الدعاء

بسم الله الرحمن الرحيم
 اللهم صل على محمد وال محمد


الدعاء


الدعاء : هو الوسيله بين العبد وخالقه ، وأتصال من عالم الملك بعالم الملكوت ، الذي هو من أهم الأسباب الطبيعيه الاختاريه الواقعيه لنجح المطلوب ونيل المقصود .
في البحث العرفاني للعارف السيد السبزواري - قدس سره - في تفسير قوله تعالى :

{ وإذا سألك عبادي عني فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون } .
ذكر الامام المفسر : أنّ أقوى مراتب سلوك السالكين الى الله جلت عظمته ، وأهم مقامات سيرهم   وسفرهم ، إنّما هو السفر من الخلق الى الحق ، أي : التوجه التام الى الله تعالى حتى ينقطع عما سواه ، ، وهو السير في الحق بالحق ، وهذا السفر الروحاني يصح أن يعبّر عنه بأنّه سفر من المحدود من كل جهه الى غير المحدود من جميع الجهات ، وعطف وحنان ممن لا حد لرحمته وعنايته  الى ما هو المحتاج على الاطلاق ،
وهذا السفر وهذه الرحمه والعطف يتحققان في حقيقة الدعاء مع الايمان بالله جلت عظمته ، وبما جاء به نبينا الأعظم " صل الله عليه واله " ، لأن هذه الحقيقه مع ذلك عباره عن تخلّي النفس عن جميع الرذائل ، وطهاره روحيه من جميع الصفات الذميمه والأهواء الشريره ، وارتباط  روحي بعالم الغيب .
ويصحّ أن يقال : إنّها تجلّي الرحمه الرحيميه والرحمانيه للداعين ،
أو قل : إنّها عروج النفوس المستعده عند الانقطاع عما سوى رب العالمين الى أعلى الدرجات التي أعدت لها ، ولذا قال تعالى :
 { قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم } ، وقال الامام الصادق " عليه السلام " : ( الدعاء مخ العباده ) ولذا كان الأنبياء والأوصياء والعلماء العارفون بالله تعالى يواظبون عليه أشد المواظبه في جميع أحوالهم : حالاً ، ومقاماً .
وتحدّث الامام المفسر في بحثه هذا عن أمرين :
الاول : الفرق بين الدعاء وغيره من الأسباب المؤثره ، كالسحر والعين ، هو أنّ الدعاء تأثير غيبي في عالم الشهاده ، ولما سواه تأثيرات في هذا العالم بإذنه ، وهي غير مرتبطه بعالم الغيب والملكوت أصلاً ، بل بعضها منهيّ عنه شرعاً .
الثاني : الدعاء أنّما يؤثر بحسب معتقدات الداعي ، فربما يكون الدعاء الصادر ممن لا يعتقد بالمبدأ ، يؤثر بحسب معتقده وهو خلاف الواقع قال تعالى :  { وما دعاء الكافرين إلآ في ضلال } وتدل عليه السنه المقدسه بل التجربه .
وفصّل الامام المفسّر القول في بحث له عن الدعاء فذكر أنّ الدعاء من أقوى الأسباب في نجح المطلوب وأعظمها في نيل المقصود ، ومن أشد روابط القرب الى المعبود ، ولا ينفك عنه الانسان في جميع مراحله وأطواره وجميع نشآته ، سواء بلسان الاستعداد والفطره أو لسان المقال ، ولا يخلوا كتاب إلهي من الحث عليه ، وهو العباده التي أمرنا بإتيانها ، والراغب عنه عدّ من المستكبرين عن رحمة الرحمن قال تعالى :  { وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الذين ستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين } .
يكفي في فضل الدعاء قوله تعالى : { قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعائكم } فهو سبب عناية الله تعالى بخلقه وقوله تعالى : { وإذا سألك عبادي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي } . إذاً رتب الاستجابه على الدعاء ، وهذا من عظيم الفضل .
وأما السنّه :  فقد وردت روايات كثيره متواتره من الفريقين في فضل الدعاء واستحبابه مطلقاً .
عن النبي " صل الله عليه واله " فيما رواه الفريقان : ( الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدّين ونور السماوات والأرض ) .
وعن الامام الصادق " عليه السلام " : ( الدعاء يرد القضاء بعد ما أبرم إبراما ) و ( وإنّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكنّه يحب أن تبث اليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمّ حاجتك ) وعن ميسر عنه " عليه السلام " : ( يا ميسر أدع ، ولا تقل ، إنّ الأمر قد فرغ منه ، إنّ عند الله عزّ وجلّ منزله لا تنال إلا بمسأله ) .
وعن الامام علي " عليه السلام " : ( الدعاء مفاتيح النجاح ، ومقاليد الفلاح ، وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي ، وقلب تقي ، وفي المناجات سبب النجاة ، وبالإخلاص يكون الخلاص ، فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع ) .
أنّ قانون السببيه الذي جعله الله تعالى وسيله لتحقق المسببات الوجوديه من دون أن يكون في البين فيض من الأسباب مستقله من دون الله تعالى ، كذلك فأنّ للإنسان شعوراً باطنياً وحساً وجدانياً ، أنّ له ملجأ يأوى إليه في حوائجه ليقضيها ، وأنّ له سبباً معطياً لا ينضب معينه وهو مسبّب الأسباب ، وهو ليس كالأسباب الظاهريه التي يمكن أن يتخلف عنها أثرها ،
وهذا الشعور الباطني يمكن أن يشتد عند فرد حتى لا يرى للمسببات إلا سبباً واحداً ، وينقطع عن أي سبب دونه ، فيعتصم به ولا يتخلّى عنه ، ويتوكل عليه في كلّ حوائجه ، فتنكشف لديه الأشياء على حقائقها ، ويرى زيف الأسباب ،
نعم قد يعرض على هذا الشعور الباطني والحسي الوجداني بعض الظلمات والأوهام ، فيوجب طمس هذا النور الفطري أو خفائه تبعاً لشدة ما يتخيله وضعفه ، فيخيل خلاف ما هو المركوز في فطرته ، وهذا لا يختص بهذا النور الفطري بل يشمل جميع ما يتعلق بالفطره والشعور الباطني ، ولذا قد يرجع ويفيء الى فطرته عند تزاحم المشالكل ، وعدم نفع أي سبب في رفعها .
إنّ أمر الدعاء  والمسببات الظاهريه في ذلك سواء ، فإنّه كثير ما كانت هناك عوامل تثبّط الأسباب وتمنعها عن الأثر ، فكذلك في الدعاء فإنّ هناك موانع كثيره عن تحقق المدعوا به قد ندركها وقد لا ندركها ،
 بل الأمر في الدعاء أشد ، لفرض أنّه ارتباط بعالم الغيب غير المتناهي الخارج عن الحس ، فلابد أن تكون الأسباب الموصله اليه أدقّ وأرقّ ، وهذا محسوس في عالم الماديات أيضاً ، فإنّه كلّما كان الشيء ألطف وأدقّ كان السبب الموصل اليه كذلك .
فحقيقة الدعاء هي الشعور الباطني في الانسان بالصله بعالم لا مبدأ له ولا نهايه ولا حدّ ولا غايه ، لسعة رحمته وقدرته وإحاطته بجميع ما سواه ، فوق ما نتعقل من معنى السعه والإحاطه والقدره ، يقضي له حوائجه ، فيجعل المدعوا تحت قدرة الدّاعي جميع وسائل نجح طلباته ، فيقع التجاذب بين الموجودات الخارجيه ، وقلب هذا الداعي فيصير موجداً وفاعلاً لما يدعوا به ، فيتحد الداعي والدعوه والمدعو به  ، في بعض المراتب لا تحصل هذه المرتبه إلا لمن انسلخ عن ذاته بالكليه وفني في مرضاة الواحديه الأحديه ، فلا يرى في الوجود سوى المدعو ، سواء أكان ذلك ملكه أم حالاً ، فيتحد العاقل والمعقول ، وقد أثبته بعض أكابر الفلاسفه ، ولعله المراد من الاسم الذي هو غيب الغيوب والسر المحجوب ، فروح الدعاء هي ارتباط الداعي بالله عزّ وجلّ  بالشرائط المقرره .
والحمد لله رب العالمين 

***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم