حب النفس

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد

حب النفس


حب النفس :  يعني إنّ الانسان يتوجه الى ما فيه لبناء ذاته ونماءها مطلقاً سواء كان  وفق التقنين الإلهي أم لا .
وهذا الاطلاق قد ثبته علماء النفس والأخلاق حيث قالوا بأنّ الانسان من البدايه مفطور بأصل الخلقه على حبّ ذاته .
يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر " قدس سره " : ( وحب الذات هو الغريزه التي لا تعرف غريزه أعم منها وأقدم ، فكل الغرائز وشعبها بما فيها غريزة المعيشه فإنّ حب الانسان ذاته - الذي يعني حبه للذه والسعاده لنفسه ، وبغضه للألم والشقاء لذّاته - هو الذي يدفع الانسان الى كسب معيشته وتوفير حاجياته الغذائيه والماديه ) .
وقال " قدس سره " : ( ولا نعرف إستقراءً في ميدان تجريبي أوضح من إستقراء الإنسانيه في تاريخها الطويل ، الذي يبرهن على ذاتية حب الذات بل لو لم يكن حب الذات طبيعياً وذاتياً للانسان لما إندفع الانسان الأول - قبل كل تكوينيه إجتماعيه - الى تحقيق حاجاته ودفع الأخطار عن ذاته والسعي وراء مشتهياته ) .
ومن هنا رأيت أنّ حب الذات أمر ذاتي ، والأمر الذاتي لا يمكن التخلي عنه ونحن لا نريد تشويه صورة الذات والنفس ومن يحب ذاته ، كلا وإنّما نحن نسعى لإيجاد الحل في حال حب النفس اذا  أودي الى الوقوع في المهاوي ، وسبب إفساد الفرد والمجتمع ، وإنّما يكون حب النفس مذموماً في علم الأخلاق ، ويسبب الحجب ويجعل الانسان جاحداً إذا كان من هذا القبيل واتصفت الذات والنفس معه بالخسه والضعه ، فجميع الإتجاهات والأديان والمذاهب والتيارات تؤمن بأنّ سر فساد المجتمعات هو حب النفس والكل يريد أن يعالج هذه المعضله ، ولكن اختلفوا في كيفية العلاج ، وهنا يبرز دور التعاليم الاسلاميه والفكر الاسلامي في إيجاد الحل الصحيح .
لأنّ الاسلام يهتمّ بهذه القضيه التي قد تؤدي بالفرد الى أكثر من الجحود بل أنّ يدعي الربوبيه والعياذ بالله ، كما أدعى فرعون :
{ فقال أنا ربّكم الأعلى } أو يجعل كالشيطان الذي رفض الإمتثال لأمر الله عزّ وجلّ في السجود لآدم " عليه السلام " وقال :
{ أنا خير منه خلقتني من نّار وخلقته من طين } ولم يكن ذلك إلا لإعمال حب النفس البغيض .
قلنا أنّ المدارس والإتجاهات إختلفت في كيفية العلاج بعد أن اتفقوا في تشخيص المرض ،
 وقد تطرق السيد الشهيد محمد باقر الصدر " قدس سره " لذلك بقوله : ( إنّ العالم أمامه سبيلان الى دفع الخطر وإقامة دعائم المجتمع المستقر ، أحدهما أنّ يبدل الانسان غير الانسان ، أو تخلق فيه طبيعه جديده تجعله يضحي بمصلحته الخاصه ومكاسب حياته المحدوده ، والسبيل الآخر هو تربية  تلك الذات وتقوميها وتعريفها ما يجب أن تكون عليه وأنّها محكومه من قبل نظام علوي متكامل يضمن حقوق الجميع ويحترم الفرد والمجتمع عن طريق أتباع التعاليم الاسلاميه التي أثبتنا في أكثر من مورد أنّها تنفع في كل عصر ومصر ، بل إنّ المجتمعات لابدّ أن تقوم على أساس الأخلاق حتى في مجال السياسه .
المهم في كلّ شيء أنّ لا يدخر الانسان وسعاً في التخلي عن المرض العضال ، وأن يتّهم كل شخص نفسه على مبدأ خطبة المتقين :
{ فهم لأنفسهم متّهمون } .
وإذا شك بأنّ لديه حب النفس أو لا ، فاستصحاب حب جار ،  بعد أن أثبتنا أنّه موجود بالذات .
وما دمت تقول فقولك دليل على بقاء الأنا وحب النفس فيك ، إنّ من يقول إنّي لا احب نفسي أو إنّي تخلصت من حب النفس فهو أكبر دليل على بقاء هذا المرض فيه ، فالذي تخلص من حب النفس فعلاً هو من لا يلتفت الى أنّه  تخلص وهذا يعني أنّه يبقى يتهم نفسه بذلك .
والاعجاب بالنفس مرض وحجاب قد يعدّ من الكبر وقد يعدّ من العجب ،
وعلى أي تقدير يكون معناه :  هو الاعتداد بالرأي والفعل الصادرين من نفس الشخص مما يجعله يرفض قول وعمل الغير ، وقد يوغل أكثر في هذا الاعتقاد حتى أنّه لا يقبل ما يصدر عن الله عزّ وجلّ ومعدن العصمه والطهاره " عليهم السلام " .
فيصل الى مرحلة الجحود وذلك بسبب اعتداده برأيه فيجحد الحق ولا يصدّق به ،
وهذه القضيه ذكرها العلامه آية الله العظمى السيد محمد حسين الطهراني وهي :
إنّ الانسان في بعض الاحيان التي تعتريه بعض المشاكل ويبتلى  ويصبر على ذلك الابتلاء  بل قد يأنس به لأنّه من الله عزّ وجلّ ، وهذا لحد الآن شيء جيد فإنّه بعد ذلك يفتخر بنفسه باعتبار أنّ الله تعالى قد عطف عليه وجعله مشمولاً بعنايته بهذه الوسيله ، ويفتخر أيضاً بأنّه لم يتشك ولم يتململ مما أصابه .
بل قد يقول بأنّه لا يريد الخروج من الازمات التي تعتريه ، وهذه الحاله كما نرى من التذاذ النفس ووساوس الشيطان ، وهي ناشئه من الشعور بلعظمه وإبراز النفس نتجة الإعجاب بها ، لأنه في هذه الحاله لا ينظر الى إرادة الله عزّ وجلّ ولا مشيئته التي  تصاحبه في جميع الحالات ، بل يرى نفسه كيف وقفت أمام هذه المشاكل وتحملت صعابها ، وهو يتوهم بقوله هذا وفعله أنّه مغمور بنفحات الرحمن ولكنّه ينفث أشدّ من نفثات الشيطان فلابد لكل منّا أن يعلم بأن : كلّما يكون الشخص مقرب أكثر في هذا الطريق كان بلاؤه أشدّ وأكثر .
وأمّا الروايات الوارد في هذا المجال :
1 - عن أبي عبد الله " عليه السلام " قال : قال رسول الله " صل الله عليه واله " في حديث : ( قال موسى بن عمران " عليه السلام " لإبليس : أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه إبن آدم استحوذت عليه ؟ قال : إذا أعجبته نفسه ، واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه ، وقال الله عزّ وجلّ لداود :  يا داود بشر المذنبين وأنذر الصدّيقين ، قال :  كيف  أبشر المذنبين وأنذر الصدّيقين ؟ قال : يا داود بشر المذنبين أنّي أقبل التوبه وأعفو عن الذنب ، وأنذر الصدّيقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنّه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك .
2 - عن الامام الصادق " عليه السلام " قال : إنّ الله علم أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما أبتلي مؤمن بذنب أبداً .
3 - عن أبي جعفر " عليه السلام " قال في حديث : ثلاث موبقات : شح مطاع ، وهوى متبّع  ، وإعجاب المرء بنفسه .
4 - عن أمير المؤمنين " عليه السلام " قال : الملوك حكام على الناس ، والعلم حاكم عليهم ، وحسبك من العلم أن تخشى الله ، وحسبك من الجهل أن تعجب بعلمك .
والحمد لله رب العالمين 




***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم