السير والسلوك على نهج الكتاب والعتره !!! المحاضره الخامسه

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد


التوبه 2

إنّه من مختصات أهل الله الذين يعبدون من يعرفون ، وتوبته السعي لبلوغ تلك المرتبه من المعرفه ، إذن نحن مذنبون لكن كلّ بحسبه، وإذا كان الذنب موجوداً فيأتي الكلام في التوبه .
وهنا لابدّ من بيانها عن طريق عدّة نقاط :
1 -  تعريفها :
وهي ترك المعاصي في الحال ، وإلا لم تكن توبه حقيقيه ، بل كانت كذباً وخداعاً ، والعزم على تركها في المستقبل ، وتدارك ما كان قد ارتكبه في المستقبل ونشر بسط الوفاء ( بالتوبه لله سبحانه ، ومعاهدته بقلب خالص على الإتيان بها ) .  والا لم تكن توبه حقيقيه بل كانت كذباً وخداعاً ، واداء  من حقوق لله سبحانه أو للناس ، فيجب أرجاع الى كلّ ذي حقّ حقه ، فلو كانت عليه صلوات فائته قضاها ، أو في ذمته أموال للناس أدّاها وهكذا ، وإن كانت الحقوق التي في ذمته لا تقتضي الفوريه وإلا وجب أدأؤها فوراً ففوراً مع الإمكان.
فأنّ العاكف على الذنب ولو كان صغيراً لا استعداد له للسير في هذا السفر الذي يحتاج في أصله أن يكون المسافر فيه مقبولاً لدى مولاه ، فإنّ النجاح في هذ الطريق يتوقف على النفحات الإلهيه الآخذه بيد العبد ، وهي لا تتأتّى لمن يتعرض لسخطه لمولاه ،
ومن المعلوم أنّ الذنب - وإن كان صغيراً - إلا أن من أذنبنا بحقه كبير ، بما يجعل المعصيه بين يديه سوء أدب عظيم ، يوجب الخجل والوجل بعد الإلتفات أليه ، ومن هنا كان ديدن جميع من سلكوا هذا الطريق هو الإستغفار المتواصل لتجديد العهد بالرب الذي ما عرفناه حق معرفته وما عبدناه حق عبادته ، وأما استغفار الأنبياء والأوصياء " عليهم السلام " فإنّما هو لإظهار التذلل والتعظيم .
وما أحسن ما جاء في دعاء الإمام زين العابدين " عليه السلام " : ( اللّهم إنّي أعتذر إليك من جهلي وأستوهبك سوء فعلي فاضممني الى كنّف رحمتك تطوّلاً واسترني بستر عافيتك تفضّلاً ، اللّهم وإني أتوب اليك من كلّ ما خالف إرادتك أو زال عن محبّتك من خطرات قلّبي ولحظات عيني وحكايات لساني توبه تسلم بها كلّ جارحه على حيالها من تبعاتك وتأمن ممّا يخاف المعتدون من أليم سطواتك ) .
2 -وجوبها  :
ولا شكّ في وجوبها للآيه الكريمه : ( وتوبوا الى الله جميعاً أيّها المؤمنون ) ففعل الأمر ( توبوا ) ظاهر في الوجوب ولا توجد قرينه تصرفه الى الإستحباب .
 3 - فوريتها :
يمكن الإستدلال على فوريتها بالروايه التاليه : عن ابي بصير قال : سمعت أبا عبد الله " عليه السلام " يقول : ( إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكته سوداء ، فإن تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً ) فهو كشارب السمّ أذا لم يبادر مباشره لعلاجه وإزالة تأثيره فأنّه يموت في الحال ،
مع ملاحظة أنّ موت البدن أهون من موت النفس ، إذ ميت البدن قد يحرز الآخره ونعيمها ، أمّا ميت النفس فقد خسر الدنيا والآخره .
4 - حسن الظنّ بالله : 
فلا ينبغي أن يصيبنا اليأس والقنوط من رحمة الله سبحانه ، فإنّ ( كلّ ابن آدم خطّاء ، وخير الخطّائين التوّابين ) فلا داعي للحياء من الإعتراف بالخطيئه بعد ما ذكرناه من أنّ معظم الناس مشترك بالذنب ، غاية الأمر أنّ الذنوب عند الأشخاص كلّ بحسبه .
فها هو رسول الله " صل الله عليه واله " وهو المعصوم الاول يقول : ( أنه ليغان على قلبي وإنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّه ) .
ومولان ازين العابدين وسيد الساجدين " عليه السلام " يقول في دعائه : ( هذا مقام من تداولته أيدي الذّنوب وقادته أزمّة الخطايا واستحوذ عليه الشّيطان فقصر عمّا أمرت به تفريطاً وتعاطى ما نهيت عنه تعزيراً ) .
وعن الامام الصادق " عليه السلام " قال : ( إذا كان يوم القيامه جيء بعبد فيؤمر به الى النار فيلتفت ،  فيقول الله سبحانه وتعالى : ردّوه فلما أتي به قال له : عبدي لم التفت إليّ ؟ فيقول : يا ربّ ما كان ظنّي بك هذا ! فيقول جلّ جلاله : فما كان ظنّك ؟ فيقول :
يا ربّ كان ظنّي بك أن تغفر لي وتسكنني برحمتك جنتك ! قال : فيقول الله جلّ جلاله : يا ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وبلائي وارتفاعي في مكاني ، ما ظنّ بي هذا ساعه من خير قط ، ولو ظنّ بي ساعه من خير ما روّعته بالنار ، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنه ) .
5 - قلع جذور الذنب : 
فلا سبيل الى الوصول الى التوبه الحقيقيه إلا بقلع جذور الذنب ، وليس أزالته من على ظاهر القلب فقط ، لأن في الجذور إمكانية النمو مرّه ثانيه ، يروى أن أحد أنبياء بني إسرائيل سأل الله تبارك وتعالى قبول توبة عبد من عباده بعد أن أجهد هذا العبد نفسه في العباده لسنين عديده ، فأتاه الجواب : ( وعزّتي لو شفع فيه أهل السماوات ولأرض لن أقبل توبته ما دامت في قلبه حلاوة الذنب الذي تاب منه ) .
6 - تبديل أرضية النفس : 
بمعنى أنّه في بعض الحالات لا يكفي قلع  جذور الذنب فقط لأنّه قد يكون السبب هو أرض نفسه مهيأة  لنمو ونبات مثل هذه الأمراض ، خاصه مع احتمالية بذور وبثور صغيره غير ملحوظه في أرض النفس مما يجعلها تنموا مره أخرى فيقع الانسان في المعاصي ، وعلى هذا فمن المهم جداً تبديل تربة النفس بتربه جديده حره غير مزروع فيها من قبل ، ونعني بذلك رجوع الانسان الى فطرته السليمه بحيث تتبدل حقيقته وصورته الملكوتيه من حالها السابقه الى حاله جديده طاهره نقيه ، وهذا أمر ليس بالسهل ويحتاج الى مقدمات وهي مرتبه :
اولاً : أن يعلم ويعتقد بانّها فاسده وتحتاج تبديل .
ثانياً : أن يجعل له شخصاً كاملاً يبدل له تلك التربه فهو لا يستطيع تبديلها من تلقاء نفسه .
ثالثاً : أن يوفر البديل ويسميه ويعمل على إيجاده وأن لا يخطيء في إختياره .
رابعاً أن يعرف كيفية التبديل باتفاق بينه وبين من سيقوم بتلك العمليه ( المرشد ) وله حق المشوره على ذلك المرشد دون شيء آخر .
7 - أن يعرف بأنّ الله تعالى يغفر الذنب : 
قال الله تعالى : ( إنّ الله يغفر الذّنوب جميعاً )  ما عدى الشرك .
وأنّه تعالى يغطي على العبد وينزع من أذهان الناس أنّه مذنب ، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، بل روي أنّه تعالى يستر على العبد ولا يجعل أحد يعلم بأنّه أذنب .
عن الامام الصادق " عليه السلام " أنّه قال : ( ما من مؤمن إلا وله مثال في العرش ، فإذا اشتغل بالركوع والسجود ونحوهما فعل مثاله مثل فعله ، فعند ذلك تراه الملائكه فيصلون ويستغفرون له ، وإذا اشتغل العبد بمعصيه أرخى الله على مثاله ستراً لئلا تطلع الملائكه عليه ) .
ولا بد أن نعلم أنّ الله حليم ( لا يرتب أثراً ) وكريم ( لا يدقق في الحساب ) وكما جاء في دعاء الافتتاح ( الحمد لله على حلمه بعد علمه ) وفي دعاء الامام زين العابدين " عليه السلام " : ( ويامن عفوه أكثر من نقمته ويامن رضاه أوفر من سخطه ويامن تحمّد الى خلقه بحسن التّجاوز ويامن عوّد عباده قبول الإنابه ويامن استصلح فاسدهم بالتّوبه ) .
8 - معرفة من عصى : 
وبالقابل لابدّ أن يدرك من عصى وعلى من إجترأ ، نقرأ في دعاء أبي حمزه الثمالي : ( أنّا الذي على سيّده اجترى ، أنّا الّذي عصيت جبار السّماء ) إنّ الشخص المذنب يعصي جبار السموات والأرضين ، والذي يعلم السرّ وأخفى ، أنّه يعصي على أرضه مع أنّه يأكل رزقه ويتنفس هوائه ؟
لو يعلم الإنسان علم اليقين بأن الله سبحانه مطّلع على أعماله صغيرها وكبيرها ، لاستحى منه أن يفعل معصيه بحضرته ، كما يستحي من أن يفعل فعلاً قبيحاً بسيطاً أمام أيّ أحد من الناس .
ولا يعتقد المذنب أنً عدم تعجيل العقوبه له وإمهاله هو ضعف فيه - حاشاه - ولإنّما هي فرصه يعطيها الربّ لعبده كي يرجع الى الطريق المستقيم .
9 - وقوع التوبه في محلّها : 
قال تعالى : ( وليست التّوبه للّذين يعملون السّيئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الان ولا الّذين يموتون وهم كفّار أولائك أعتدنا لهم عذاباً أليما ) .
فالتوبه لا تقبل إلا إذا صدرت من قلب خالص غير عازم على العوده الى الذنب مرّه أخرى ، فلا يؤخر توبته الى حين كبر سنه ونهاية عمره ، فإنّ التوبه حينئذ يمكن أن ترد لأن المقتضي للعصيان في بعض الذنوب مفقود حينها ، كما لو كان يكثر من النظر المحرم الى النساء الأجنبيات في شبابه ، وعند ذهاب نور بصره في كبره فإنّه يعلنها توبه ما بعدها توبه !!
والحمد لله رب العالمين


***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم