤمنين " عليه السلام " : (  من عرف نفسه فقد عرف ربه ) معناها أنّه كما لا يمكن التوصل الى معرفة النفس أعني الروح كذلك لا يمكن التوصل الى معرفة الرب . 
اذا  وفقنا إن شاء الله تعالى : سوف نشرح إنّ معرفة الله سبحانه تتم عن طريق أسمائه وصفاته التي هي ليست عين الذات التي منعنا من الكلام فيها .

الانسان موجود أمري لا خلقي :

ويوضح هذا الأمر ما ورد عن الامام الصادق " عليه السلام " أنّه سئل عن الآيه ( وإن منكم ألأ واردها ) .
فقيل له : أنتم أيضاً واردوها ؟
فقال " عليه السلام "  : ( جزناها وهي خامده ) .
وهذه الروايه توضح الوجود الحقيقي السابق لهذا الوجود بالنسبه لجميع الموجودات وبالأخص الانسان .
هناك توضيح لهذه الروايه ذكره الملا هادي السبزواري في شرح الأسماء الحسنى :
( لكون باطن الدنيا هو جهنم كان المراد بالورود على النار في قوله تعالى : ( وإن منكم إلأ واردها كان على ربك حتماً مقضيّاً ) هو الورود على الدنيا, ولذا حيث يسئل عن شموله لهم " عليهم السلام " قال " عليه السلام " : ( جزناها وهي خامده ) يعني لم ينشب فينا مخالب الدنيا ولم نقع في أشراكها ولم يتعلق بأذيالنا أيدي علايقها . ومرادنا بكون جهنم باطن الدنيا , والدنيا صورة جهنم وظاهرها أنّه إذا فتشنا عن حال الدنيا وما دخل فيها بالذات لم يبق لها من هذا العالم المادي إلا الشرور والآفات والحدود والقصاصات ) .وبعباره آخرى : إنّ الأئمه " عليهم السلام " عبروا الدنيا ولم يتعلقوا بها ( وهي خامده ) فمن لم يجزها وهي خامده وقع فيها وهي ملتهبه , لأنّه تعلق بالدنيا .
روى الحمهور عن النبي " صل الله عليه واله " قال : ( لولا تكثير في كلامكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع ) وقال النبي " صل الله عليه واله " ( لولا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا الى الملكوت ) .
وبذا يثبت تجرد الانسان وإنّ ما وراء هذه الوجودات الشخصيه وجودات تكون هي الوجود الحقيقي وهو محط الإهتمام والإعتبار .
والحمد لله رب العالمين 

Post a Comment

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم