معرفة النفس

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد

معرفة النفس



النفس : هي الجوهر المجرد عن الماده ذاتاً المتعلق بها فعلاً .
وللنفس عدة تقسيمات : قرآني ، وفلسفي ، واخلاقي .
القرآني : مطمئنه ولوامه وأماره ، وفلسفي  : إنسانيه ناطقه  وحيوانيه ونباتيه ، واخلاقي : شيطانيه وسبعيه ووهميه .
وفرق النفس عن الروح أن الروح عباره عن كائن لطيف أثيري شفاف ، يحل في الجسم كماء الورد في الورد ، أما النفس فهي ليست بكائن ، بل هي  عباره عن مجموعة  قوى  ، والعقل أشرف من النفس من جهة تجرده عن الماده مطلقاً ، والنفس أشرف من العقل من جهة إمكان عبور النفس على العقل ، وذلك فيما إذا كانت النفس في قوس الصعود ووصلت في صعودها الى مقام العقل وقد تعبره .
فلو كان العقل حاكماً فإن النفس تكون ناطقه ( مطمئنه ) وتتنعم الروح ، لأن الروح تقع تحت تأثير أفعال النفس .
أما إذا كانت النفس حاكمه فإن العقل لا يكون حاكماً وبالتالي فإن الروح تتعذب .
وهناك تقسيم فلسفي للنفس :
وهي ثلاثة : إنسانيه ناطقه  وحيوانيه ونباتيه ، كما ورد في رواية أمير المؤمنين " عليه السلام " .
أما النباتيه : فسميت بذلك لأن لها صفات كصفات النبات ، وتتصف بالاكل والشراب والمنام والملبس حصراً .
وهنا لابد من ملاحظة بعض الأمور التي تدلل على نباتية النفس :
ففي المأكل :
1 - طلب الكماليات ( الزائده عن الحاجه ) .
2 - الاعتناء بنوعية وكمية الطعام .
3 - الاعتناء بحرارة وبرودة الاكل .
4 - الاعتناء بزيادة الاطباق في جلسات الاصدقاء مما قد يسبب التبذير .
وفي الملبس :
فمن المفروض أن يكون اللباس نظيفاً مرتباً ، لا أن يكون زائداً عن مقدار  حاجاته  وضرورياته .
وفي المنام :
فلا مجال لفرض النوم الزائد ، وكحد أدنى لطالب العلم ، فإن النوم لا يزيد عن ست ساعات كحد أعلى والافضل أن يكون أربع ساعات .
وأما الحيوانيه :
فسميت بذلك لأن لها صفات كصفات الحيوانيه ، وأهما : الشهوه والسلطه ( الدنيويه ) والغضب .
والغضب  ( العصبيه ) منه محمود ومنه مذموم فمن الاول : الغضب لرؤية معصيه ، أو لظلم الدين ، فعن رسول الله " صل الله عليه واله " أنه قال : " ليس الشديد بالصرعه إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " .
والغضب واحد من الصفات التي يكون فيها الصوره الملكوتيه تظهر للآخرين حتى لأحقر الناس ، فالذي يغضب يصبح وجهه أحمر ، والرويات تقول إنه من نار جهنم .
وأما حب الرياسه : فهو بما هو حب للهيمنه والتسلط على  الغير لإبراز شخصيته وإنفاذ أهوائه وجلب المصالح الدنيويه له ولخاصته وتطويع الناس الى أسياده المتكبرين ، وهذا شيء مذموم ويعد طالبه من حكام الجور الذين أمرنا بمحاربتهم .

وأما الانسانيه  الناطقه : 
وهي أسمى هدف يصله الانسان ، وهي الفطره التي فطر الناس عليها ، وهي التي مدحها القرآن وعبر عنها بأحسن تقويم ، وبها صار الانسان إنساناً ، وهذه النفس تتصف بالعلم والمعرفه والحكمه وتفرح بها ، وكذلك تتصف بالحكم الإلهي ، وهذا يفرق عن حب الرياسه وطلبها ، إذ هنا تكون الحكومه لإنفاذ أمر الله تعالى وإظهار ( إني جاعل في الارض خليفه ) وتبيين حكومة الانسان في الارض .
أما كيفية التخلص من النباتيه والحيوانيه وإنما الناطقيه  :
بعد معرفة صفات كل واحده منها لابد من التعرف على كيفية التخلص من الآثار  السيئه لكل منها وذلك عبر عدة نقاط :
1 - معرفة  قبح تلك الافعال وإن كانت - ظاهراً - حسنه .
ولا ينبغي أن يمني الانسان نفسه بأنها مباحات يجوز ارتكابها ، فإن سالك هذا الطريق لابد من الالتفات الى نفسه قليلاً ، وهذه الاعمال لها آثار وضعيه  ويشم منها رائحة البعد عن الله سبحانه .
2 - حساب أن الفعل الذي أعمله كم نفعه أو ضره ؟
بمعنى أنه كم تكون فائدة الافعال في القرب من الله سبحانه أو ضرها في البعد عنه .
وعليه فلماذا تتهافت  النفوس على شراء بعض الكماليات التي لا فائده منها ؟ 
بل لماذا هذا التعدد في الزوجات مطلقاً مع الاكتفاء وتبني السير في  طريق الحق ؟ .
3 -  مستوى قبول العرف والمجتمع لهذا العمل :
وقصدنا من المجتمع هو مجتمع المتشرعه .
أما كيف يمكن أن نقوي النفس الناطقه فهو بطلب العلم ، وخاصه مع القرب من أمير المؤمنين " عليه السلام " .
ونحن لا نريد نفي النباتيه والحيوانيه من الرأس ، يل نريد جعل  الحاكميه للعقل عليهما ، فلابد من أكل وشرب ولباس ونكاح وغيرها ، 
لكن كل هذا بشرط أن لا يكون هناك تعلق بها ، بمعنى أن يكون وجودهما وعدمها سواء .

أما حب النفس :
ويعني إن الانسان يتوجه الى كل ما فيه بناء ذاته ونماءها مطلقاً سواء كان وفق التقنين الإلهي أم لا .
وهذا الاطلاق الذي ذكرناه قد ثبته علماء النفس والاخلاق حيث قالوا بأن الانسان من البدايه مفطور بأصل الخلقه على حب  ذاته  ، وهذا واضح في أبسط امور لا أقل أننا نرى العطشان يتوجه الى الماء ، والجائع صوب الطعام ، ومن يحس بالبرد يسحب غطاء يتقي به البرد وغير ذلك من الافعال ، وكلها إنما تكون بدافع حب النفس والحفاظ عليها وهذا أمر بديهي .
يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر " قدس سره " : ( وحب الذات هو الغريزه التي لا تعرف غريزه أعم منها وأقدم ، فكل الغرائز فروع هذه الغريزه وشعبها بما فيها غريزة المعيشه ، فإن حب الانسان ذاته - الذي يعني حبه للذه والسعاده لنفسه ، وبغضه للألم والشقاء لذاته - هو الذي يدفع الانسان الى كسب معيشته وتوفير حاجياته الغذائيه والماديه ) .
وقال " قدس سره " : ( ولا نعرف إستقراءً في ميدان تجريبي أوضح من إستقراء الانسانيه في تاريخه الطويل ، الذي يبرهن على ذاتية حب الذات بل لو لم يكن حب الذات طبيعياً وذاتياً للإنسان لما إندفع الانسان الأول - قبل كل تكوينيه إجتماعيه - الى تحقيق حاجاته ودفع الأخطار عن ذاته ، والسعي وراء  مشتهياته ) .
ومن هنا رأيت أن حب الذات أمر ذاتي ، والأمر الذاتي لا يمكن التخلي عنه ونحن لا نريد تشويه صورة الذات والنفس ومن حيث ذاته ، كلا وإنما نحن نسعى لإيجاد الحل في حال أن حب النفس أودى الى الوقوع في المهاوي ، وسبب إفساد الفرد والمجتمع وإنما يكون حب النفس مذموماً في علم الأخلاق ، ويسبب الحجب ويجعل الانسان جاحداً إذا كان من هذا القبيل واتصفت الذات والنفس معه بالخسه والضعه ، فجميع الإتجاهات والأديان والمذاهب والتيارات تؤمن بأن سر فساد المجتمعات هو حب النفس والكل يريد أن يعالج هذه المعضله ولكن اختلفوا في كيفية العلاج ، وهنا يبرز دور التعاليم الاسلاميه والفكر  الاسلامي في ايجاد الحل الصحيح ، لأن الاسلام يهتم بهذه القضيه التي قد تودي  بالفرد الى أكثر من الجحود بل  أن يدعي الربوبيه والعباده بالله ، كما ادعى فرعون : ( فقال أنا ربكم الاعلى ) أو يجعله كالشيطان الذي رفض الإمتثال لأمر الله عز وجل في السجود لآدم " عليه السلام " وفقال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ولم يكن ذلك إلا لإعمال حب النفس البغيض .
والحمد لله رب العالمين 

***********************


***********************

إرسال تعليق

التعليق على الموضوع :

أحدث أقدم